طارق صلاح الدين يفند أشهر الأكاذيب التى تم إطلاقها على عصر عبد الناصر (1).. مذبحة القضاء

من أشهر الأكاذيب التى تم إطلاقها على عصر جمال عبد الناصر أكذوبة مذبحة القضاء والتى تم إتهام عبدالناصر فيها بعزل ٢٠٠قاضى لرغبته في تشكيل تنظيم سرى من القضاة فقام نادى القضاة برئاسة المستشار ممتاز نصار برفض إنضمام القضاة لهذا التنظيم..
وتمضى الأكذوبة فى شقها الثانى لتتهم الرئيس عبدالناصر بتكليف د.جمال العطيفى بصياغة قرارات جمهورية لتنفيذ مذبحة القضاء مما أدى إلى القضاء على الحرية الإجتماعية لنادى القضاة… ولم يتم استرداد هذه الحرية إلا عن طريق الرئيس أنور السادات.
وكعادتى فى تفنيد الأكاذيب التى تم إطلاقها على عصر الرئيس عبدالناصر فإننى اقدم الأدلة القاطعة والوثائق التى تؤكد صدق كلماتى.
ولكن لابد قبل أن أقوم بذلك من توضيح نقطة فى غاية الأهمية وهى عدم تدّخل الرئيس عبدالناصر مطلقا فى شأن القضاء منذ قيام ثورة يوليو ١٩٥٢ وحتى عام ١٩٦٨.

ويذكر الأستاذ محمد حسنين هيكل فى صفحة ٥٧ من كتابه (لمصر لا لعبدالناصر ) واقعة تثبت عدم تدخّل عبدالناصر مطلقا فى أعمال القضاء لإحساسه العميق بقدسية العدل.

طالع المزيد:

وفاة سامي شرف سكرتير الرئيس الراحل جمال عبد الناصر

وتتمثل الواقعة فى تلقى عبدالناصر خطاب من الملك سعود يرجوه أن يتدخل كى تحصل ملكة مصر السابقة ناريمان على الطلاق من زوجها الثانى أكرم النقيب الذى رفع قضية يطلب فيها ناريمان فى بيت الطاعة فلجأت ناريمان إلى الملك سعود ليتوسط لها لدى الرئيس عبدالناصر ليؤثر على القاضى كى يصدر حكما بطلاق ناريمان من أكرم النقيب، فقال عبدالناصر لهيكل بالحرف الواحد أنه بالفعل يريد مجاملة الملك سعود فى أى شيء يطلبه ولكنه لايستطيع التدخل فى أعمال المحكمة الشرعية لأن ضميره لايسمح بهذا التدخل.

أما ماكان يؤلم عبدالناصر فهو هل سيصدق الملك سعود ذلك؟ أم سيعتبر أن عبدالناصر يتهرب من إجابة طلبه؟

كان لابد فى البداية من توضيح هذه النقطة وكذلك لابد من توضيح نقطة أخرى وهى أن مشكلة نادى القضاء كانت مشكلة سياسية ولم تكن أبدا تدخلا من جانب عبدالناصر فى أعمال القضاء.
والحقيقة أنه كانت هناك مجموعة من القضاة تتخذ مواقف رافضة لنظام حكم عبدالناصر وانتهزت فرصة هزيمة يونيو ١٩٦٧ لتصفية حساباتها مع ثورة يوليو ومع عبدالناصر شخصيا.

وأعود إلى يوم ٢٢مايو ١٩٦٢ حيث عقد المؤتمر القومى للثورة الشعبية والذى أقر ميثاق العمل الوطني وتحدث فيه عبدالناصر بكل وضوح عن القضاء ولم يعترض أحد من القضاة.

قال عبدالناصر كيف تكون الدولة مسئولة وكل واحد فيها يقول أنه مستقل؟ ثم ماهو الاستقلال؟

وواصل: إن استقلال القضاء الذى يتردد كثيرا نجد فى حالته أن رئيس الجمهورية هو الذى يعين رؤساء المحاكم وله حق توقيع الحركة القضائية وله أن يعتمدها أو لايعتمدها فهل هذا تدخل فى إستقلال القضاء؟
إن إستقلال القضاء المقصود به أن لاتتدخل الدولة فى حكم القاضى وأن لاتهدده بالفصل إذا لم يحكم بشكل معين فى قضية ما.. هذا هو إستقلال القضاء.

ويوضح عبدالناصر نقطة أخرى فى غاية الأهمية وهى مشاركة القضاة فى عضوية لجان قوانين الإصلاح الزراعى واللجنة العليا لتصفية الإقطاع ولجان الحراسات ولم يصدر أى نقد أو شكوى من أى قاضى..
وكان عبدالناصر حريصا على تشكيل محاكم خاصة مثل محكمة الثورة ومحكمة الغدر بعيدا عن القضاء العادى تماما وكان القضاة من أعضاء مجلس قيادة الثورة حتى لاتتدخل الدولة فى أعمال القضاء.

واستعرض الآن أزمة القضاء التى بدأت بعد أن أصدر نادى القضاة (وهو هيئة إجتماعية ونادى ثقافى يوثق الإخاء والتضامن بين رجال القضاء ويرعى مصالحهم ويسهل الإجتماع بهم..ولايضم كل قضاة مصر ).. أصدر بيانا سياسيا تم طبعه فى مطبعة سرية بإحدى شركات القطاع العام وتم توزيعه على وكالات الأنباء والسفارات الأجنبية.. واكرر مرة أخرى تم توزيعه علي وكالات الأنباء والسفارات الأجنبية.. وكان هذا البيان ينتقدنظام حكم الرئيس عبدالناصر.

صدر هذا البيان يوم ٢٩مارس ١٩٦٨ أى قبل صدور بيان ٣٠ مارس ١٩٦٨ بيوم واحد رغم اتصالات السيد شعراوى جمعة والأستاذ هيكل مع المستشار ممتاز نصار وزملاءه لاقناعهم بعدم إصدار البيان وانتظار ما يسفر عنه بيان ٣٠مارس.

وأستعين هنا بالمستشار محمد عبدالسلام الذى قام بتأليف كتاب (سنوات عصيبة ) وهاجم فيه فترة حكم الرئيس عبدالناصر إلا أنه ذكر فى نفس الكتاب وبالحرف الواحد أن البيان الذى وزعه نادى القضاة يوم ٢٩مارس ١٩٦٨ يبدو أن بعض السفارات الأجنبية استغلته فطبعت منه صورا ووزعتها على نطاق واسع وهو الأمر الذى أثار حفيظة السلطات فاعتبرت البيان تحديا لها.
وبالتالى كان البيان سياسيا من الدرجة الأولى ورأى عبدالناصر أن تصرف القضاة يستلزم وقفة خاصة بعد تصاعد الأزمة وأمر عبدالناصر بتشكيل لجنة لدراسة المشكلة واقتراح حلول لها وكانت هذه اللجنة برئاسة أنور السادات والذى طالب فى تقرير اللجنة بإبعاد أضعاف العدد الذى تم إبعاده من القضاة.. فالسادات هو الذى اقترح إبعاد المستشار ممتاز نصار وأوضح ذلك بالتفصيل الأستاذ سامى شرف فى صفحة ١٢٠٤ من كتابه “سنوات وأيام مع جمال عبد الناصر”.
ويذكر الأستاذ سامى شرف أيضا فى صفحة ١٢٢٠ من نفس الكتاب أن الكاتب الصحفى مصطفى أمين الذى كان متهما في قضية تجسس ومنحه السادات عفوا صحيا هو الذى صور الأمر على أنه مذبحة للقضاء وأن عبدالناصر ذبح مئات القضاة لأنهم أصدروا أحكاما عادلة اغضبته.

ويوضح الأستاذ هيكل فى صفحة ٥٨ من كتابه “لمصر لا لعبدالناصر” حقيقة هؤلاء القضاة ويذكر أن الرئيس عبدالناصر كانت أمامه تقارير مؤكدة تشير إلى أن بعض المحاكم تطرد الفلاحين من أراضيهم المستأجرة لصالح كبار الملّاك وبعض القضاة الذين أصدروا هذه الأحكام سبق أن طبقت عليهم أو على أسرهم قوانين الإصلاح الزراعى
فشكّل عبدالناصر لجنة برئاسة أنور السادات وعضوية سامى شرف وشعراوى جمعة وعمر الشريف المستشار القانونى لرئاسة الجمهورية ثم تم ضم د.جمال العطيفى لها فيما بعد.

واكتشفت اللجنة أن البيان الذى تم توزيعه فى ٢٩ مارس ١٩٦٨ لم يتم إعداده بمعرفة مجلس إدارة نادى القضاة وكذلك قام القضاة الذين وزعوا هذا البيان بتخصيص عددين من مجلة القضاء التى لاعلاقة بها بالسياسة لمناقشة موضوعات سياسية تتناقض مع فكر الثورة ورغم ذلك لم يتم مصادرة العددين.

وفى أول ابريل ١٩٦٨ أصدر مستشارو محكمة الاستئناف بالقاهرة بيانا اعترضوا فيه على بيان نادى القضاة الصادر في ٢٩مارس ١٩٦٨ واتهموه بأنه يضر حياد القضاء ومهمته، والبيان موجود فى سجلات محاكم الاستئناف.

كذلك قام المجلس الأعلى للقضاء بإتخاذ قرارا مماثلا لقرار مستشارو محاكم الاستئناف برفض بيان نادى القضاة الصادر في ٢٩مارس ١٩٦٨.

وأما بخصوص أحكام القضاة فقد وجدت اللجنة أن الأحكام القضائية الصادرة لطرد الفلاحين من أراضيهم والتى أصدرها قضاة طبقت على أسرهم قوانين الإصلاح الزراعى، فتجاوز الأمر علاقة القضاء بالسياسة، وامتد إلى نوع من تصفية الحسابات مع ثورة يوليو واستغلال أوضاع مابعد يونيو ١٩٦٧ ظنا منهم أن النظام فى حالة ضعف يعانى ثغرات يمكن استغلالها لصالح فئات إجتماعية معينة..

وأوصت اللجنة برئاسة أنور السادات بإتخاذ إجراءات لتطهير القضاء تشمل ٢٨٣ فردا من الأسرة القضائية..وتقدم السادات باقتراح آخر لإصدار قانون السلطة القضائية…

وأرسل بذلك رسالتين لعضو اللجنة الأستاذ سامى شرف وأصر السادات فى أكثر من موضع على ذكر لفظ التطهير القضائي .

وعلّق الرئيس عبدالناصر فى اجتماع الجمعية العامة للمواطنين فى ١٨ إبريل ١٩٧٠ بقوله:
“لم نتدخل ولكن أراد البعض التدخل فى القضاء بعد ١٩٦٧ وبعد الأزمة التى كنا فيها وتمت كتابة مقالات وذكر كلام أنتم أدرى به منى وكان يجب أن نتدخل لنبعد هذه العناصر وكان من الممكن أن نتدخل بطريقة أخرى بعمل مجموعة وحزب نضرب بهم هؤلاء ولكننا وجدنا أنه من المناسب أن يتم إنهاء الموضوع والقضاء عليه”.

الوثائق

وثيقة بخط يد انور السادات الموجهة لسامى شرف حول قرارات اللجنة والتوصيات

……………………………………………….

طارق صلاح الدين
طارق صلاح الدين

– الموضوع فصل من الكتاب المعنون بـ:

” عبدالناصر بلاتشويه الجزء الثاني ”

لكاتبه طارق صلاح الدين

زر الذهاب إلى الأعلى