إسلام كمال يكتب: هل العد التنازلى بدأ فعليا لإسرائيل؟!
قوى اليمين والصهيونية الدينية في اسرائيل جمعوا حوالى ٢٠٠ ألف في مظاهرتهم المسائية الداعمة لمذبحة المحكمة العليا، والتى دعا لها كل قياداتهم في مقدمتهم نتنياهو، تحت شعار مظاهرة مليونية، ردا على مظاهرة المعسكر المضاد، التى تجاوزت النص مليون منذ أيام.
وكأنهم في مباراة لمصارعة الأذرع “رست” مصيرية وحشد سياسي ومجتمعى ودينى وثقافي غير مسبوق على خلفية المفاوضات المتواصلة في مقر الرئيس الإسرائيلي منذ حوالي الشهر دون نتيجة واضحة.
نتنياهو من جانبه شارك في هذه المظاهرات على طريقته الخاصة، والتى شهدت اختلافات ما في سياقات الحشد لها، حتى إن حاخاماتهم وزعوا دعوات لها في الشوارع وعلى السوشيال ميديا.
ثم عاد بعضهم بعد ساعات وقبل نزول المظاهرات، وسيروا عربات في مناطق سيطرتهم بالقدس المحتلة وتل أبيب للدعوة لعدم الخروج، واستقوا بفتاوى دينية داعمة لتغيير موقفهم، وبالفعل لم يخرج البعض منهم، وسيكون لهذا تأثير حقيقي خلال الايام القليلة المقبلة، مع الوضع في الاعتبار أن عبيد هذه القوى لا يتغيرون ابدا، وبالتالى قوتهم السياسية مستمرة في إطار ما، فهم من نوعية عبيد السمعة والطاعة.
حاول نتنياهو تجميل صورة المظاهرة والتمويه على الجدل المثار حولها، بـ “تغريدة” على حسابه في “توتير”، معبرا فيها بتأثر مصطنع عن سعادته بهذه المظاهرة اليمينية التى وصفها بالدعم الهائل، رغم أنه كان ينتقد أسلوب الدعايا للمظاهرات التى كان يقودها خصومه جانتس ولابيد وليبرمان وميخائيلى.
ومع العلم أيضا أن المصوتين لليكود وحده خلال السنوات الأخيرة يكونوا في إطار المليون تقريبا، وبذلك فإن هذه المظاهرة ضعيفة جدا رقميا، لو وضعنا في الاعتبار مليون مصوت آخرين تقريبا للقوى الدينية القومية والصهيونية.
مع الوضع في الاعتبار طبعا أن المصوّت في الانتخابات غير من يخرج في المظاهرات، المزاج مختلف بالتأكيد، لكن هذه أجواء وجودية بالنسبة لكل طرف فلا حديث عن المزاج هنا، وكان يجب أن يخرج كل أرباب المعسكر، بالذات وهم يرون نجاحات المعسكر المقابل، وبالتالى فإن هناك ارتباك حقيقي في المعسكر اليمينى الدينى الصهيونى.
وتعكر هذه الأجواء الغاضبة، الأجواء الاحتفالية على هامش احتفالاتهم المبالغ فيها بمرور ٧٥ عام على قيام كيانهم، خاصة إنه يسيطر عليهم القلق أساسا علمانيون وحاخامات بسبب عقدة الثمانين عاما، والتى يصدقون فيها جدا، ففي كل مرة من محاولاتهم انشاء كيان لهم يسقط قبل أن يكمل عامه الثمانين.
حدث ذلك مع السبي البابلى وأيضا مع الغزو الرومانى، وهدم ما يسمى بهيكلهم في الحالتين.. ودائما ما يكون مبعث هذا الانهيار أزمة داخلية يأكلون فيها بعضهم وقوى إقليمية تتدخل للإنهاء عليهم بشكل درامتيكى.
لكن لا توجد قوى إقليمية أو دولية تريد تدمير إسرائيل بشكل واضح أو علنى، كلهم بعابيع كارتونية صنيعة إسرائيل وحلفاءها أنفسهم، وفي مقدمتهم إيران وحزب الله مثلا، بل العكس صحيح فكله ينشد ود الكيان الإسرائيلي، لأسباب منوعة، فهل هى فزاعة مصطنعة جديدة يروج لها الصهاينة إقليميا ودوليا لفوائد تاريخية جديدة، أو التمويه على مخططات ما في الترتيبات الجديدة للمنطقة والعالم؟!.
طبعا، لا أحد ينكر مدى تأثير الأزمة الداخلية على كل أركان المجتمع الإسرائيلي، في كل الملفات، وإن شعارات وتحذيرات الحرب الأهلية أو على الأقل الانقسام التام والعصيان المدنى وحتى العسكرى، لها خلفية واقعية على الأرض، وليست مبالغات ما.
وواضح هذا في اتجاهات التصويت واستطلاعات الرأى التى تغيرت تماما، حيث تنهى على حياة نتنياهو العملية وتؤهله للسجن المرعوب منه، وتصعد بالجنرالات من جديد بعدما كانوا الحزب الرابع في أخر انتخابات منذ أربعة شهور تقريبا.
لكن هل هذا يعنى أن المجتمع الإسرائيلي يمهد لحدث جلل، أم ينتهى عند حدث من نوعية اغتيال رابين مثلا، فنرى اغتيال لنتنياهو أو جانتس أو القاضي الإسرائيلي الأشهر آهارون باراك، أيقونة المحكمة العليا الإسرائيلية، التى توازى المحكمة الدستورية لدينا.
نترقب.. وطبعا ستكون لأى حدث من هذه الأمور المتوقعة تصعيدات ما، هل تنتهى بانتخابات مبكرة فقط في عدوى الانتخابات المصيرية التى تضرب المنطقة ونترقب منها التركية، والتى تمهد لاستمرار أردوغان رغم كوراثه كأيقونة إخوانية لن يتركها كل من يدعمها بسهولة، أم إن المشهد الإسرائيلي لن يقف عند حد التغييرات السياسية، ونشهد تغييرات كبري؟!
كل الخيارات ممكنة، فالعالم والإقليم رخو بشكل مؤهل لكل شئ غير تقليدى.