على خلفية مشهد الطفلة الألمانية الحزينة وسخافة الجمهور الإنجليزي.. عنصرية “الهوليجانز” تعود
كتبت: أسماء خليل
“العنصرية الرياضية” هي واحدة من أخطر المصطلحات بالعالم؛ إذ أنها جزءٌ متأصلٌ من العنصرية بمفهومها الأشمل، إنها تلك المعتقدات والأفكار والقناعات الذي تترسخ في أذهان الناس، ولا يمكن تغييرها أبدًا أو استبدالها بأفكار أخرى؛ وهي ناتجة عن الانتماء لجنس معين أو جماعة معينة أو عرق معين، وأصحاب هذا الجنس أو العرق يشعرون من داخلهم بفخر وتميز عن الآخرين، يصل إلى حد الكره، والتعامل مع الآخر بدونية، والتقليل منه وتهميشه وعدم الاعتراف بمميزاته.
ولأن لعبة كرة القدم أساسها الانتماء لأحد الفرق؛ فهذا في حد ذاته مدعاة للانحياز.. فكل مجموعة من الأشخاص ينتمون إلى فريق بعينه، ويشجعونه حتمًا وينحازون له على حساب الفرق الأخرى، ولا يقتصر الأمر على الانحياز الروحي فقط دون مظاهر للتعبير عن ذلك، بل يصل الأمر عند بعض الغلاة غير المتحلين بالروح الرياضية، إلى حد التطاول والقهر اللفظي وربما البدني.. وقد وقعت كثير من الأحداث الغريبة مردها التعصب الكروي.. ومن أشهر المتعصبين حول العالم الجماهير الإنجيليزية المشهورة باسم: “الهوليجانز”.
من هم الـ “الهوليجانز”؟!
ظهر ذلك المصطلح لأول مرة في الملاعب الانجليزية، وهو يشير إلى التعصب الأعمى الذي تتبناه رابطة من الشباب الانجليزي، ويتسم هؤلاء الشباب برد الفعل الهجومي الذي يصل إلى حد التراشق اللفظي مع الجمهور المنافس، بل والاشتباك بالأيدي.
وقد تم إنتاج أفلام وتأليف كتب حول ذلك الأمر؛ حيث أن تاريخ كرة القدم الانجليزية زاخر بالعنف الجماهيري، حتى أن ذلك تم ترسيخه ك “ فلكلور” في بلاد موطنها كرة القدم، وهو ما أساء لسمعة الجماهير الانجليزية.
مظاهر تعصب الانجليز”.
توجد كثير من المظاهر لتعبير “الهوليجانز الانجليز” عن عنفهم وانحيازهم لفريقهم، وتتمثل في الهتافات والإساءات العنصرية التي يوجهها البعض للاعبين، كما يحاول الاتحاد الدولي لكرة القدم التصدي لها بقوة.
وفي الأعوام الأخيرة زاد عدد تلك الحالات، واتخذ بعضها شكلًا جماعيًّا لا فرديًّا، وتجلت مظاهر عنفها في التطاول بالضرب على الجماهير المنافسة، ولا يهم اختلافهم أو اتفاقهم مع الخصم في الدين، واللون، والثقافة، والسكن، أو العرق، الأهم أنهم يعادون من هو خصم لهم.
أمثلة للعنصرية حول العالم
من أشهر أمثلة العنصرية حول العالم في أوروبا وألمانيا حركة أعداء السامية ضد اليهود، والعنصرية الذي تم ممارستها ضد الطوائف المسيحية في تركيا، والعنصرية التي تمارس ضد المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا بعد أحداث 11 سبتمبر، وتجارة العبيد والتي تمارس على الأفارقة أصحاب البشرة السوداء، والحركة العنصرية التي تم تكوينها ضد اليابانيين في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية، والحركة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، وتأتى على رأسهم حركة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ضد الأفارقة أصحاب البشرة السوداء.
ضحايا العنصرية الرياضية العمياء
تذكر بعض الصحف العالمية وقائع كثيرة تدل على العنصرية الرياضية العمياء منها:
“الفتاة الألمانية الباكية”.. ففي أحداث نهائيات يورو 2020، أخرج منتخب انجلترا على ملعبه الأصلي “ويمبلي” نظيره الألماني بثنائية نظيفة، وحدثت مهزلة في نهاية المباراة؛ إذ أظهر المخرج على لوحة النتائج مشهد المشجعة الألمانية الصغيرة وهي تبكي بحرقة على خسارة منتخب بلادها بين ذراعي والدها، وفي تلك الأثناء، بدأ الملعب يعلو بصوت مرتفع ، وظهرت العديد من المنشورات المسيئة على “تويتر” بين بعض المشجعين الانجليز يسخرون من حزن الفتاة الصغيرة؛ مما أثار فضيحة على موقع التواصل الاجتماعي .
“مُعتقلين بنوتنجهام”.. فقد تعرض 69 مشجعًا لنوتنجهام فورست لاعتقال ١٦ منهم، اتهموا بإثارة الشغب، كما أعلن العام الماضي نسبة المعتقلين من القاعدة الجماهيرية الخاصة بنوتنجهام فورست بلغت 0.27%.
“شيكابالا والتنمر”..فعقب مباراة الأهلي والزمالك في نهائي دوري أبطال إفريقيا ، شنّت جماهير الأهلي المتوّج باللقب حملة للسخرية من قائد الزمالك محمود عبد الرازق شيكابالا، صاحب التاريخ الطويل من المناوشات مع الجماهير الحمراء. وانطوت تلك الحملة على الكثير من الممارسات التي صنفتها جماهير الزمالك على أنها ممارسات عنصرية.
“هيسل بلجيكا”.. فعلى ملعب هيسل في بلجيكا لقى 39 شخصًا حتفهم؛ بسبب أعمال شغب خلال مباراة يوفنتوس وليفربول في نهائي كأس الأندية الأوروبية، حين فقدت مجموعة من “هوليجانز” جماهير ليفربول صوابها واخترقت السياج الذي يفصل بينها وبين جماهير يوفنتوس. ووقع الكثير من الضحايا.
“توريه”.. ففي نوفمبرعام 2014، ذكرت مجموعة “كيك إت آوت” البريطانية المناهضة للعنصرية أن توريه تعرض لإساءات عنصرية خلال ساعات من إعادة تنشيط حسابه على تويتر.
وجدير بالذكر، أن جنيجنيري يايا توريه، أو كما ينطق بالفرنسية نيينييري يايا توريه وبالعربية يحيى توريه، هو لاعب كرة قدم إيفواري لعب لنادي مانشستر سيتي.
وقال توريه إنه كان يشعر بالإهانة وبعبء كبير مع كل مباراة لاضطراره أن يواجه الهتافات العنصرية ضده؛ إذ رددوا أغانٍ تشبه صوت القرود، ووجهوا سبابا عنصريا للاعب بسبب بشرته السمراء.
“البرازيلي مالكوم”.. اصطدم البرازيلي مالكوم بلافتات وهتافات عدائية من جمهور فريقه وليس المنافس، في أغسطس 2019، وذلك بعد انتقاله من برشلونة الإسباني إلى زينيت سان بطرسبرغ الروسي في صفقة ضخمة تجاوزت قيمتها 40 مليون يورو.
“بريستون نورث وأستون فيلا”.. فهناك واقعة يذكرها الانجليز جيدًا في عام 1885 في مباراة بين بريستون نورث وأستون فيلا، والتي انتهت بفوز الأول 5/0، حيث شهدت معركة طاحنة بين جمهور الفريقين، استخدموا فيها الحجارة والعصي حتى أن بعض اللاعبين تعرضوا لإصابات عنيفة.
نظرة فلسفية على “ العنصرية”
التفكير العنصري يمتلكه أشخاصٌ أنانيون، لا يشعرون بالآخر ومدى ما يتركه ذلك التفكير البغيض من تأثير في روح الخصم، كما تؤثر تلك العنصرية بالسلب على الفرد والمجتمع، فمن الناحية المادية كم من خسائر بالأرواح والأموال نتيجة تحطيم بعض الأجزاء من المباني والمنشآت.. ومن الناحية المعنوية تؤدي العنصرية إلى تفكك المجتمع وغرس روح الغل والحقد بين أفراده، كما تنشأ بعض المصطلحات المتأصلة بالمجتمع مثل التمييز والعدوانية والدونية..
ولا شك أن وجود هؤلاء المتنمرين بأى مجتمع يمثل قنبلة موقوتة؛ إذ أنهم لابد أن يكونوا أشخاصًا فاشلين بحياتهم، مما يجعلهم يتبنون – بسهولة – أفكارًا عدوانية يفرغون بها طاقتهم السلبية؛ مما يشعل الحروب والدمار بين كل فئات المجتمع.