القس بولا فؤاد رياض يكتب: مارمرقس كاروز الديار المصرية
نشأته:
هو يوحنا الملقب مرقس الذي تردد اسمه كثيرًا في سفر الأعمال والرسائل. حمل اسمين: يوحنا وهو اسم عبري يعني “يهوه حنان”، ومرقس اسم روماني يعني “مطرقة”.
وُلد القديس مرقس في القيروان إحدى المدن الخمس الغربية بليبيا من أبوين يهوديين من سبط لاوي، اسم والده أرسطوبولس، ووالدته مريم امرأة تقية لها اعتبارها بين المسيحيين الأولين في أورشليم. وبعد ان هجمت بعض القبائل المتبربرة على أملاكهم تركوا القيروان إلى فلسطين وطنهم الأصلي وسكنوا بأورشليم. نشأ في أسرة متدينة كانت من أقدم الأسر إيمانًا بالمسيحية وخدمة لها.
علاقته بالسيد المسيح:
والدته مريم كانت من النساء اللواتي خدمن السيد من أموالهن، كما كان لكثير من أفراد الأسرة صلة بالسيد المسيح. كان مرقس يمت بصلة القرابة للرسل بطرس ويمت بصلة قرابة لبرنابا الرسول بكونه ابن أخته (كو 4: 10)، أو ابن عمه.
فتحت أمه بيتها ليأكل الفصح مع تلاميذه في العلية، فصار من البيوت الشهيرة في تاريخ المسيحية المبكر. وهناك غسل رب المجد أقدام التلاميذ، وسلمهم سرّ الإفخارستيا، فصارت أول كنيسة مسيحية في العالم دشنها السيد بنفسه بحلوله فيها وممارسته سرّ الإفخارستيا. وفي نفس العُلية كان يجتمع التلاميذ بعد القيامة وفيها حلّ الروح القدس على التلاميذ (أع 2: 1-4)، وفيها كانوا يجتمعون. وعلى هذا فقد كان بيت مرقس هو أول كنيسة مسيحية في العالم اجتمع فيها المسيحيون في زمان الرسل (أع 12: 12)
أما هو فرأى السيد المسيح وجالسه وعاش معه، بل أنه كان من ضمن السبعين رسولًا، لذا لقبته الكنيسة: “ناظر الإله” و قد كان القديس مرقس أحد السبعين رسولًا الذين اختارهم السيد للخدمة، وقد شهد بذلك العلامة أوريجينوس والقديس أبيفانيوس.
ويذكر التقليد أن القديس مرقس هو الشاب الذي كان حاملًا الجرة عندما التقى به التلميذان ليُعدا الفصح للسيد (مر 14: 13-14؛ لو 22: 11). وهو أيضًا الشاب الذي قيل عنه أنه تبع المخِّلص وكان لابسًا إزارًا على عريه فأمسكوه، فترك الإزار وهرب منهم عريانًا (مر 14: 51-52). هذه القصة التي لم ترد سوى في إنجيل مرقس مما يدل على أنها حدثت معه.
كرازته:
بدأ الرسول خدمته مع معلمنا بطرس الرسول في أورشليم واليهودية. يسجل لنا سفر أعمال الرسل أنه انطلق مع الرسولين بولس وبرنابا في الرحلة التبشيرية الأولى وكرز معهما في إنطاكية وقبرص ثم في آسيا الصغرى. لكنه على ما يظن أُصيب بمرض في برجة بمفيلية فاضطر أن يعود إلى أورشليم ولم يكمل معهما الرحلة. عاد بعدها وتعاون مع بولس في تأسيس بعض كنائس أوروبا وفي مقدمتها كنيسة روما.
إذ بدأ الرسول بولس رحلته التبشيرية الثانية أصر برنابا الرسول أن يأخذ مرقس، أما بولس الرسول فرفض، حتى فارق أحدهما الآخر، فانطلق بولس ومعه سيلا، أما برنابا فأخذ مرقس وكرزا في قبرص (أع 13: 4-5)، وقد ذهب إلى قبرص مرة ثانية بعد مجمع أورشليم (أع 15: 39)
اختفت شخصية القديس مرقس في سفر الاعمال إذ سافر إلى مصر وأسس كنيسة الإسكندرية بعد أن ذهب أولًا إلى موطن ميلاده “المدن الخمس” بليبيا، ومن هناك انطلق إلى الواحات ثم الصعيد ودخل الإسكندرية عام 61 م.
دخل مار مرقس مدينة الإسكندرية على الأرجح سنة 60 م. من الجهة الغربية قادمًا من الخمس مدن. ويروي لنا التاريخ قصة قبول أنيانوس الإيمان المسيحي كأول مصري بالإسكندرية يقبل المسيحية… فقد تهرأ حذاء مار مرقس من كثرة السير، وإذ ذهب به إلى الإسكافي أنيانوس ليصلحه له دخل المخراز في يده فصرخ: “يا الله الواحد”، فشفاه مار مرقس باسم السيد المسيح وبدأ يحدثه عن الإله الواحد، فآمن هو وأهل بيته. وإذ انتشر الإيمان سريعًا بالإسكندرية رسم أنيانوس أسقفًا ومعه ثلاثة كهنة وسبعة شمامسة.
هاج الشعب الوثني فاضطر القديس مرقس أن يترك الإسكندرية ليذهب إلى الخمس مدن الغربية (برقه بليبيا) ومنها إلى روما، حيث كانت له جهود تذكر في أعمال الكرازة عاون بها الرسول بولس، لكنه ما لبث أن عاد إلى مصر ليتابع العمل العظيم الذي بدأه.
عاد إلى الإسكندرية عام 65 م. ليجد الإيمان المسيحي قد ازدهر فقرر أن يزور المدن الخمس، وعاد ثانية إلى الإسكندرية ليستشهد هناك في منطقة بوكاليا.
وقد سرق بعض التجار البنادقة هذا الجسد سنة 827 م. وبنوا عليه كنيسة في مدينتهم، أما الرأس فما تزال بالإسكندرية وبُنِيت عليها الكنيسة المرقسية.
إنجيله:
القديس مرقس هو كاتب الإنجيل الذي يحمل اسمه (أنجيل مرقس)، وهو واضع القداس المعروف حاليًا باسم القداس الكيرلسي نسبة للقديس كيرلس عمود الدين البطريرك السكندري الرابع والعشرين لأنه كان أول من دوَّنه كتابة وأضاف إليه بعض الصلوات.
إنشاء المدرسة اللاهوتية:
للقديس مرقس الرسول الفضل في إنشاء المدرسة اللاهوتية بالإسكندرية، تلك المدرسة التي ذاع صيتها في العالم المسيحي كله شرقًا وغربًا، وأسدت للمسيحية خدمات جليلة بفضل علمائها وفلاسفتها الذين خرَّجتهم.
القديس مارمرقس والأسد:
يُرمز للقديس مارمرقس بالأسد، لذلك نجد أهل البندقية وهم يستشفعون به جعلوا الأسد رمزًا لهم، وأقاموا أسدًا مجنحًا في ساحة مارمرقس بمدينتهم. ويعلل البعض هذا الرمز بالآتي:
أولًا: قيل أن القديس مرقس اجتذب والده أرسطوبولس للإيمان المسيحي خلال سيرهما معًا في الطريق إلى الأردن حيث فاجأهما أسد ولبوة، فطلب الأب من ابنه أن يهرب بينما يتقدم هو فينشغل به الوحشان، لكن الابن طمأن الأب وصلى إلى السيد المسيح فانشق الوحشان وماتا، فآمن الأب بالسيد المسيح.
ثانيًا: بدأ القديس مرقس إنجيله بقوله: “صوت صارخ في البرية”… وكأنه صوت أسد يدوي في البرية كملك الحيوانات يهيء الطريق لمجيء الملك الحقيقي ربنا يسوع المسيح. هذا وإذ جاء الإنجيل يُعلن سلطان السيد المسيح لذلك لاق أن يرمز له بالأسد، إذ قيل عن السيد أنه “الأسد الخارج من سبط يهوذا” (رؤ 5: 5).
ثالثًا: يرى القديس أمبروسيوس أن مارمرقس بدأ إنجيله بإعلان سلطان ألوهية السيد المسيح الخادم “بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله” (1: 1)، لذلك بحق يرمز له بالأسد.
بركة الشهيد العظيم مارمرقس وكاروز الديار المصرية و أول بطاركتها تشملنا جميعا. أمين.
…………………………………………………………………
كاتب المقال: “كاهن كنيسة مارجرجس المطرية القاهرة”.