د. ناجح إبراهيم يكتب: يوميات عيادتي (28) رحماك يا رب بالسودان

• سوداني جاء يدرس الجراحة في مصر, طيب القلب مثل معظم السودانيين,مصاب بمرض جلدي عضال, يقصر دوماً في علاجه والاهتمام به رغم كونه طبيباً, أحاول في كل مرة أن أقدم له الكرم المصري من خلالي.
• يحب مصر كثيراً ويدين لها بعلمه الطبي, يدرس زمالة الجراحة المصرية, يري أن الطبيب المصري هو أمهر طبيب في الشرق الأوسط , لكثرة الحالات الصعبة والمعقدة التي يتصدي لها.
• قال لي : معظم الأطباء والعسكريين والمهندسين السودانيين النابهين درسوا في مصر وبريطانيا معاً.
• جاءني في المرة الأخيرة بعد أحداث السودان قلت له : لقد قلقت عليك قال : سافرت للسودان للاطمئنان علي أسرتي التي تسكن الخرطوم وانتقلت منها مع آلاف الأسر إلي مدن أخرى الخراب والاقتتال والحرب كلها في الخرطوم فقط, أرجو ألا تمتد إلي الولايات, الخرطوم دمرت تماماً, طيران الجيش يقصف الميلشيات, ودبابات ومدافع الميلشيات تضرب الجيش, قلت له: وهل تملك ميلشيا الدعم دبابات ومدافع قال : نعم, قلت له : كيف ذلك؟ قال : هذه الميلشيات أنشأها البشير لحمايته من الجيش وغيره فإذا بالذئب الذي رباه يأكله ويسجنه, وهذه عادة الميلشيات.
• هل تتصور أن حميدتي قائد الميلشيات كان راعي إبل ولم يتعلم , ونال رتبة الفريق , قلت له : نعم إنه لا يحسن الحديث لمدة عشر دقائق في أي موضوع سياسي أو اجتماعي أو عسكري أو حتى إنساني, قال : هذه فوضي وسوف تخرب السودان قبل حسم الصراع, وأرجو ألا ينتشر الخراب للولايات الأخرى التي لجأ إليها سكان الخرطوم.
• بلاد العرب منكوبة بالميلشيات فقد أحصى بعض الدارسين للملف السوري أنه يوجد بسوريا 45 ميلشيا شيعية فقط بخلاف الميلشيات التكفيرية, والميلشيات المنبثقة من الدول الأخرى ومخابراتها.
• خلاصة القول : الميلشيات تدمر الدول, وهي دوما فوضوية, وهي دوماً صاحبة المذابح الكبرى في التاريخ , لا ضابط لها ولا رابط, وهي قادرة علي هدم دول مثل ليبيا وسوريا واليمن والعراق, ولكنها لا تستطيع بناء دولة.
• لقد خلصت من حياتي الممتدة عبر أحداث طويلة عشت بعضها وسمعت وقرأت وتابعت أخرى وتأملات تاريخية دقيقة أن الميلشيات المسلحة تغدر بمن أنشاها أو تحالف معها , كما غدرت ميلشيات الدعم الشعبي بالبشير وسجنته, ثم هي تغدر مرة أخرى بالبرهان, الذي أراد دمجها في الجيش السوداني فهي تكره النظام والتراتيب الإدارية .
• رحماك يا رب بالعرب فقد دمروا حاضرهم ومستقبلهم.

اقرأ أيضا للكاتب:

د. ناجح إبراهيم يكتب: لحظة العمر

د. ناجح إبراهيم يكتب: العرب في مصر

زر الذهاب إلى الأعلى