محمد العزبي.. شيخ الصحفيين صاحب مسيرة العطاء
كتب: إسلام فليفل
يعد الكاتب الصحفي الكبير محمد العزبي نموذجا طيبا يحتذى به الكثيرون فى عالم الصحافة، ويشهد له الجميع بأنه جمع بين الذكاء والزهد، والمعرفة والدهاء، ولقد نجح فى أن يكون له أسلوب سلس وبسيط، وليس هذا فحسب بل يصل بأسلوبه إلى أنه ممتع للغاية، يأخذك معه لتعيش نفس حياته فى كل مكان ذهب إليه أو موضوع كتب عنه.
من تعلموا على يديه يدركون ذلك، ومن تعلموا من خلال مقابلته أو قراة كتبه يدركون ذلك، ومن لم يقرأ له فليحاول الآن أن يقرأ، لعله يدرك ما فاته، لأن ما فاته كثيرا.
“مولده ونشأته”
ولد الكاتب الصحفى الكبير محمد العزبى بقرية العزيزة بمركز المنزلة فى محافظة الدقهلية، وذلك فى يوم 31 يناير 1931، لكن عائلته سجلوه بتاريخ 21 فبراير، حيث كان كاتب المواليد بمكتب العمدة يجمع كل عشرين مولودا ليسجلهم مرة واحدة.
وكان اختيار اسمه له واقعة طريفة حيث أن جدته لأبيه أرسلت شخصا ليبلغ بميلاده ويسجل اسمه: محمد بهاء الدين، لكن الاسم لم يعجبه، فاختار اسما آخر وهو: محمد جاد الحق، فصار محمد جاد الحق محمد العزبى، وكان والد العزبى أستاذًا في كلية أصول الدين، وكان من هيئة كبار العلماء.
“وفاة والده”
مات والده قبل دخوله الابتدائية، وأصرت والدته على تعليمه هو وأخوته رغم نصيحة الناس لها بالعودة إلى البلد، أو إلحاقهم بالأزهر حيث كان من دون مصاريف، وخلال فترة الثانوية العامة بدأ العزبى يتابع جريدة أخبار اليوم، مع محاولات لعمل مجلات حائط، وكان ذلك فى عام 1950/1951.
” دخوله طب قصر العينى ”
عندما كان فى المرحلة الثانوية اجتهد على حسب قدرته، وبعد نجاحه فى الثانوية بمجموع 65% التحق بكلية طب القصر العينى، والتقى زملاء كانوا يصدرون مجلة باسمها، وصدر من المجلة عدد واحد، ونشر فيها موضوعا بعنوان: طب القصر العينى يقود المعركة.. تحقيق سياسى عن النشاط الوطنى فى الكلية.
” تجربة العزبى فى آخر ساعة”
كانت الصحافه تستهويه وتناديه وكانت أول تجارب العزبي الصحفية، ووفقا لحوار أجراه لجريدة الشروق عام 2017، فقد قادته هذه التجربة للرسوب فى السنة الثانية، وﻷنه لم يحب مذاكرة مادة التشريح، والذهاب إلى المشرحة، تكرر الرسوب عدة مرات، وذات يوم أخبره زميل له بالكلية، أن سكرتير تحرير مجلة “آخر ساعة” سليم زبال يبحث عن اثنين، فذهب العزبى هو وحمدى قنديل، وكانا معا فى نفس الكلية، والتقيا زبال ومحمد حسنين هيكل، وكان الأخير رئيسا للتحرير، ومنحتهما المجلة راتبًا 15 جنيهًا شهريًا.
” العدوان الثلاثى ”
وخلال فترة العدوان الثلاثى على مدن القناة، سافر العزبى إلى بورسعيد، وكان يكتب التقارير الصحفية من المدينة ويذهب سريعا خارجها ليرسلها إلى المجلة مع سائق الأتوبيس الوحيد الذى ظل يعمل أثناء فترة العدوان بين القاهرة وبورسعيد، وكان ينتظر الركاب خارج المدينة بسبب العدوان، وكان العزبى يظن أنه يصنع مجدًا، وبعد عشرة أيام، عاد إلى المجلة وتفاجئ بعدم نشر موضوعاته، فسأل الأستاذ هيكل عن السبب، فقال له: حمدا لله على السلامة، ثم أضاف: أنت تكتب بعاطفة، والصحافة بحاجة إلى الأخبار.. رد عليه العزبى:” يا أستاذ هيكل، هل من الممكن أن يكون، في ظل عدوان أجنبى، مكانا لغير العاطفة، فقال:” نحن صحفيون”، ورغم تعلمه الدرس من هذه الواقعة إلا أنه أصيب بنوع من الإحباط لكن لم ييأس وظل يسير فى بلاط صاحبة الجلالة.
” تجربة مجلة التحرير”
وبعد مرحلة آخر ساعة، وبعد عدوان 1956 أنشأت ثورة يوليو مجلة “التحرير”، فذهب إليها العزبى، و تقاضى راتبا قيمته 25 جنيهًا، وبعد فترة وجيزة أغلقوا المجلة، وانتقل العزبى إلى جريدة الجمهورية، وعندما رشحته الجريدة لتغطية انتخابات الكويت، قال له موسى صبري ناصحًا إياه: “سيعرضون عليك هدية أو نقودا فلا تقبل شيئا، سيقولون لك النبى قبل الهدية، لا تقبل أبدا”، وكان هذا درس تعلمه يتذكره عندما يسافر إلى أى بلد عربى.
فى عام 1968، كتب محمد العزبى حلقتين عن الصراع بين قائد الجيش التشيكي ورئيس الحزب، فاستدعاه مكتب وزير الإعلام محمد فائق حينذاك، والتقى شخصا يدعى علام، وقيل له إن كتاباته سوداء، فقال له:” هوا فيه حد بعد يونيه 1967 يكتب حاجة غير سوداء؟”، واتهموه فى هيئة الاستعلامات بإشاعة التشاؤم، وكانوا يتصورون أنه يلمح بالكتابة عن رئيس الحزب وقائد الجيش التشيكى، إلى الصراع بين الرئيس جمال عبد الناصر وقائد الجيش عبد الحكيم عامر، ووقتها مُنع من نشر اسمه على الموضوعات التى يكتبها.
” حصوله على جائزة مصطفى وعلى أمين”
كانت تجربته فى جريدة الإجيبشيان جازيت جديرة بالاهتمام، وبعد أن تولى محمد العزبى رئاسة تحرير الإجيبشيان جازيت، ما بين عامى 1989 و1991، وخلال هذه الفترة حرص العزبى على تطوير محتوى الجريدة ، ونشر ملخصات لمقالات بعض الكتاب المعارضين فى الوفد والأحرار، والاتفاق مع عدد من الكتاب والدبلوماسيين على الكتابة للجريدة، ولم يستمر العزبى فى الإجيبشيان جازيت أكثر من عامين لبلوغه سن المعاش، ولكن نال عن تطوير هذه الجريدة جائزة مصطفى وعلى أمين عام 1991، وحصل على وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى فى العام نفسه.
” عندما وضع قلمه واعتزل”
وبعد حياة حافلة من النشاط الحفى وعمر مديد قضاه مع القلم ورائحة الحبر، اختار العزبى، سنة 2017 تاريخ ميلاده المدون فى سجلات الحكومة بيوم الحادى والعشرين من فبراير، ليضع قلمه جانبا، معتزلا الكتابة، بالتزامن مع بلوغه عامه السادس والثمانين.
” أشهر مؤلفاته العزبى ”
ولو تأملنا خلال مشواره المهنى فقد سافر محمد العزبى إلى معظم بلاد العالم وأصدر كتابا عن رحلاته أسماه “مسافر على كف عفريت” ، بالإضافة إلى هذا الكتاب، ألف العزبى مجموعة كتب عن أحوال الصحافة تحمل عناوين (صحفيون غلابة) و( الصحافة والحكم) و( كُناسة الصحافة).
فى كتابه “صحفيون غلابة ـ الكتابة بنظر ٦/٦٠” ، كشف العزبى كنوزا وأسرارًا من كواليس مهنة الصحافة، ومنها لماذا أعجب الرئيس الأسبق حسنى مبارك بمقالات سمير رجب واعتبرها أفضل من مقالات هيكل، كما كشف من وراء لغز “جماعة طفى النور” التى تصطاد الصحفيين والمذيعين، عندما يزداد لمعانهم، وتصدر عليهم حكمًا بالنسيان والابتعاد، كما استعرض الكاتب لغز قضية الاختفاء الغامض للصحفى رضا هلال ومن ورائها، وخص الكاتب أصدقاء المعتقل فى الستينيات وحكايات الإفراج عن سجناء عنبر رقم اثنان.
” فى ميلاده التسعين ”
وفى إطار رحلة العمر، ففى فبراير 2021 ، كرمت اللجنة الثقافية بنقابة الصحفيين، العزبى فى عيد ميلاده التسعين، وأهدته درع النقابة فى احتفالية بسيطة فى منزله بسبب الإجراءات الاحترازية لفيروس كورونا، فى المقابل أهدى العزبى النقابة مجموعة من كتبه.
وفى يناير من العام الماضى 2022 أعلنت دار ريشة للنشر والتوزيع، صدور كتاب هل يدخل الصحفيون الجنة؟ للكاتب الصحفى محمد العزبى، ليكون على رأس إصدارات الدار فى معرض القاهرة الدولى للكتاب فى نسخته الـ53.