رفعت رشاد يكتب: سياحة زمنية

بيان

“ما شاهدته نقلنى من عالمنا الحالى إلى عالم جميل” الذى يقول هذا هو الكاتب الكبير رفعت رشاد فى مقاله المنشور بصحيفة “الوطن” الأحد .. ماذا شاهد ؟! اقرأ المقال الممتع التالى واعرف الإجابة على السؤال:

كنت أجول فى الإنترنت بحثاً عن بعض المعلومات، فصادف أن دخلت موقعاً محملاً بآلاف الصور عن مصر فى عصرها الحديث، بدءاً من محمد على، وحتى الزمن المعاصر، الثمانينات. مع الصور معلومات وتعليقات مفيدة. أمضيت ساعات دون الشعور بالوقت. رأيت صوراً تاريخية وأحداثاً نشعر بالحنين لها. شعرت أننى ركبت آلة الزمن التى كتب عنها هـ. ج. ويلز. سافرت إلى الماضى. عشت مع أناس لا أعرفهم لكنى أحببتهم. رأيت شوارع مصر فى القاهرة والإسكندرية والمحافظات. رأيت مبانى مصر العريقة وتماثيلها الجميلة. تمتعت بصور المشاهير من الفنانين وحفلاتهم ونوادرهم، والرياضيين وأسرارهم، والزعماء ومآثرهم.

شاهدت صور كورنيش النيل منمقة تصطف أشجاره كأنها بنيان مرصوص، ووجدت الشارع مرسوماً بدقة لا تشوب صورته مطبات أو قمامة أو رصيف مكسور. كم كان المواطنون يستمتعون بمثل هذا الشارع! شاهدت عمارة البلمونت خلال عملية بنائها، وصورتها بعدما تم بناؤها. صممها وبناها مهندس مصرى يهودى وكانت أعلى عمارة بالقاهرة على نيل جاردن سيتى – الحمد لله ما زالت موجودة حتى الآن – كانت حدثاً جديداً باعتبارها تشبه ناطحات السحاب، وسميت بعمارة البلمونت لأن أعلاها كان هناك إعلان كبير عن سجائر البلمونت المشهورة فى ذلك الوقت فى الخمسينات والستينات.

رأيت قصر عائشة فهمى على بحر الإسكندرية، وهو تحفة معمارية تحيط به الحدائق، ولا أعلم إن كان ما زال موجوداً أو اختفى. شاهدت صور كواليس تصوير فيلم غزل البنات، ونجيب الريحانى ينصت باهتمام لملاحظات المخرج أنور وجدى، الذى جمع فى هذا الفيلم عمالقة الفن فى مصر؛ ليلى مراد ويوسف وهبى ومحمد عبدالوهاب ومحمود المليجى واستيفان روستى وزينات صدقى والبديع سليمان نجيب والتاريخى عبدالوارث عسر، ولم يطمع أنور وجدى، بطل الفيلم ومخرجه ومنتجه، إلا فى مشاهد قليلة فى نهاية الفيلم الذى مات نجيب الريحانى قبل أن ينهيه وصار من أوائل أفلام السينما المصرية من حيث القيمة الفنية وربما يكون من أكثرها جمعاً لكبار أهل الفن.

رأيت صور مصر الجديدة الرائعة وشوارعها وطرز مبانيها وكنائسها وبواكيها. شاهدت كوبرى قصر النيل فى حالته الأولى قبل استخدام السيارات، كانت الحناطير والحمير وسيلة المواصلات الوحيدة.

شاهدت صوراً نادرة فى حفلات الفنانين، فريد الأطرش يأكل بنهم وتربصت به الكاميرا وسجلت اللحظة، أم كلثوم سقطت على المسرح، تجمع الفنانين فى الإفطار الذى دعاهم إليه جورج سيدهم، أنور وجدى وليلى فوزى فى باريس بعد زواجهما، صور المحمل وكسوة الكعبة، عبدالحليم حافظ يغنى فى أحد الأفراح على سطوح أحد المنازل، الملك فاروق يستحم فى كابيرتاج حلوان، وصور زفاف الملك وناريمان، طلعت حرب باشا فى مصانع المحلة الكبرى، حسين صدقى يفتتح مسجده بالمعادى بحضور البكباشى جمال عبدالناصر والشيخ الباقورى.

أجمل ما شاهدت فى سياحتى الزمنية: صور إعلانات زمان، رحلات من القاهرة إلى القدس، ربنا يعيد تلك الأيام، شقق للبيع بالمنيل بمبالغ غير مصدقة، فستان العيد للبنات بخمسة وسبعين قرشاً، وقرأت خطاباً مكتوباً بخط جميل من حبيب لحبيبته ذى مستوى عاطفى وأدبى رائع.

ما شاهدته نقلنى من عالمنا الحالى إلى عالم جميل لا أعتقد أنه سيعود مرة أخرى.

اقرأ أيضا للكاتب:

زر الذهاب إلى الأعلى