رفعت رشاد يكتب: قاعة أفراح المطبعة الأميرية
بوقار شديد (يحسد عليه) يكشف الكاتب الكبير رفعت رشاد الحال الذى وصلت إليه العديد من مؤسساتنا الثقافية (العريقة) للأسف، حين تنافس القائمون علي تلك المؤسسات على توفير موارد مالية بأى شكل وبأى طريقة حتى يظلوا جالسين على مقاعد الإدارة متمتعين بمميزاتها، ودون أن يفكروا فى تطوير مؤسساتهم فى قطاعها التى تنتمى إليه ، وهو الثقافة، والإعلام، وراحوا من باب “الاستسهال، والفشل” يتاجرون فى أى شىء وكل شىء يجلب أموال، وهكذا دخلت الراقصات والعوالم قاعات المطابع الأميرية ، وخرجت منها الزفات “جمع زفة” إلى الشوارع، والمقال منشور فى صحيفة “الوطن” ونعيد هنا نشره، وهذا نصه:
كنت عائداً فى ساعة متأخرة ماراً بمنطقة إمبابة فوجدت أنواراً تخطف العين تضىء مبنى المطبعة الأميرية. اعتقدت أن تطويراً حل بمبنى المطبعة وأن تجميلاً جرى نتجت عنه هذه الأضواء. وجدت أن جزءاً كبيراً من مبنى المطبعة التاريخى عليه لافتة «قاعة أفراح المطبعة الأميرية».
اضطربت قليلاً، ولما استعدت تركيزى قال لى سائق السيارة: ماذا حدث لك؟ قلت: هل توجد قاعة أفراح بمبنى المطبعة الأميرية بالفعل؟ ابتسم الرجل وبدا عالماً بالأمور وقال: وما الجديد! توجد عدة قاعات بالمبنى، كان مدخلها من الشارع الجانبى، والآن أعلنوا عن وجود القاعات بهذا الشكل.
للمطبعة الأميرية تاريخ عريق فى مصر يرتبط بتاريخ مصر فى كل نواحيه.
أنشئت المطبعة فى عهد محمد على منذ مائتى عام على نيل بولاق، ولذلك كان اسمها وحتى فترة الخمسينات من القرن العشرين «مطبعة بولاق».
كان الوالى صاحب فكر متكامل ولديه من الرؤية ما أتاح له أن يبنى مصر بشكل حقيقى، ولذلك كان إنشاؤه المطبعة جزءاً من رؤيته وخططه.
كان بنى جيشاً حديثاً وهذا الجيش يحتاج إلى تعليم أفراده، وهو ما يتطلب كتباً يقرأونها، وكذلك لتعريفهم بالأسلحة وأنواعها وما يرتبط بها، لذلك كان قراره بإنشاء المطبعة بالتعاون مع إيطاليا التى كانت، قبل فرنسا، قبلة البعثات المصرية للنهضة.
كان أول مطبوع قاموس عربى إيطالى. وبعد فترة تدريب كافية للعاملين بالمطبعة تسارعت إصداراتها من الكتب التى كان من أوائلها «ألف ليلة وليلة».
تُصدر المطبعة جريدة الوقائع التى كانت أول جريدة مصرية وتحولت بعد ذلك إلى الجريدة الرسمية للدولة تنشر فيها القوانين واللوائح والقرارات.
لأهمية المطبعة قرر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بناء مبنى كبير لها فى موقعها الحالى وخصص لها 30 ألف متر ووفر لها ماكينات حديثة للطباعة ذات إمكانيات تسمح لها بطباعة أسرع وأكبر فى الكميات وأنشأ هيئة المطابع الأميرية.
تاريخ طويل للمطابع الأميرية اقتحمته قاعات الأفراح التى لا معنى لوجودها فى مثل هذا المكان أو الأماكن التى تشبهه.
اللافت أن كل جهة مثل مراكز الشباب وبعض المصالح الحكومية والنقابات تؤجر مساحات من مبانيها قاعات للأفراح من أجل زيادة مواردها المالية.
لا أعترض على تحقيق زيادة فى الموارد، لكن أرفض مصدر هذه الزيادة فى مواقع رسمية توفر لها الدولة ميزانيات وترعاها.
ليس صحيحاً أن كل جهة عليها أن تدبر مواردها أو تزيدها بأى طريقة، فلكل مقام مقال، فلا يجوز مثلاً أن نؤجر قاعات للأفراح فى دور العدالة أو أى مبانٍ رسمية تتمتع بالمكانة والوقار، خاصة أن هذا المجال يفتح الباب لاستفادة أشخاص بعينهم من العاملين.
منذ سنوات كانت مؤسسة صحفية كبيرة تنظم حفلات فنية، وبعد سنوات كشفت الوقائع عن انحرافات شابت تلك الحفلات وجرت تحقيقات فى جهاز الكسب غير المشروع فى هذا الشأن.
أطالب بإبعاد مؤسساتنا العريقة ذات المكانة الرسمية عن أمور الأفراح والليالى الملاح، فالدولة ترعى هذه المؤسسات ولا تتخلى عنها. وأعتقد أن هذه الأمور لا تتم إلا لمصلحة خاصة للقائمين على المؤسسات صاحبة قاعات الأفراح.