رفعت رشاد يكتب: لم يسألني عن المصري

بيان

مثقفو مصر وكتابها، بل وجل أبنائها، يحلمون بمصر التى تملك القدرة الشاملة، مصر القوية فى جيشها، واقتصادها، وجبهتها الداخلية، مصر التى تصنع السيارة والقطار والطائرة .. “ليه لأ؟!” والمقالة التالية للكاتب الكبير رفعت رشاد المنشورة فى صحيفة “الوطن” ونعيد نشرها هنا تعكس بقوة هذا الحلم.. اقرأ النص كاملا:

سألنى: فرنساوى والّا إسبانى؟. لم أفهم عمّ يسأل. أدرك حيرتى، فقال: طب روسى؟

اعتقدت أنه يسأل عن جنسيتى، فقلت له: مصرى.. مصرى، فرد بعصبية: ماعندناش مصرى. قال أحد الواقفين: مصرى إيه يا أستاذ؟، ده بيسألك عن القطار الذى تريد السفر به!! نزل علىّ سهم الله، فقلت: أريد السفر بقطار مصرى. نظر المحيطون بى منتظرين دورهم أمام شباك التذاكر فى محطة السكة الحديد ولسان حالهم يشفق علىّ.

قال أحدهم: سافر بالفرنساوى.. أسرع وأرخص، وقال آخر: تالجو أحسن.. الإسبانى يعنى.. ده فاخر بس غالى، وتدخّل شخص هادئ: مافيش أحسن من الروسى.. طول عمر حاجتهم بتعيش معانا.. والقطر الجديد مشترك مع المجر.. وكلنا فاكرين القطر المجرى.

رد رجل مداعباً: شكلك شيوعى يا بيه وبتحن للحاجات الروسى والأيام الروسى.. قال شاب من الواقفين: روسيا فيها حاجات حلوة كتير.. ستاتها مالهمش حل.

كنت أستمع للنقاش الدائر حولى لكننى سارح أفكر فى جنسيات سكك حديد مصر.

تمنيت لو ألا أسأل عن نوع القطار الذى أسافر به، وأن أستقل قطاراً خالص المصرية، كما حلمت كثيراً بسيارة مصرية حتى الشكمان.

لماذا نسأل عن جنسية ما نستخدمه، إذا اشتريت سيارة فهى تحمل جنسية غير مصرية وإذا سافرت أسافر فى قطار يحمل جنسية أخرى.

نتذكر القطار المجرى. وكان للأمانة إضافة ممتازة لسكك حديد مصر، جديداً فى شكله ورفاهيته وكان وسيلة النخبة فى السفر بين القاهرة والإسكندرية. لما أحيل المجرى للمعاش جاء التوربينى الفرنسى، وكان أفضل القطارات التى عملت فى سكك حديد مصر، كان يقطع المسافة بين القاهرة والإسكندرية فى ساعتين بدون أى تأخير، لذلك كان قبلة رجال القضاء والأعمال الذين تتطلب أشغالهم الوجود فى أماكن عملهم فى توقيت محدّد.

كانت شركة «سيماف» ركيزة قوية لتصنيع القطارات وإصلاح التالف منها. كانت تصنع قطارات الدرجة الثالثة، وما زالت هذه القطارات تعمل بكفاءة فى المناطق الريفية، وكان يمكن البناء على خبرات «سيماف» لتصنيع القطارات، فالأمر ليس صعباً بدرجة كبيرة، فهى مجرد عربات، حتى لو اضطررنا مرحلياً لاستيراد القاطرات لحين اكتساب خبرة تصنيعها.

المؤسف أن القطارات الحديثة بعد أن يمضى عليها فترة من الزمن يتم بيعها خردة، فلا يستفاد من قطع الغيار الصالحة فيها أو السعى لتشغيلها بإمكانيات أقل فى مناطق تحتاج إلى السكة الحديد.

لدينا محافظات نائية لا يحل مشكلة الأهالى فيها إلا السكة الحديد مثل البحر الأحمر والوادى الجديد ومطروح.

استخدام الطائرات فى تلك المحافظات لا يتحمله كل الناس، لذلك يكون القطار أفضل وسائل المواصلات إليها.

أمضيت بعض الوقت فى المحطة أفكر فى القطارات متعدّدة الجنسيات، وانتابتنى لحظة إفاقة، وتساءلت: لماذا لا يوجد قطار صينى؟ إنهم يصنعون قطارات فاخرة فائقة السرعة، لماذا لا يكون عندنا قطار من آسيا؟ استفقت على صوت قطار صرخ فى أذنى فأخرجنى من أفكارى.

اقرأ أيضا للكاتب:

رفعت رشاد يكتب: لحم رخيص

رفعت رشاد يكتب: احتلال العالم بضغطة زر !!

زر الذهاب إلى الأعلى