الطلاق الغيابي.. ظاهرة جديدة تضرب مؤسسة الزواج وتهدد استقرار السوريين

 

 

 

من سوريا: أشرف التهامي

سنوات الحرب الأخيرة للسوريين وما حملته من تردٍ للأوضاع الاقتصادية وسوء الحال المعيشي وغياب فرص العمل خلقت ظاهرة جديدة تهدد بشدة استقرار الأسرة السورية، وهى: “الطلاق الغيابي”، والذي يقع في أثناء غياب الزوج أو أن يسافر إلى بلدٍ والزوجة في بلدٍ آخر، أو حتى في البلد نفسه.

استطلاع

وتلخصت هذه الظاهرة الجديدة وفقاً لاستطلاع أجراه “تلفزيون سوريا” المعارض مع عددٍ من المحامين في عددٍ من المناطق السورية، في طلب الزوجة بالخلع من زوجها الذي فُقد أو هاجر لسنوات خارج البلاد أو سافر إلى محافظة أخرى لشهور عدّة من دون مصاحبة عائلته أو الإنفاق عليهم ورعايتهم، والتي أعادها مِمّن استطلعنا رأيهم من المحامين إلى غياب فرص العمل وسوء الأوضاع الأمنية والاقتصادية في جميع المناطق السورية.

تغيب الزوج للبحث عن عمل

يؤكد المحامي عبد الرزاق زهير أن “الطلاق الغيابي” هو مصطلح غير متداول على الساحة السورية، وإنما يُعرف بقضية خلع الزوجة من زوجها بدواع عدّة، أبرزها وأكثرها انتشاراً في شمالي سوريا، هو تغيب الزوج لسنوات عدّة من دون معرفة أي معلومة عنه سواء أكان حياً أو ميتاً، وهي تتلخص في قضية المفقودين أو المغيبين في السجون على اختلاف مناطق النفوذ.
ويُضيف زهير لموقع “تلفزيون سوريا” المعارض أن هنالك العديد من الحالات أيضاً تتركز في غياب الزوج وسفره خارج البلاد كتركيا بداعي البحث عن فرصة عمل، وبقائِه لسنوات من دون إرسال أموال إلى زوجته لرعاية أولاده، ما يدفع الأخيرة للتوجه إلى المحكمة أو توكيل محامٍ لإجراء معاملة طلاق من زوجها من دون العودة إليه، مع تحصيل ما قد يحق لها من زوجها وفقاً لعقد الزواج المبرم بينهما والقانون.

واستشهد المحامي “زهير” بقضية أنهاها منذ قرابة ثلاثة أشهر تضمنت طلب سيدة متزوجة تبلغ من العمر 19 سنة، وهي أم لطفل واحد، وتسكن في ريف حلب الغربي، بالخلع من زوجها الذي سافر إلى تركيا منذ 2021 بداعي البحث عن فرصة عمل لتأمين مستقبل عائلته، والذي بدوره لم يتواصل مع زوجته أو إرسال أي مبلغ مادي إليها منذ خروجه من البلاد، ما دعاها إلى تقديم طلب خلع من زوجها وتحصيل لحقوقها وتأمين ما يتطلب عليه لرعاية أطفاله مادياً.

طالع المزيد:

جرائم داعش بحق السكان المدنيين في سورية والعراق (1)

مكونة من 11 بندا.. « الفارابى » يقترح مبادرة لحل الأزمة السورية

وأوضح أن القضية انتهت بنجاح الزوجة في الخلع من زوجها من دون حضور الأخير، بعد أن وكّل القاضي نفسه بتلفظ الطلاق وفقاً للدين الإسلامي، مشيراً إلى أن إجراءات القضية استمرت قرابة 3 أشهر بعد عجز المحكمة وانتهاء مهلة الصلح التي يطرحها القاضي، بالإضافة إلى تغيب الزوج عن المحكمة رغم إطلاق مذكرة بحث باسمه بداعي الحضور العاجل للامتثال أمام المحكمة.

وأشار المحامي إلى أن الزوجة استطاعت في هذه القضية تحصيل حقوقها بشكل كامل، عبر تحصيل مهرها المؤجل وما تبقى من مهرها المعجل بالإضافة إلى ما يسمى “تعويض نفقات”، والتي يتكفل بها ذوو الزوج في حال عدم امتثال الأخير وإنكاره.

وأرجع المحامي زهير السبب الرئيسي وراء هذه القضية إلى “غياب الوعي الكامل لدى الشبان بخصوص مستقبل أولاده في حال الطلاق، بالإضافة إلى غياب أو انعدام فرص العمل في الشمال السوري، وكثرة اليد العاملة، وعدم تكفل الحكومات القائمة في المنطقة بتوفير فرص العمل”.

تغيب الأزواج المعتقلين

من جانبه، قال المحامي أحمد بكور لموقع “تلفزيون سوريا” المعارض إن معظم القضايا التي تطرق إليها خلال مسيرة عمله بهذا الخصوص تعود إلى تغيب الزوج لسنوات في السجون على اختلاف مناطق النفوذ.
، وعدم معرفة أي تفاصيل عنه سواء أكان حياً أو ميتاً، مشيراً إلى قضايا عدّة، تركزت في معظمها على حاجة الزوجة للخلع من زوجها بهدف تخليها عن ذوي أهل زوجها وتأمين نفقة شهرية لها.
وأشار المحامي إلى أنه استطاع في آخر قضية كان يعمل بها خلع سيدة تبلغ من العمر 32 عاماً بعد تغيب زوجها لما يزيد على 6 سنوات، وتعاني من سوء معاملة ذوي زوجها وعدم تأمينهم لمستلزمات أبنائها الأربعة، إضافة إلى ضيق مساحة مسكنها المكون من غرفة واحدة داخل منزل أهل زوجها، لتنتهي القضية بالطلاق.
وأشار إلى أن بعض السيدات تعمل على رفع قضية “تغييب” على زوجها بدلاً من الطلاق، وهو ما اعتبره المحامي بأن هذه القضية من شأنها أن تحفظ حق المرأة لطالما كان الزوج غائباً، مبيناً أنه يسمح للزوجة هنا بإدارة جميع ما يملك زوجها والتصرف بعوائد أملاكه بالكامل، من دون السماح ببيعها.

ثلاثة شروط للطلاق

وذكر المحامي بكور أن “الطلاق الغيابي الذي يرافقه تعويض للزوجة، يجب أن يحمل ثلاثة شروط على أقل تقدير، وهي أن يكون الطلاق من دون سبب مسوّغ، وأن يؤدي إلى فاقة وبؤس للزوجة، وأمّا الثالث فهو عائد إلى تقدير القاضي في أن الزوجة تستحق التعويض أو لا”.
ولفت المحامي إلى أن الشروط الثلاثة في حال توافرها تمنح الزوجة الحق في التعويض.
ووفقاً للقانون العام في إدلب، فإن المرأة التي تطلب الطلاق تسقط جميع حقوقها على زوجها تبعاً لمطلب القضاة، إذا لم يكن هنالك أي حقوق لها من زوجها، وفقاً للمحامي بكور.

مناطق سيطرة النظام أكثر سوءاً

لا يختلف الأمر في المحافظات السورية الأخرى الخاضعة للدولة السورية، بل يزداد الوضع سوءاً بسبب تردي الوضع المعيشي أكثر من شمالي سوريا.

وفي آخر إحصائية صادرة عن المكتب المركزي للإحصاء التابع للدولة السورية في 2022، فإن عدد عقود الزواج التي تم تسجيلها في مناطق سيطرة الدولة السورية خلال 2021 بلغت 237.944 عقداً، في حين بلغ عدد شهادات الطلاق خلال العام نفسه 41.957 شهادة.

وفي قضية تحدث عنها المحامي محمد نائل، التابع لنقابة المحامين السوريين، فإن سيدة نازحة منذ ثلاث سنوات من ريف حلب الغربي، تبلغ من العمر 29 سنة وأم لثلاثة أطفال، تقدمت إليه لرفع مخالعة من زوجها الذي يسكن في مناطق المعارضة الارهابية السورية، بسبب عدم تمكنها من الذهاب إليه أو قدومه إلى مناطق الدولة السورية.

وأوضح المحامي أن القضية نجحت وتمكنت الزوجة من مخالعة زوجها، لاعتبار الأخير خارج البلاد وعدم استطاعته الدخول، مشيراً أن القاضي حكم على زوجها بدفع المهر المؤجل ونفقة السنوات الثلاث في حال عودته.

وأشار المحامي نائل إلى أن هذه القضايا كثرت بشكل كبيرة خلال السنوات الثلاثة الماضية، بسبب هجرة العديد من الشباب المتزوجين، للفرار من أداء الخدمة العسكرية، والبحث عن فرصة عمل، بالإضافة إلى النزوح الأخير للنساء الذي جرى مطلع العام 2020 إلى مناطق الدولة السورية، وبقاء أزواجهن في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة الارهابية شمال غربي سوريا.

آثار الطلاق الغيابي

تؤكد الباحثة في مركز “حواء النسائي”، سعاد الصاوي، أن “الصراع السوري أثر بشكل كبير خلال سنواته على الأسرة السورية، إذ فكّكت ظروف الحرب القاسية أسس تكوين العائلة واستقرارها، وأبرزها عزوف الشبان السوريين عن الزواج لعوامل عدّة أبرزها الوضع الاقتصادي الذي تركز على غياب فرص العمل وسوء الحال المعيشي، والوضع الأمني من اعتقالات تعسفية بحق الشبان بدواعي أداء الخدمة الإلزامية، ما ألزم كثيراً من الشبان بالهجرة إلى الدول الأوروبية أو المجاورة لسوريا”.
ويؤكد تقرير صادر عن فريق منسقو استجابة سوريا، في حزيران – يونيه – الماضي، أن المدنيين شمالي سوريا يعيشون في عجز واضح بالقدرة الشرائية وهم في حالة فشل وعجز عن مسايرة التغيرات الدائمة في الأسعار، ما يتجاوز قدرتهم على تحمل تأمين احتياجاتهم اليومية.
ومنذ مطلع العام 2023، شهد حد الفقر زيادة إلى مستويات جديدة في شمالي سوريا، إذ بلغت نسبته 0.57 في المئة، مِمّا رفع نسبة العائلات الواقعة تحت حد الفقر شمالي سوريا إلى 89.81 %.

زر الذهاب إلى الأعلى