د. رفعت سيد أحمد يكتب: عندما يستثمر داعش والإخوان الصراعات الأفريقية لنشر الإرهاب

بيان

تؤكد حقائق التاريخ ووثائقه ، أن التنظيمات الإرهابية بقيادة (داعش والإخوان) تستثمر عادة الصراعات الداخلية في البلاد العربية والإسلامية، إلى أقصي درجات الاستغلال ويكون الهدف دائما هو العودة إلي تلك البلاد أو جعلها مركزا للانطلاق والتوسع في الإقليم والبلاد المجاورة، خالقة حالة وبيئة من الإرهاب والصراع الدامي، لأنها عادة لا تنمو إلا في (الدم ) ومناخ الفوضي ولا يستقيم لها وجود إلا بتفكك الدول وغياب السلطة والدولة والجيش المركزي.

وهذا ما جري في أغلب البلاد العربية (بإستثناء مصر ) أثناء ما سمي زيفا بـ (الربيع العربي ) ولم يكن في الواقع إلا (شتاء عربيا للإرهاب وفوضي الدم ) .

ولعل في تأمل نماذج كالعراق وسوريا وليبيا والسودان، ما يؤكد ذلك ولكنا سنتوقف أمام أحدث فصول الإرهاب الجديد القادم في كل من (ليبيا والسودان) لأننا تناولنا العراق وسوريا في دراسات سابقة، ولأن ليبيا والسودان، تأثيرهما مباشر علي الأمن القومي المصري الذي هو هدفنا الرئيسي ؛ دفاعا عنه وحماية له من خطر الإرهاب الداعشي والإخواني الجديد القادم من الجنوب والغرب هذه المرة، مستغلا الأزمات والصراعات الداخلية فماذا عنه؟.

قول ملامح الأزمة الليبية التي نتجت عما سمي بالثورة الليبية (وهي في حقيقتها لم تكن ثورة بل صراعا حول النفط وزرع الإرهاب في ليبيا الدولة ذات الثقل والدور الافريقي المهم ) ؛ تقول الأزمة في فصولها الأخيرة إنه رغم الرحلات المكوكية والتدخلات السياسية للوسطاء الدوليين والأفارقة لحل إشكاليات الصراع بداخلها حلاً سلمياً ، ورغم التفاؤل الذي يتمنّاه البعض – ونحن منهم – بأن يكون عامنا هذا (2023) عام انتخابات وتشكيل حكومة قوية حاكِمة لكل البلاد ، وأن يكون عام اندحار لجماعات الإرهاب على اختلافها وفي مُقدّمها داعش ؛ إلا أن الحقائق على الأرض تقول بغير ذلك ، وبأننا سنشهد مزيداً من التفكّك للدولة الليبية التاريخية ومزيداً من الإرهاب الدموي والصراع المسلّح بين الفرقاء السياسيين الرئيسيين من جهة سواء أولئك الذين في في طرابلس أو في بنغازي ، وبينهم وبين أنصار الشريعة والقاعدة وداعش وأجنحة الإخوان المسلمين المُسلّحة من جهة أخرى.

إن ليبيا تنتظرها للأسف أوقات عصيبة على نقيض الصورة التي تُصدَّر للإعلام ،لأن الجميع (تحديدا الغرب الأوربي والأمريكي ) متورِّط في عدم حلّها حلاً سلمياً عادلاً .

على أية حال.. إن ما نوّدّ لفت الإنتباه ، هو أن أحد أبرز الجبهات التي ستشهد قلاقل وتوتّرات حادّة تصل إلى حد الصراع الدامي هي جبهة الحدود الليبية مع الجيران جميعا (تونس – الجزائر – تشاد – مصر ) ولأن ما يهمنا ويشغلنا هو الأمن القومي المصري، فإن ما يهمنا التأكيد عليه هو الحدود المصرية الليبية ، التي رغم سكونها الحالي الناتج من قوّة القبضة الأمنية والعسكرية المشتركة (جيش حفتر – جيش مصر) ؛ الإ أن احتمالات تفجّرها وارِدة مع نموّ جماعات الإرهاب من العائدين من سوريا والعراق ؛ ومن المستغلين لأحداث السودان والصراع الداخلي بها.

الخطر قادِم على مصر من هذه الحدود ومن الحدود الجنوبية مع السودان كما هو قائم ومُزعج في سيناء ، فماذا عن تلك المخاطر ؟.

أولا: خطر الدواعش والإخوان في ليبيا

تُحدِّثنا الحقائق أن طول الحدود بين مصر وليبيا يبلغ نحو 1115 كيلومتراً، ويقع العبء الأكبر في تأمينها على الجانب المصري بسبب ضعف إمكانيات الجيش الليبي في الشرق، وانشغاله بمحاولة فرض الأمن والاستقرار وهزيمة الجماعات الإرهابية داخل عموم ليبيا.

بهذا المعنى فإن الحدود مع ليبيا تمثّل خطراً مباشراً على الأمن القومي المصري، خاصة أن جزءاً كبيراً من العناصر الإرهابية الآتية من عدّة دول في العالم ، وتُقاتل حالياً في ليبيا ، تحاول الدخول إلى الأراضي المصرية عبر المناطق الحدودية الهشَّة، والمعروف أنه باستثناء السلوم وسيوة، لا توجد مدن أو أية تجمّعات سكانية مصرية على طول الحدود المصرية الليبية.

وتُعدّ منطقة بحر الرمال – بمُحاذاة الحدود مع ليبيا – التي يبلغ طولها نحو 150 كيلو متراً وعرضها نحو 75 كيلومتراً، أصعب ممر للعبور إلى داخل مصر.

وخلال السنوات الأخيرة الماضية أعلنت مصر عن إحباطها عدداً من عمليات تهريب أسلحة وسيارات دَفْع رُباعي عبر الحدود مع ليبيا .

هذه الجغرافيا الواسعة تمثل اليوم مصدراً للتهديد ومُنطلقاً للعمليات الإرهابية من تنظيمات متواجدة بقوّة في المدن الليبية القريبة من الحدود المصرية ، ومن أشهر تلك التنظيمات وفق خريطة توزيعها تأتي داعش والقاعدة والأجيال الجديدة منهما ، وهي جماعات تتواجد في مراكز تدريب عالية الخبرة بالقرب من الحدود مع مصر.

إن ليبيا تعاني أيضاً من انتشار أنواع كبيرة من تجارة السلاح التي يرغب أصحابها في استغلال التوتّر الموجود على الحدود، والدخول بقوّة مع سلاحهم إلى مصر وقد وجِدَت بالفعل أنواع نادرة ومهمّة من الأسلحة في أيدي إرهابيي سيناء بما فيها صواريخ مُضادّة للطائرات وصلت إليهم من ليبيا ، الأمر الذي يزيد من المخاطر والتهديدات التي تؤثّر على مصر في الجانب السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري.

يهمّنا هنا أيضاً أن نُنبِّه إلى أن الحدود البرية مع ليبيا تُعدّ من أطول الحدود المصرية بعد الحدود مع السودان الذي يعاني هو الأخر اليوم من أزمة صراعات داخلية دامية ومدمرة ، وهي تتمتّع بطبيعة طبوغرافية تصعب السيطرة الكاملة عليها ، والمعروف أن مصر تعرّضت لتهريب كميات كبيرة من الأسلحة منذ بداية ما يُسمَّى بـ(الثورة) الليبية وعلى مدار السنوات الماضية .

إن المستقبل إذن يحمل احتمالات تنامي العمليات الإرهابية على الحدود بين مصر وليبيا ، وهو ما يتطلب يقظة تامة وهو ما يقوم به بشجاعة وعلم وتضحية الجيش المصري العظيم .

ثانيا : الدواعش والإخوان سيستغلون الصراعات في السودان

مع بدء الأزمة الداخلية السودانية بين الجيش الوطني وقوات الدعم السريع في 2023/4/15 توالت المشكلات الأمنية القاتلة التي لم تطل السودانيين وحدهم بل والدول المجاورة أيضا.

ويكفي أن نعلم أن محصلة شهداء هذة الحرب الأهلية البائسة اقترب من ألف شهيد وعشرة آلاف جريح وقرابة الـ3 ملايين نازح .

وإذا علمنا أن دولة كبري من دول الجوار وهي مصر وحدها قبل بدء هذة الحرب البائسة (حرب الجنرالات !) تستضيف علي أرضها أكثر من خمسة ملايين سوداني.. فلنا أن نعلم حجم المعاناة للبلد المستضيف ، أمنيا وإقتصاديا بعد اشتعال الأزمة وإستمرارها !!.

ويضاف لذلك أن طول الحدود المصرية السودانية يصل إلي 1276 كم وهو ما يولد مشكلات أمنية استدعت يقظة كبري، استطاعت الدولة والجيش المصري أن يوفرها ، بما لديه من خبرات طويلة مع مثل هذة الأزمات وبما تتمتع به (الدولة المصرية) من خبرات وقدرات في اليقظة والمتابعة والمواجهة للمخاطر المحتملة علي الأمن القومي المصري ، خاصة أن بيئة الصراع في السودان ستمثل نقطة جذب مهمة لعناصر داعش والإخوان والجماعات الإرهابية والمرتزقة الجدد في المنطقة والعالم .

وتتزايد احتملات إستيطان الدواعش وفلول الإخوان المسلحين بعد أنباء عن عمليات هروب لعدد من أنصار التيار الإسلامي المتطرفين، الذين كانوا موقوفين في السجون منذ إسقاط حكم البشير، وتحديدا من سجن (كوبر) وقد تكرر هذا السيناريو في العراق عام 2012، وفي سوريا ومصر عام 2011، وبعدها بدأت فوضي الدم والإرهاب الداعشي والإخواني في الاندلاع .. فأكلت الاخضر واليابس في العراق وسوريا وامتدت الي دول الجوار لأكثر من عشر سنوات قاتلة .

إن الفوضي والحرب وغياب السلطة الواحدة والدولة المركزية كما هو الحال الآن في السودان ؛ يمثل بيئة ملائمة تماما، لاجتذاب عناصر داعش والإخوان والانطلاق من هناك إلي باقي دول المنطقة بعد أن يكونوا قد أثخنوا السودان، جراحا وفتنا وإرهابا.

هذة الأزمة بكل مآسيها وأحداثها وسيناريوهاتها الدامية والتي قد تستمر لخمس سنوات ، ستتفكك فيها دولة السودان إلي عدة دويلات متناحرة ، تستدعي يقظة عربية وإفريقية شاملة لأنها ستطال الجميع ؛ ليس فحسب في الاقتصاد والهجرة والسياسة بل وفي عودة الإرهاب الداعشي والإخواني مجددا ، وهو ما يمثل خطرا كبيرا علي الأمن القومي العربي والأفريقي.

اقرأ أيضا للكاتب:

د. رفعت سيد أحمد: الإرهاب السيبرانى لقتل البشر والإنترنت لتمويل الإرهابيين.. دراسة (1من2)

زر الذهاب إلى الأعلى