رفعت رشاد يكتب: شباب قنع لا خير فيهم
مقال عن الشباب، وإلى الشباب، يقدم فيه الكاتب الكبير رفعت رشاد عصارة خبرة السنين، إلى أبنائه من شباب مصر، يا ترى ماذا سيقول لهم؟ اقرأ المقال المنشور فى صحيفة “الوطن” والذى نعيد هنا نشره، وفى التالى نصه:
يختلط الأمر بين شباب قنع «أى قانع» وبين شباب خنع «أى خانع»، والوصف الأخير هذا يحلو لكثيرين أن يُطلقوه على شباب الأجيال الجديدة، أىّ أجيال جديدة فى كل زمان، فدائماً هناك جيل قديم يتمسك بتقاليد وطريقة عيش معينة وجيل جديد يُقلع عن تقاليد مَن سبقوه ويُوجِد لنفسه تقاليد جديدة، وهكذا تسير الحياة ولا تتغير.
كل جيل له أزياؤه، كل جيل له طريقته فى التعامل مع الآخرين، كل جيل يتبنى مفاهيم وقيماً لا تشبه السابق.
وعندما قال أحمد شوقى «شباب قنع لا خير فيهم» كان يقصد شباب الأمة وقتها الذين ننظر إليهم الآن على أنهم كانوا شباباً جادين أصحاب إرادة وعزيمة وهمة، وقد صنعوا الكثير فى حياتهم لأنفسهم ولمجتمعهم. كان شوقى بك يخاطب الشباب ويستنفر فيهم العزيمة والهمة حتى يصونوا الأمة والدين والمجتمع، قال أمير الشعراء: «شباب قنع لا خير فيهم.. بورك فى الشباب الطامحين».
رأى أن الشباب القانع غير الطموح لن يحقق لأمته وبلاده شيئاً بينما كان يستحثهم أن يهبوا ويعيدوا المجد التليد. لكن بمرور الوقت ويأس البعض من الشباب صار شطر البيت: «شباب خنع لا خير فيهم»، حوّل العقل الجمعى شطر البيت إلى ما رأى أنه تعبير أكثر دقة عن أحوال الشباب.
بالأمس أصدر الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء تقريراً يفيد بأن عدد الشباب فى مصر -بين سن 18 عاماً و29 عاماً – بلغ حوالى 22 مليون نسمة.
هذا العدد قوة وطاقة هائلة لو أُحسن الاستفادة منها، ليس بتشغيلهم فحسب، ولكن بتوظيف قدراتهم وعقولهم وأفكارهم وتربيتهم بما يجعلهم قادرين على تكوين رؤاهم الخاصة بالمستقبل.
هناك دول كثيرة فى العالم تتمنى لو أن لديها بعض هذا العدد، فى أوروبا خاصة وفى دول الخليج العربى أيضاً.
لو نظرنا لوجدنا أن هذا العدد يعادل خُمس عدد السكان الإجمالى وهو محصور بين عمرين، فلو تحركنا إلى الثلاثينات وهى سن شباب أيضاً لزاد عدد الشباب فى مصر ربما بنسبة النصف أو أكثر، ومعظم هؤلاء دخلوا سن الإنتاج والاستقرار إلى حد كبير.
لدينا طاقة شبابية متعلمة هائلة تتبلور فى حجم طلاب الجامعات والمدارس الثانوية، وهو كم كبير لكن ينقصه الكفاءة المناسبة، سواء لحاجة العمل أو للابتكار والتفكير المبدع.
ولا بد من الاستفادة من حجم الشباب حتى لا يكونوا خانعين أو قانعين.
أقترح أن يدرس أبناؤنا، على مدى سنوات دراستهم، من المرحلة الابتدائية، مادة المنطق التى تنمِّى القدرة على التفكير وربط العلاقات بين الأشياء ومعرفة المعطيات التى تؤدى إلى النتائج المناسبة لها.
المنطق يجعل عقول أولادنا قادرة على التمييز بين الصح والخطأ حتى فى تفاصيل الحياة اليومية، فلو أن سائق أوتوبيس توقف بسيارته الضخمة فى وسط الطريق بدون مبالاة، فالنتيجة تعطيل الشارع وزيادة التوتر بين الناس، ولو أن سيارة أو أكثر سارت عكس الاتجاه، فالنتيجة كارثة.
كما أقترح أن يكون تجنيد الشباب بعد الانتهاء من المرحلة الثانوية وليس بعد الجامعة، فى هذه السن يكون الشباب أكثر قدرة على الالتزام والانضباط، وهو ما يفيد فى المرحلة الجامعية ويفيد المجتمع الذى سيجد شباباً منضبطاً تربى على الالتزام واحترام القواعد والنظم.
لا نريد شباباً قنع ولا شباباً خنع.. نريد شباباً طامحاً منضبطاً قادراً على قيادة البلاد عندما يتولى القيادة.