طارق صلاح الدين يفند أشهر الأكاذيب التى تم إطلاقها على عصر عبد الناصر (15) دور محمد نجيب فى أزمة مارس

بيان
تعتبر أزمة مارس حقلا خصبا لإطلاق الأكاذيب ضد عبدالناصر ، وما أن يأتى ذكر أزمة مارس حتى نجد أعداء عبدالناصر يتداولون مجموعة من الأكاذيب المتنوعة ويستشهدون بمذكرات عبداللطيف البغدادى وخالد محيى الدين ومحمد نجيب الذى يعتبر أساس هذه الأكاذيب بذكره المتكرر أن الديمقراطية هى سبب خلافه مع جمال عبد الناصر ومجلس قيادة الثورة في أزمة مارس ١٩٥٤.
الغريب والعجيب أنك لاتجد من أصدر مذكراته من أعضاء مجلس قيادة الثورة إلا من كان على خلاف مع عبدالناصر مثل البغدادى وكمال الدين حسين ويوسف صديق ومحمد نجيب وخالد محيى الدين.
ومحمد نجيب الذى يؤكد أن مسألة الديمقراطية وعودة الجيش إلى ثكناته كانت قضيته الأساسية لانجد من يتفق معه فى هذه المسألة حتى لوكان مختلفا مع عبدالناصر.
ولنبدأ بصفحة ٢١٦ من كتاب (كنت رئيسا لمصر) وهى المذكرات الثالثة لمحمد نجيب ويقول فيها:

“لقد تصورت ببراءة أن مايفعلونه لابد وأن يكشفهم ويفضحهم ويعزلهم داخل الجيش وأمام الشعب وكان هذا هو نفس تصور خالد محيى الدين وأنا لم أعرف عنه ذلك إلا بعد أن اقتربت منه فى رحلة النوبة حيث كان الوحيد الذي قبل أن يسافر معى هذه الرحلة وفتح خالد صدره لى وتبادلنا الآراء واتفقنا على أنه لامفر من عودة الجيش إلى ثكناته لتستقيم الأمور فى البلاد بعد أن وصلت إلى حافة الهاوية”.
وتحمل صفحة ٢١٦ من مذكرات محمد نجيب

صفحة ٢١٦ من مذكرات محمد نجيب كنت رئيسا لمصر
صفحة ٢١٦ من مذكرات محمد نجيب كنت رئيسا لمصر

وكان لابد لى كباحث أن أذهب إلى مذكرات خالد محيى الدين لاتحقق من ما زعمه محمد نجيب حتى وصلت إلى صفحة ٢٤٠ من مذكرات خالد محيى الدين بعنوان: “والآن أتكلم” فوجدت خالد ينفى تماما كل ما ذكره محمد نجيب وانقل هنا ماذكره خالد محيى الدين عن رحلة النوبة التى رافق فيها محمد نجيب وذكر خالد بالحرف الواحد مايلى:

“طرحت على محمد نجيب أن يتبنى معى قضية الديمقراطية وعودة الحياة النيابية وإجراء الإنتخابات وخاصة أن فترة الانتقالات قد مضى منها أكثر من سنة وأنه أن الأوان للإلحاح على إنجاز الدستور والإعداد لإجراء الانتخابات بما يستتبعه من وجود أحزاب ولكن محمد نجيب لم يهتم بما قلت ويبدو أنه لم يقتنع فقد ظل مهتما بدوره الشخصى وكرس كثيرا من وقته خلال رحلة النوبة للصراخ في وجه موظفى الإذاعة ملحا على ضرورة إذاعة كل كلمة يقولها وكل حديث يتفوه به”.

صفحة ٢٢٥من مذكرات والآن أتكلم
صفحة ٢٢٥من مذكرات والآن أتكلم

ولايكتفى خالد محيى الدين بما ذكره عن كذب محمد نجيب بشأن الديمقراطية فيعود من جديد فى صفحة ٢١٣ من مذكراته بعنوان والآن أتكلم فيقول بالحرف الواحد مايلى:

“ويمكننى أن أقول وبضمير مرتاح أن محمد نجيب كان من أكثر المتحمسين لانفراد مجلس الثورة بالسلطة كل السلطة وكانت هذه هى وجهة نظر العديد من الضباط لكن نجيب يتحمل مسئولية كبرى فقد كان يدفع الأمور دفعا فى هذا الإتجاه مستندا إلى موقعه كرئيس لمجلس قيادة الثورة.
طالع صفحة ٢١٣ من مذكرات خالد محيى الدين بعنوان والآن أتكلم.

ولايقف أمر تكذيب محمد نجيب فى زعمه حمل لواء الديمقراطية عند خالد محيى الدين بل يمتد الأمر إلى عبداللطيف البغدادى الذى يؤكد فى صفحة ٩٩ من مذكراته أن خالد محيى الدين تقدم فى الإجتماع التالى لاستقالة محمد نجيب باقتراح إعادة الحياة النيابية وانضممت إليه في هذا الاقتراح على أن نعمل على مسايرة نجيب حتى تعود الحياة النيابية فى أقرب وقت ممكن.
ومانستخلصه من سطور البغدادى السابقة أن إقتراح إعادة الحياة النيابية ومن ثم إقرار الديمقراطية هو إقتراح خالد محيى الدين وليس محمد نجيب.
ويستكمل البغدادى حديثه ويلقى بمفاجأة أن جمال عبد الناصر وعبدالحكيم عامر تقدما باقتراح بانسحاب مجلس قيادة الثورة والعودة إلى صفوف الجيش وترك المسئولية كاملة لمحمد نجيب ولكن مناقشات الأعضاء تخوفت من تجمع العناصر الرجعية والمضادة للثورة حول محمد نجيب وهل يقوم المجلس وقتها بثورة جديدة للقضاء علي تلك العناصرمما يؤدى إلى انشقاق داخلى فى البلاد يمثل جانبا منه محمد نجيب ومن حوله تلك العناصر المناهضة للثورة ويمثل الجانب الآخر مجلس قيادة الثورة وبهذا يتم إعطاء الفرصة للمستعمر البريطانى بتثبيت أقدامه في البلاد.
طالع صفحة ٩٩ من مذكرات عبداللطيف البغدادى:

مذكرات عبداللطيف البغدادى صفحة ٩٩
مذكرات عبداللطيف البغدادى صفحة ٩٩

وطبقا لمذكرات خالد محيى الدين التى استنبطنا منها حرص محمد نجيب على زيادة شعبيته على حساب مجلس قيادة الثورة فقد بدأت عدة أمور تلوح في الأفق كالتالى:
أولها:
حرص محمد نجيب امام الرأى العام على توضيح أن مجلس قيادة الثورة يعبر عنه صوتان وليس صوت واحد وهما صوته وصوت باقى أعضاء المجلس.
ثانيها:
تعدد شكاوى محمد نجيب من تجاهل أجهزة الإعلام له وللأنشطة التى يقوم بها وطالت الشكوى صلاح سالم المشرف على أجهزة الإعلام.
ثالثها:
عمل القوى السياسية الموجودة على الساحة مثل الوفد والإخوان المسلمين والشيوعيين على إستغلال الخلاف بين محمد نجيب ومجلس الثورة لصالحهم.
كل هذا كان يحدث فى الوقت الذى كان جمال عبد الناصر ومعه مجلس قيادة الثورة فى سباق محموم مع الزمن لعقد إتفاقية الجلاء وطرد الإنجليز من مصر وكذلك إنجاز قضية السودان التى يضعها الإنجليز حجر عثرة أمام إستقلال كلا من مصر والسودان.
وبلغت الأزمة قمتها في ٢٣فبراير ١٩٥٤ عندما قدم اللواء محمد نجيب استقالته من مجلس الثورة للضغط على أعضاء المجلس.
وكانت النتيجة الفورية لهذه الاستقالة تحليق شبح الحرب الأهلية إلى أسلحة الجيش فقد اعتصم ضباط سلاح الفرسان داخل ثكناتهم وطالبوا بحل مجلس قيادة الثورة وعودة أعضاءه إلى وحداتهم العسكرية وتعيين قائد للقوات المسلحة بالاقدمية.
وعلى الفور توجه جمال عبد الناصر وحسين الشافعى لثكنات الفرسان وحاولوا اقناعهم بالعدول عن مطالبهم لكنهم تمسكوا بها.
وانتشرت الأخبار بسرعة رهيبة بين أسلحة الجيش وتجمع عدد كبير من الضباط فى مبنى القيادة العامة مطالبين ببقاء مجلس الثورة وإلا انتهت الثورة وتم تصفيتها.
ولكن مجلس قيادة الثورة قرر على لسان صلاح سالم العودة إلى الثكنات وبقاء محمد نجيب رئيسا للجمهورية وتكليف خالد محيى الدين بتشكيل الوزارة.
وتوجه خالد محيى الدين وعباس رضوان وشمس بدران إلى محمد نجيب لإبلاغه بهذه القرارات فوافق عليها فورا.
وقام صلاح سالم بتكليف مدير الإذاعة ليذيع قرارات المجلس التى قابلها ضباط مختلف أسلحة الجيش بالرفض العارم وانخرطوا في البكاء لضياع الثورة وتحدثوا مع جمال عبد الناصر وابلغوه بمعارضتهم لهذه القرارات وضرورة العدول عنها إلا أن عبدالناصر رفض تماما طلبهم.
وعندما عاد خالد محيى الدين إلى مقر القيادة حاول الضباط الثائرين الإعتداء عليه بالضرب ولكن جمال سالم وعبدالحكيم عامر تصدوا لهم ومنعوهم من ذلك الإجراء.
وبدأت بوادر الانشقاق داخل مجلس قيادة الثورة بل وكاد الأمر يصل إلى الصدام المسلح لولا تهديد عبدالحكيم عامر بالانتحار.
وتطورت الأمور بسرعة رهيبة فقام ضباط سلاح المدفعية بمحاصرة ثكنات سلاح الفرسان بمدافع الميدان والمدافع المضادة للدبابات.
وانتشر البوليس الحربى بمناطق العباسية وكوبرى القبة وقام باعتقال ٤٠ضابط من المدرعات.
وقام سلاح الطيران بطلعات جوية فوق ثكنات الفرسان.
وقام الضابط كمال الدين رفعت ومعه بعض الضباط بالقبض على محمد نجيب فى منزله ونقلوه إلى مطعم ضباط المدفعية ولكن عبدالحكيم عامر سارع بإعادة محمد نجيب إلى منزله.
واجتمع مجلس قيادة الثورة يوم ٢٥فبراير ١٩٥٤ وطالب بعض الأعضاء بطرد خالد محيى الدين من المجلس وتحديد اقامته أو سفره إلى أوروبا ولكن عبدالناصر رفض ذلك.
وهدد سلاح الفرسان المحاصرين فى معسكرهم بضرب مجلس القيادة فى كوبرى القبة وأعلن ضباط المنطقة الشمالية بالإسكندرية واغلبهم من الشيوعيين تأييدهم لمحمد نجيب.
واندلعت مظاهرات الإخوان المسلمين في شوارع القاهرة تأييدا لمحمد نجيب وهتفت هتافات معادية لمجلس قيادة الثورة وجمال عبدالناصر.
وفى مساء ٢٧ فبراير ١٩٥٤ أذاع مجلس قيادة الثورة بيانه بعودة محمد نجيب رئيسا للجمهورية حفاظا على وحدة الأمة فاندلعت مظاهرات الإخوان تأييدا لنجيب وتوجهت لقصر عابدين حيث خطب فيهم محمد نجيب وبجواره أبرز قادة الإخوان عبدالقادر عودة.
وفى ٥ و ٢٥ مارس أصدر مجلس قيادة الثورة مجموعة من القرارات التى تسمح بتشكيل الأحزاب وانتخاب جمعية تأسيسية وحل مجلس قيادة الثورة في ٢٣يوليو ١٩٥٤.
وتم الإفراج عن جميع المعتقلين.
لكن محمد نجيب ومعه يوسف صديق والإخوان المسلمين والشيوعيين قرروا الإسراع بموعد حل مجلس قيادة الثورة وعدم الإنتظار حتى ٢٣ يوليو ١٩٥٤.
ووثق د. عبدالعظيم رمضان أشد المختلفين مع عبدالناصر فكريا وايديولوجيا فى كتابه: “الصراع الإجتماعى والسياسى في مصر منذ قيام ثورة يوليو الى أزمة مارس ١٩٥٤” ، وتحديدا فى صفحة ٢١١ شهادة صاوى أحمد الصاوى رئيس إتحاد نقابات عمال النقل المشترك ، والتى ذكر فيها الصاوى أن يوسف صديق اجتمع به فى منزل محمد نجيب للحمية الزيتون وعرض عليه رشوة ١٠ آلاف جنيه ليحشد العمال ضد عبدالناصر ومجلس الثورة.

وانتقل بك عزيزى القارىء إلى علاقة محمد نجيب بالإخوان المسلمين ودوره في حادث المنشية ١٩٥٤ الذى نفذه الإخوانى محمود عبداللطيف وأول دليل على ارتباط محمد نجيب بالإخوان نشرته الكاتبة الصحفية إيناس مرشد فى عدد مجلة الإذاعة والتلفزيون الصادر في ١٨مارس ٢٠١٧ من خلال ثلاثة خطابات بخط يد محمد نجيب تؤكد ارتباط محمد نجيب بالإخوان منذ نشأة الجماعة عام ١٩٢٨ والخطابات يعود تاريخها إلى أعوام ١٩٢٨ و١٩٢٩، وقد نشرت الخطابات الثلاثة فى كتابى عبدالناصر بلاتشويه الجزء الثاني بعد الحصول على موافقة الأستاذة إيناس مرشد.

أما الدليل على دور نجيب فى حادث المنشية فقد ذكره هنداوى دوير المتهم الثانى فى قضية اغتيال عبدالناصر فى ميدان المنشية أمام محكمة الشعب حيث قال بالحرف الواحد مايلى:
علمت أن هناك اتصالا بالرئيس محمد نجيب وقلت لإبراهيم الطيب هل تريدون بذلك إستغلال الرئيس نجيب لتهدئة الرأى العام بعد إغتيال عبدالناصر؟ وهل هناك صلة للرئيس نجيب بالاغتيال؟!.. فقال إنه توجد صلة ولكننا لانكشف كل أوراقنا.
وذكر إبراهيم الطيب الرجل الثانى فى التنظيم السرى لجماعة الإخوان لمحكمة الشعب كيف تم طبع وتوزيع المنشور الذى صدر من جماعة الإخوان المسلمين بإسم اللواء محمد نجيب فقال:-
(فى يوم من الأيام وجدت مع الأستاذ عبدالقادر عودة ورقة مكتوبة بالرصاص وبخط مخالف لخط الأستاذ عبدالقادر وسألنى الأستاذ عبدالقادر إن كنت أعرف أحدا يستطيع أن يطبع هذا الكلام أم لا؟
وأنا لاحظت أن هذا الكلام كان فيه نقدا واردا بإسم محمد نجيب لاتفاقية الجلاء.
وأن التفاهم مع اللواء نجيب منذ أبريل الماضى وسمعت من يوسف طلعت أن اللواء محمد نجيب معه وحدات من الجيش مؤيدة له ستقوم بتحقيق المطالب وقوات الإخوان ستساعدها إذا عجزت وذلك باغتيال المعارضين وعلى رأسهم جمال عبد الناصر لإحداث انقلاب مسلح.
هذا هو دور محمد نجيب فى حادث المنشية ١٩٥٤ كما ورد في أقوال الإخوان المتهمين بتدبير الحادث.
وترتب على ذلك إعفاء محمد نجيب من جميع مناصبه وتحديد إقامته في فيلا زينب الوكيل بالمرج.

……………………………………………………………………………………………….طارق صلاح الدين

– الموضوع فصل من الكتاب المعنون بـ: ” عبدالناصر بلاتشويه” الجزء الثانى، لكاتبه طارق صلاح الدين

زر الذهاب إلى الأعلى