رفعت رشاد يكتب: نحن والسوفييت
منذ الحقبة الناصرية وحتى الآن ، يرصد هذا المقال للكاتب الكبير رفعت رشاد علاقات مصر بالاتحاد السوفيتى ووريثه الاتحاد الروسى، مقال مهم منشور فى صحيفة “الوطن” وفى التالى نصه:
شهد النصف الثانى من خمسينات القرن الماضى وكامل ستيناته أزهى عصور العلاقة بين مصر والاتحاد السوفييتى.
كانت العلاقة بين البلدين أقدم من ذلك الزمن، فكانت بين مصر وروسيا القيصرية ثم انقطعت وعادت بعد أن أبدى السوفييت رغبتهم فى تأسيس علاقة دبلوماسية بين البلدين وتم ذلك بالفعل عام 1943، وهو ما نحتفل به حالياً فى مصر وروسيا بمناسبة مرور 80 عاماً على تأسيس هذه العلاقة.
كان احتلال بريطانيا مصر السبب فى قطع العلاقة وكان تحسن علاقاتها مع الاتحاد السوفييتى عام 1943 سبباً فى عدم ممانعتها إقامة العلاقة.
استمرت العلاقات عادية إلى أن حدثت مشكلة تمويل السد العالى ووقفت أمريكا ضد مصر ما دفع جمال عبدالناصر إلى فتح قنوات تواصل مع القوة العظمى الأخرى، وكانت صفقة الأسلحة التشيكية عام 1955 بمثابة تحطيم لكل الحواجز التى تحول دون وجود علاقة قوية.
صار الاتحاد السوفييتى سنداً لمصر وصارت مصر جزءاً من المعسكر الاشتراكى، وإن حافظت بنسبة كبيرة على عدم انحيازها، فشاركت وقادت تأسيس كتلة عدم الانحياز مع الهند ويوجوسلافيا وكثير من دول العالم الثالث.
كان الاتحاد السوفييتى أفضل صديق لمصر، يعطينا السلاح مقابل صفقات متكافئة، أى بالتبادل التجارى فكانت مصر تسدد بصفقات قطن أو فواكه أو بصل، وكان يدرب ضباطنا وعلماءنا ومهنيينا وساعدنا فى إنشاء المصانع وتزويدها بالخبراء ووفر صواريخ سام، كما وفر الغطاء الجوى للسماء المصرية بعد ضرب طائراتنا على الأرض، وكانت طائراته تشتبك مع الطيران الإسرائيلى وتسقط بعضها، وبنى معنا حائط الصواريخ الذى كان بمثابة بداية التصدى للطيران الإسرائيلى الذى عربد فى سماواتنا.
لم تعتنق مصر الاشتراكية العلمية أو الشيوعية القحة كما كانت فى الاتحاد السوفييتى، وإنما طبقت اشتراكية مرنة تركت للرأسمالية الوطنية مساحة للنمو والمساهمة فى دعم الاقتصاد الوطنى ولم تحرمها من التمتع بالثروة التى كسبتها ناتج جهد وعرق.
لبى الاتحاد السوفييتى طلبات مصر خاصة من السلاح ولم يكن يتردد فى تزويدها بأحدث ما فى مصانعه بناء على قدرة المصريين على استخدام السلاح، وهذا ما جعل الرئيس السادات يعلن أنهم يمتنعون عن تزويد مصر بالسلاح. وكانت القاصمة عندما طرد السادات الخبراء السوفييت فجأة وبدون ترتيب مع دولتهم، وهو ما كان محل دهشة من الجميع بمن فيهم الأمريكان.
فى عهد حكم السادات تدهورت العلاقات مع الاتحاد السوفييتى ووصلت إلى أدنى مستوياتها، واتجه السادات نحو الغرب وأعلن أن أمريكا تملك 99% من أوراق اللعبة وبالتالى أخرج السوفييت من اللعبة وسعى إلى إخراجهم من المنطقة.
تحسنت العلاقات بين مصر والسوفييت فى عهد الرئيس حسنى مبارك ولكنها لم تعد أبداً كما كانت أيام جمال عبدالناصر.
وبعد تفكيك الاتحاد السوفييتى فى بداية التسعينات كانت مصر من أوائل الدول التى أقامت علاقات مع روسيا الجديدة، وتحسنت العلاقات بين البلدين تدريجياً وهى الآن تشهد نمواً وازدهاراً وتعاوناً كبيراً خاصة لروح التفاهم بين الرئيسين السيسى وبوتين.
أنا شخصياً من أكبر المتحمسين للعلاقات مع دولة الروس سواء أيام السوفييت أو حالياً، فهى دولة لم تطمع فينا ولم تعاملنا بسوء وتتعاون معنا بكل تقدير واحترام، لذلك أتمنى مزيداً من الازدهار للعلاقات بين البلدين.