هاني الجمل يكتب: مبادرة حياة كريمة وبناء الإنسان
هو حلم راود الملايين من أبناء مصرنا الغالية ، وأمل طال انتظارهم له ، وفجر جديد وضعت لبناته الأولى قيادة هذا الوطن ، وتنسج خيوطه السواعد الأبيّة لشبابه في ربوع قرى المحروسة .
وما بين الحلم الذي أصبح حقيقة ، والأمل الذي صار واقعاً ، تمضي مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي ” حياة كريمة ” التي أطلقت في الثاني من يناير عام 2019 لتطوير نحو 4750 قرية وتوابعها في 26 محافظة بتكلفة 700 مليار جنيه .
فالمبادرة الكريمة في نظر الكثيرين من أمثالي – الذين عاشوا وتربوا في قرى لم يكن بها كهرباء ولا ماء فترة طويلة – تعد بحق أفضل مشروع قومي مصري في العصر الحديث .
ولقد لمست الفرحة عن قرب في وجوه أبناء قريتي ” كفر حجازي ” الحاضنة للنيل بالمنوفية ، وهم يرون الآيادي البيضاء وهي تمتد لهم لتغير معالم الحياة في قريتهم ، فتبني البيوت المهددة والآيلة للسقوط ، وتدخل الغاز والصرف الصحي لها ، وتعبد الطريق الرئيسي بها ، وتبني مكتباً للبريد ، وتعيد النشاط والحيوية لمركز الشباب والوحدتين الصحية والبيطرية والجمعية الزراعية، في خطوات يشارك فيها أبناء القرية أنفسهم .
وإذا كان الإعمار في القرى التي تشملها المبادرة ، قد كلّف خزينة الدولة الكثير من المال ، فإن الأهم هنا ليس بناء البيوت وتوصيل الخدمات والمرافق إليها ، إنما بناء الإنسان الجديد القادر على العمل والعطاء ، وهو أمر رأيته واضحاً على وجوه شباب قريتي الذين شاركوا في المؤتمر الأخير للرئيس السيسي في استاد القاهرة.
وبلغة أكثر وضوحاً يمكن القول إن مبادرة ” حياة كريمة ” التي تشارك في تنفيذها كل أجهزة ومؤسسات الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، تغطي في الحقيقة كل أهداف التنمية المستدامة الأممية بأبعادها المختلفة. فلمبادرة كما أكدت الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية ” تشمل تحسين المعيشة والاستثمار في البشر، وتحسين مستوى خدمات البنية الأساسية والعمرانية، وتحسين جودة خدمات التنمية البشرية، بالإضافة إلى التنمية الاقتصادية والتشغيل”.
ولا نبالغ إذا قلنا إن مبادرة ” حياة كريمة ” تمثل تحولاً اقتصادياً واجتماعياً ، وتدعم بناء تنمية حقيقية تعزز العدالة وتكافؤ الفرص ضمن بناء اجتماعي وسياسي يضع سكان الريف على قدر المساواة، حيث أنها تشمل 58% من سكان مصر .
ولهذا ليس بغريب أن ” تعتبر الأمم المتحدة المبادرة مستوفية للمعايير الذكية ، وتتلاقى مع العديد من أهدافها للتنمية المستدامة مثل تخفيف حدة الفقر، والقضاء على الجوع، والصحة الجيدة، وجودة التعليم، والمياه وخدمات الصرف الصحى النظيفة، والعمل اللائق والنمو الاقتصادى والمجتمعات المستدامة”.
وإذا كان بناء الإنسان هو الهدف الأسمى من وراء المبادرة ، فإن ما يثلج الصدر ويبشر بالخير أن نرى الشباب المتطوع وهو يشارك بحماس فى كل المواقع ، مقدماً نموذجاً طيباً للعمل الجماعي، وتحمل المسؤولية ، ليتحقق حلم إعادة بناء الدولة الحديثة وصياغة عقد اجتماعي يجعل الريف شريكاً فى التنمية وفي صنع المستقبل المنشود .
خلاصة القول .. المبادرة عمل إنساني واجتماعي يتخطى حدود البناء والتعمير ليصل إلى ما هو أهم وأعمق ، وهو بناء الانسان في قريتي التي اختلفت كثيراً في وقتنا الحاضر ، عمّا كانت عليه في زماننا ، وهو أمر قد يحتاج إلى مقال آخر إن كان في العمر بقية.