أمل محمد أمين تكتب: انتصارات أكتوبر دروس لكل الأجيال
بيان
يسميها الأغلبية حرب أكتوبر وأحيانا حرب العاشر من رمضان أو حرب الغفران لكن الحقيقة الثابتة هي أنها واحدة من أهم الحروب التي شهدها العالم وأعادت كتابة التاريخ، ومع أن حرب أكتوبر حدث مذهل بل معجزة في حد ذاته إلا أن الأطفال والطلاب لا يعرفون عنها الكثير ، وجل ما يعرفون أنه يوم انتصار يحصلون بسببه على عطلة من المدارس والجامعات.
والمتأمل لهذا الانتصار العظيم يتعجب كيف لا يتم تدريسه في مقرر كامل وعقد ندوات توعوية ورحلات ميدانية مبنية على أحداثه، ويمكن تلخيص هذا النجاح في خمس كلمات هي الترتيب، الإخلاص، الالتزام، الاتحاد، الإعداد والاستعداد.
خمس كلمات كأصبع اليد الواحد تم العمل بها وكان أساسها العلم و الايمان بالله.. فيتمثل أولها الترتيب في وضع خطة كان لها تسلسل زمني محدد بدأ بتدريب الجيش في السرية وإعادة تشكيله وجمع المعلومات عن خط برليف والتنسيق مع باقي الدول العربية واختيار يوم في شهر كان فيه المسلمون صيام ومن المستبعد شن حرب.
كما أنه كان يوم خاص لدى اليهود لا يستخدمون الإذاعة فيه وسيصعب إعادة تعبئة الجيش اليهودي.
وكان الدرس الثاني إخلاص الجيش والشعب في نيتهم وإصرارهم على إعادة بناء البنية التحتية واستعادة الأرض المحتلة.
والدرس الثالث الالتزام الذي ظهر جليا في التوافق الزمني المبهر بين هجوم الجيش السوري على القوات الإسرائيلية في الجولان والهجمة الجوية من مصر، ونسف خط برليف في نفس الوقت، والسرية التامة من أجل إتمام عنصر المفاجأة للعدو.
الدرس الرابع الاتحاد، ويمكن أن نرى اللوحة الرائعة التي رسمها العرب في هذا الوقت عندما اجتمعوا على إنهاك العدو والضغط عليه عندما عبر الملك فيصل ملك السعودية رحمه الله عن استيائه لإمداد أمريكا لإسرائيل بالسلاح بعد اندلاع الحرب وقرر استخدام سلاح البترول في المعركة، ودعا لاجتماع عاجل لوزراء البترول العرب في الكويت، وخلال الاجتماع تقرر تخفيض الإنتاج الكلي العربي بنسبة 5%، وتخفيض 5% من الإنتاج كل شهر حتى تنسحب إسرائيل إلى خطوط ما قبل يونيو 1967.
كما قررت بعض الدول العربية حظر تصدير البترول كلية إلى الدول التي يثبت تأييدها لإسرائيل وكانت نتيجة هذا التحرك العربي انسحاب اسرائيل.
أما الدرس الخامس والأخير فهو الإعداد والاستعداد فقد قامت مصر بالاستعداد على مدار سنوات منذ عام 1967 بعمل جاد على كافة الأصعدة أهلها للفوز الكاسح على العدو، فعندما تولي الرئيس الراحل أنور السادات مقاليد الحكم في عام 1970، قام بدور دبلوماسى كبير واستطاع أن يوحد القوى العربية فى تحالف واحد قوى والتنسيق معها على تنفيذ الحرب واستعادة الأرض فى ظل تعنت إسرائيل ورفضها لكل سبل السلام.
وتجلت تحركات السادات وعصمت عبدالمجيد فى الأمم المتحدة وكواليسها للتغطية على استعدادات مصر للحرب، ومن قبله أنشأ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مجلس الدفاع الوطنى عام 1968 وكان الهدف من إنشاء هذا المجلس هو وجود تنسيق فعلى بين مؤسسات الدولة لتذليل العقبات فى سبيل اتخاذ قرارات سريعة وحاسمة والابتعاد عن الإجراءات الحكومية الروتينية المعروفة، وتسهيل كل العقبات التى تواجه أى خطوة فى الحرب.
وقامت مصر قبل حرب أكتوبر بتعبئة جميع المصانع ومنتجاتها لاستيفاء احتياجات القوات المسلحة أولا، كما لجأت مصر إلى تخزين القمح دون أن يشعر العدو.
واستطاعت مصر أن تعيد بناء القوات المسلحة وتكوين قيادات ميدانية جديدة، كما تم استحداث الجيشين الثانى والثالث الميدانيين، وإعداد القيادات التعبوية الجديدة، وإعادة تشكيل القيادات فى السلاح الجوى، فتم إنشاء سواتر ترابية مماثلة لخط بارليف على ضفة النيل وتدريب القوات على عبورها.
كما أصدرت القيادة العامة توجيهاتها قبل الحرب للتدريب على العمليات بدءا من إعداد الجندى للقتال حتى إعداد الوحدة والوحدة الفرعية للتشكيل للحرب، والتدريب على أسلوب اقتحام الموانع المائية والنقاط القوية المشرفة على حمايتها، وأسلوب الدفاع عن مناطق التمركز والوحدات والمعسكرات لمواجهة عناصر “المتكال” المتمركزة خلف خطوط الدفاع الإسرائيلى.
ووضع المشير محمد عبد الغنى الجمسى خطة أوحت للعدو وقتها بعدم جدية مصر فى اتخاذ قرار الحرب وهو ما تحدث عنه المشير الجسمي في مذكراته المهمة عن حرب أكتوبر حيث يقول: “وضعنا فى هيئة العمليات دراسة على ضوء الموقف العسكرى للعدو وقواتنا ، وفكرة العملية الهجومية المخططة ، والمواصفات الفنية لقناة السويس من حيث المد والجزر.. درسنا كل شهور السنة لاختيار أفضل الشهور فى السنة لاقتحام القناة على ضوء حالة المد والجزر وسرعة التيار واتجاهه، واشتملت الدراسة أيضا جميع العطلات الرسمية فى إسرائيل بخلاف يوم السبت وهو يوم أجازتهم الأسبوعية، حيث تكون القوات المعادية أقل استعدادا للحرب.
وجدنا أن لديهم ثمانية أعياد منها ثلاث أعياد فى شهر أكتوبر وهى يوم كيبور ، عيد المظلات ، عيد التوارة، وكان يهمنا فى هذا الموضوع معرفة تأثير كل عطلة على إجراءات التعبئة فى إسرائيل.
ولإسرائيل وسائل مختلفة لاستدعاء الاحتياطى بوسائل غير علنية ووسائل علنية تكون بإذاعة كلمات أو جمل رمزية عن طريق الإذاعة والتليفزيون.. ووجدنا أن يوم كيبور هو اليوم الوحيد خلال العام الذى تتوقف فيه الإذاعة والتليفزيون عن البث كجزء من تقاليد هذا العيد أى أن استدعاء قوات الاحتياط بالطريقة العلنية السريعة غير مستخدمة ، وبالتالى يستخدمون وسائل أخرى تتطلب وقتا أطول لتنفيذ تعبئة الاحتياطى.
وكان يوم السبت ـ عيد الغفران ـ 6 أكتوبر 1973 وهو أيضا العاشر من رمضان أحد الايام المناسبة وهو الذى وقع عليه الاختيار”.
من هذه الكلمات نتعلم من انتصارات أكتوبر الالتزام والتخطيط والاستعداد الذي يجب أن يتواجد في حياة كل إنسان من أجل الوصول لما يرغب فيه، وعدم السير وراء الإحباط والعقيدة التي تقوم على القدرات القتالية فقط، والإيمان بالعقيدة والنجاح مهما كانت الظروف، ووجود الروح العالية، وضرورة التكاتف ضد العدو ، فالاتحاد قوة، وهي دروس من الضروري تعليمها عبر العصور لكافة الأطفال والمراهقين.
ويا حبذا إذا تم تصميم تطبيقات على الموبايل أو إنتاج برنامج كرتوني عن انتصارات أكتوبر محببة للنفس لكي تأصل لحب الوطن داخل نفوس الأطفال وتساعدهم على بناء هوية وطنية وتحفز الانتماء داخلهم.
وهو أمر في غاية الأهمية مع تزايد الانفتاح على العالم واتساع الفضاء السيبراني الذي أزال كل الحدود وجعل التأثير على العقول وتشكيلها أمر متاح للجميع.