شهادة جديدة من الغرب عن “الربيع العربى” وأحداث الشرق الأوسط (٢من٢) التدّخل الأجنبي الشؤوم على العرب

كتبت: أسماء خليل

يستمر الصحفي البريطاني شايماس ميلن Seumas Milne“ في طرح الرؤى الخاصة بمدى تدخل القوى الغربية في الشأن العربي بما في ذلك ثورات الربيع العربي، ويوضح ميلن الآثار السلبية المدمرة التي تلحق بالشعوب العربية جراء تدخل الغرب، فيقول : “التدخل العسكري الأجنبي في الشرق الأوسط يأتي بالموت والدمار والتقسيم والحكم الفاشي”.

ويواصل ميلن تأكيد حقائقه المستندة على ما يحدث في أرض الواقع، فيوضح أنه ليست هناك حاجة للبحث في السجلات التاريخية لاستنتاج أن ما يحدث من الغرب واقع حتمي، فتجربة الاعتداء على العراق في العقد الأخير واضحة بشكل كافٍ. وسواءً كان ذلك غزوًا أواحتلالاً بشكل كامل، فقد تم قتل مئات الآلاف، وكذلك القصف الجوي لتغيير النظام تحت شعار “حماية المدنيين” في ليبيا، حيث تم قتل مئات الآلاف – أيضًا – وكانت الخسائر البشرية والمادية كارثية.

ويصف ميلن ذلك التدخل الأجنبي بالشؤوم على البلاد العربية؛ فتُراهُ يقول آسفًا : “وللأسف كان هذا هو الحال طوال التاريخ المشئوم للتدخل الغربي في الشرق الأوسط”، موضحًا ما حدث من تخريب في دمشق على يد القوات الاستعمارية الفرنسية خلال الثورة السورية عام 1925، وكذلك يقارنها بصورة شبيهة للفلوجة في عام 2004 أو سرت.

ويذكر “بورسعيد” بعد ثلاثين عامًا وكيف بدت – أيضًا – في وضع مشابه خلال العدوان البريطاني الفرنسي على مصر عام 1956 الذي كان البطل به هي الدول الاستعمارية الأوروبية السابقة مثل الولايات المتحدة كقوة مسيطرة في المنطقة.

ويتذكر ميلن فيلمًا تسجيليًّا للقوات البريطانية وهي تهاجم السويس، وقوات الغزو وهي تحتل وتدمر مدينة عربية أخرى، بيروت و البصرة ، لقد أصبحت تلك المشاهد الدامية من الملامح المميزة والمعتادة للعالم المعاصر ورابطًا مباشرًا بالعصر الاستعماري.

ويوضح مشهد – من فيلم وثائقي – للقوات البريطانية وهي تحيط بالحشود الجامحة أمام أطلال بورسعيد، التي تم تدميرها خلال العدوان البريطاني – الفرنسي على مصر في عام 1956.

يقول ميلن :“ وهكذا كانت الخطط الإمبريالية التقليدية لاستخدام الدين والانقسامات العرقية لتقوية الاحتلال الأجنبي: سواء من الأمريكيين في العراق أو الفرنسيين في سوريا أو لبنان أو البريطانيين أينما ذهبوا تقريبًا. ويمتلئ أرشيف باثي بالأفلام التسجيلية التي تروج للقوات البريطانية باعتبارها تعمل على “الحفاظ على السلام” بين الطوائف المتناحرة، من قبرص حتى فلسطين – وكل هذا لصالح استمرار السيطرة”.

ويبين الصحفي البريطاني أن التقسيمات الطائفية والعرقية التي فُرضت تحت الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق والتي تم حشدها بواسطة حلفاء الغرب في الخليج؛ لم تكن إلا للتخلص من تحديات الصحوة العربية أو تحويل مسارها، مثلما حدث في قمع الثورة البحرينية، وعزل اضطرابات الشيعة في المملكة العربية السعودية وزيادة الصراع الطائفي في سوريا – لن يؤدي التدخل الأجنبي إلا إلى رفع نسبة القتل ومنع السوريين من حق السيادة في وطنهم.

ويؤكد ميلن – مرة أخرى- على شعور الدول الأجنبية الاستعمارية تجاه الشرق الأوسط أكثر من أي بقعة أخرى بالعالم؛ وبسبب تربعه على عرش مخزون البترول الأكبر في العالم، تم استهداف العالم العربي بتدخلات وغزو مستمرين، حتى بعد حصوله رسميًا على الاستقلال،وما يسعد الغرب حقا أن الشرق الأوسط مازال لم يحصل على استقلاله بالكامل

ويسأل ميلن ذلك السؤال مُستنكرًا؛ لماذا إسرائيل؟!
ثم يجيب على نفسه بتوضيح أنَّ الرعاية الغربية للاستعمار في فلسطين هي عقبة دائمة في وجه العلاقات الطبيعية مع العالم العربي، ويُكمل رؤيته أنه كان بالإمكان ألا يتم إنشاء دولة إسرائيل لولا الحكم الاستعماري لبريطانيا الذي دام ثلاثين عامًا في فلسطين ورعايتها للاستعمار الأوروبي اليهودي على نطاق واسع تحت شعار وعد بلفور عام 1917؛ وكان من الواضح أن فلسطين المستقلة ذات الأغلبية الفلسطينية العربية لم تكن لتقبل بهذا أبدًا.

ويذكر أن الحقيقة المقنعة تتجلَّى في مقطع عرضته باثي نيوز وقت الثورة العربية ضد التفويض البريطاني في نهاية الثلاثينيات حيث يعرض الجنود البريطانيين وهم يحاصرون الفلسطينيين “الإرهابيين من وجهة نظرهم” في مدينتي الضفة الغربية المحتلة نابلس وطولكرم – تمامًا كما يفعل خلفاؤهم الإسرائيليون اليوم.

ويكمل طرحه بأن سبب شعور المستوطنين اليهود بالأمان، كما يعلن المقدم في باثي نيوز ذلك بنبرات حادة لاهثة في التعليق الصوتي المميز لفترة الثلاثينيات، هو “القوات البريطانية اليقظة دائمًا، والحامية دائمًا”، كما انهارت العلاقة بعد تقييد بريطانيا للهجرة اليهودية إلى فلسطين عشية الحرب العالمية الثانية.
وكان رد الفعل الاستعماري لبريطانيا، في فلسطين وفي أماكن أخرى، هو دائمًا الظهور باعتبارها وهمًا “راعية القانون والنظام ضد تهديد الثورة وسيدة الموقف”، كما يبدو في فيلم إخباري مضلل عام 1938 من القدس.

ولكن الصلة الأساسية السابقة – التي يذكرها – بين القوة الاستعمارية الغربية والمشروع الصهيوني أصبحت تحالفًا استراتيجيا دائمًا بعد تأسيس إسرائيل – من خلال إجلاء ونزع الملكية من الفلسطينيين وعدة حروب عامًا من الاحتلال العسكري واستعمار غير قانوني مستمر للضفة الغربية وغزة.

وتعد الطبيعة غير المشروطة لهذا التحالف، والتي تظل محور سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، هي أحد الأسباب التي تفسر احتمال رفض الحكومات العربية المنتخبة تلك السياسات الغربية القمعية ولا شك أن القضية الفلسطينية متأصلة في الثقافة السياسية العربية.

زر الذهاب إلى الأعلى