أشرف التهامي يكتب: النعامة والطاووس
بيان
يقول المثل الفرنسي “يظل الطفل بريئا حتى يتعلم التصفيق” إذن التصفيق ليس حالة بريئة، وإنما يأتي في سياق موقف ما بالاستناد إلى ثقافة من قام بهذا التصفيق، في عملية تفاعلية مع الشخص أو الجماعة التي تمّ التصفيق لها.
وثقافة التصفيق هي ثقافة شعوب قديمة، والمعنى السياسي هي ثقافة تلفيق واستجداء وكسب عواطف ومجاملة فائقة، كما أنها تعبير عن حالة قهرية خنوعيه رضوخيه، تنمّ عن سلبية واضحة وتبعية مطلقة للزعيم الفرد المستبدّ، وهي قد سادت كثيرا في العالم العربي خلال الخمسينات والستينات والسبعينات ولا تزال مستمرة حتى يومنا الراهن، وساهم التصفيق في استدامة الحالة التخلفية بالعالم العربي.
لكن إلى متى سيظل الصمت والخنوع هما رد الفعل العربي في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية، فلا جامعة الدول العربية هبت لنصرة قطاع غزة الذي يتعرض لإبادة جماعية، ولا منظمة العالم الإسلامي زأرت في وجه الكيان الصهيوني المؤقت، فكان طبيعيا أن تسد المنظمات الدولية آذانها وتغمض أعينها، إزاء ما يقدم عليه هذا الكيان المتغطرس من انتهاكات للمواثيق الدولية وتدمير للبنى التحتية وإبادة جماعية لشعبنا الفلسطيني، التي لم يسلم منها حتى الأطفال الخدع.
اكتفت الدول العربية والإسلامية بالشجب والتنديد، فمخرجات القمة غلبت عليها الصياغات الكلامية والخطابية، مثل المطالبات والمناشدات والتأكيدات والدعوات وإعلان الدعم، في غياب شبه كامل لأي خطوات عملية يفترض أن تضطلع بها القمة التي جمعت قيادات 57 دولة عربية وإسلامية.
وبقت مصر الأعلى صوتا من خلال تصريحات الرئاسة والتباحث في الأمر ما بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والقادة المعنيين من الغرب والولايات المتحدة الأمريكية راعية هذا الكيان المتغطرس، ومطالبتهم والمجتمع الدولي للقيام بمسئولياته وايقاف إسرائيل عند حدها، وما تقوم به وزارة الخارجية المصرية من اتصالات مع كل الشركاء المؤمنين بعدالة القضية الفلسطينية، إلى جانب الأمم المتحدة.
كان لزاما على القادة العرب في اجتماع القمة العربية والإسلامية استغلال فرصة تبدو أخيرة في إدارة الصراع مع العدو الإسرائيلي ، وكان عليهم أن يكشروا عن أنيابهم أمام رؤساء دول المحور الصهيوني وحكومة الكيان المتغطرس وينسفوا الممارسات الإسرائيلية التي تحتمي بالألة الاعلامية المضللة للحقائق ، ليبينوا للعالم كله أن قوس الصبر لم يعد فيه منزع ، وأن على إسرائيل ومن يحميها ويؤازرها في أعمالها الإجرامية ان يرتدع ، ويتحلى بالمسئولية ، وينصر حقوق الإنسان الفلسطيني الذي يرزح تحت نيران الاحتلال ، بينما العالم يتحدث عن حقوق اللاجئين ليواري بهم سوءته.
وأول ما يلفت النظر هو أن هذه القمّة المشتركة “الاستثنائية والطارئة” أتت بعد أكثر من شهر كامل على العدوان على قطاع غزة، وبعد أن تجاوز عدد الشهداء 11100، والجرحى أضعاف ذلك، فضلًا عن الحصار، ومنع دخول الغذاء والماء والدواء والوقود، بل قالت وزارة الصحة في غزة، يوم انعقاد القمة: إنّها “لم تستطع إحصاء عدد الضحايا”؛ بسبب انقطاع الاتصالات والإنترنت.
ولا شكّ أن تأخّر القمة – كل هذا الوقت إزاء وضع كارثيّ بهذه الصورة – له دلالاته التي كان لها انعكاس مباشر على مخرجاتها وقدرتها على التأثير.
والملحوظة الثانية: أن مخرجات القمة غلبت عليها الصياغات الكلامية والخطابية، مثل المطالبات والمناشدات والتأكيدات والدعوات وإعلان الدعم، في غياب شبه كامل لأي خطوات عملية يفترض أن تضطلع بها القمة التي جمعت قيادات 57 دولة عربية وإسلامية، إزاء قضية جامعة كالقضية الفلسطينية.
في المقابل، كان القرار العملي الوحيد – والمتمثل في كسر الحصار وإدخال المساعدات – فضفاضًا لم تُشرح آليّتُه ولم تُطرح وسائل تطبيقه ولا كيف سيواجه التعنت “الإسرائيلي” القائم بخصوص إدخال المساعدات للقطاع، فكان أقرب للرغبة والدعوة منه لخطة عملية.
والخلاصة: إن من افترض من العرب أن قوة أميركا والكيان الصهيوني المؤقت ومن معهم بمثابة القدر المحتوم والذي تصعب مواجهته، لاعتقادهم ووهمهم بأن الجيش الصهيوني جيشاً لا يقهر نقول لهم: إن منطقكم هذا منطق النعام، فلقد قهر الجيش الإسرائيلي ومرغت هامات قادته على يد مقاتلي المقاومة الذين امتلكوا إرادة القتال وقرار المقاومة، والذين فضحوا الأسطورة الصهيونية وكشفوا حقيقة النمر الإسرائيلي الصهيوني بأنه نمر من ورق، ولا أكثر من طاووس مغرور.
وعلى ما سبق نستذكر بواقعية ملموسة أن قوة الطاووس الإسرائيلي التي لا تقهر هي بالأساس تكمن في ضعف النعام العربي.