قمح سوريا.. خبز سوريا.. الجوع يقف على مشارف دمشق

كتبت: أسماء خليل

جفاف وإغلاق معابر حدودية ونقص مساعدات وغياب الأمن والأمان.. مشكلات تواجهها سوريا، فبينا كانت دمشق بالماضي تصدر القمح، الآن أصبح نصيب الفرد ربطة خبز كل ثلاثة أيام وسط غضب شعبي سوري.

في وضعٍ بات هو الأسوء في تاريخ سوريا؛ لم يعد باستطاعة الأسرة المكونة من شخصين الحصول إلَّا على ربطتي خبز كل 3 أيام، بينما يكون نصيب الأسرة المكونة من ٤ أشخاص ربطتين يوميًا، وفقًا لما حددته وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لحصة الأفراد من التموين.

سوريا وأمجاد الماضي

قبل عام 2011، وقبل اندلاع ثورات الربيع العربي نعمت سوريا بمخزون احتياطي يكفيها لسنوات من دون إنتاج، مع اتساع رقعة الصوامع المنتشرة في الأرياف لتستوعب الفائض الكبير من الإنتاج المتراكم في كل موسم.
كانت سورية البلد الوحيد في المنطقة الذي كان مكتفيًّا ذاتيًّا في مجال إنتاج الغذاء، ولاسيما المحاصيل الزراعية الأساسية مثل القمح والشعير. وقد تحوّلت سورية حتى إلى مُصدِّر إقليمي
فقد كانت سوريا تكتفي بأربعة ملايين طن، وتصدر ما يفيض عنها، وقد بلغت مساحة الأراضي المزروعة بالقمح عام 2007 قرابة 1.7 مليون هكتار، أنتجت ما يزيد على 4 ملايين طن بمتوسط إنتاج قدره 2423 كيلو جراماً للهكتار الواحد من النوعين الطري والقاسي.

والآن باتت سوريا تستورد القمح بعد أن كانت تُصدره إلى الأردن ومصر وتونس فيبدو أن احتياطيات القمح الاستراتيجية الضخمة نفدت أو استُهلِكَت إلى حدّ كبير، فقد ذكرت تقارير أنه في الفترة ما بين 1994 -2008 كانت سوريا تصدر القمح إلى دول الجوار، وعلى النقيض تم استيراد 1.5 طن بالعام الماضي فقط من روسيا، وقد تغير الحال وتراجعت كل الموارد الزراعية من بينها القمح الذي أثر على إنتاجية الرغيف.

احتجاجات شعبية

شكل الانقطاع المتواصل للكهرباء أحد أسباب الغضب السوري؛ إذ أنه ليس بالإمكان حفظ الخبز خارج المُبرد لمدة ثلاث أيام، فنسبة فساده ستكون محققة، وأيضًا لعدم جودة المكونات المصنع منها الخبز بالتزامن مع رفع التسعيرة.
توجد عدة عوامل زادت من سوء الوضع..

جفاف وتشقق الأرض

لم تمر سوريا بموجة من الجفاف في تاريخها مثلما واجهته هذا العام، كما خرجت معظم مساحات الأراضي من الاستثمار، حسبما أكد وزير الزراعة “محمد حسان قطنا” لوسائل إعلام سورية، وأوضح أنه بالماضي كان الجفاف يسود محافظة أو اثنتين ولكن ليس كل المحافظات بأكملها، كما أكد أن هذا الأمر غير مسبوق.

نقص المحصول

ترجع أزمة الخبز إلى عدم كفاية المحاصيل من قمح وشعير لسد احتياجات المواطنيين من الغذاء، إذ انخفض معدل هطول الأمطار بين 50% و70% حسب المحافظات، ففي الحسكة كان أقل من 50%، بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة بنحو 6-7 درجات، ما يزيد من معدل التبخر.

أسباب نقص القمح

يعد عامل انخفاض معدل هطول الأمطار أحد أبرز الأسباب في نقص القمح بكل المحافظات السورية، إذ أن هناك فجوة في الواردات قد تبلغ 1.5 مليون طن على الأقل، وفقا لما ذكرته وكالة الأنباء رويترز.

ومن المتوقع أن تزيد المشكلات الزراعية وينقص التمويل للواردات مما سيضغط على الاقتصاد السوري، الذي يرزع بالفعل تحت وطأة صراع مستمر منذ 10 سنوات، وعقوبات أمريكية، وانهيار مالي في لبنان المجاور، وتبعات جائحة Covid-19.

تقلص في عدد العاملين

تقلَّص عدد العاملين بالأراضي الزراعية بشكل ملحوظ، حيث وصل إلى 13.2 في المئة في عام 2011 بحسب إحصائيات “المكتب المركزي للإحصاء” التابع للسلطات السورية، كما توجد صعوبة بالغة في إحصاء عدد العاملين في الزراعة، نتيجة خروج المحافظات الشمالية الشرقية وغيرها من إحصائيات الوزارة واقتصارها على بعض المناطق التي ما تزال تحت سيطرة الحكومة السورية.

تركيا ونقص المياه والمساحات المزروعة

لا شك أن قيام تركيا بخفض تدفق المياه إلى نهر الفرات أدى إلى خروج بعض المساحات المروية في دير الزور خاصة، وكذلك في الرقة، حيث كان الاعتماد الأساسي عليها في الزراعة المروية،
وبلغت المساحات المزروعة قمحا في سوريا نحو 1.5 مليون هكتار، نصفها مروي، والآخر يعتمد على الأمطار، وتزيد هذه المساحات عن العام السابق بنحو 120 ألف هكتار، ويقول“ أحمد حيدر” مدير الإنتاج النباتي بوزارة الزراعة إن معظم المساحات الزائدة كانت في الزراعة العلية.

ويقول حيدر إن أكثر من 90% من المساحات المزروعة بعلا فُقدت، ورغم أن تقديرات إنتاجها كانت جيدة، وتجاوب المزارعين كان كبيرا، إلا أن الإنتاج فيها كان بالحدود الدنيا نتيجة التغيرات المناخية والجفاف، وتوقف الأمطار تماما وانقطاعها منذ منتصف مارس، وخاصة في مناطق زراعة القمح، إضافة إلى سوء توزع الأمطار بالنسبة للزراعة المروية خلال موسم النمو.

رُبع حاجة البلاد

كانت كميات القمح المستلمة لسد حاجة السكان تُقدر بنحو 237 ألف طن، ومن المتوقع أن يتراوح إجمالى المحصول الموسم الحالي بين 350-400 ألف طن، وهو ما يعادل أقل من ربع حاجة البلاد.

أسباب تدهور أوضاع الزراعة

تأثر القطاع الاقتصادي بالأحداث السياسية التي تعرضت لها سوريا في الآونة الأخيرة، وأصبحت الظروف الأمنية هي التي تتحكم في الأحوال الزراعية.
وقد باتت تحديات جديدة مُعوقة لكل من أراد الاستمرار بحرفة الزراعة من حيث توفير مستلزمات الإنتاج وتسويق منتجاته، حيث تراجعت الكميات المسوقة الى المؤسسات الحكومية من القمح والقطن والشمندر، وتراجعت الكميات المسوقة إلى أسواق الجملة المركزية الواقعة في مراكز المحافظات، وما برحت الشروط المُجحفة من قبل مُديرين المناطق الزراعية عائقًا كبيرًا جدًّا.
كما أن لغياب دور السلطات منذ عقود في توفير منافذ بيع خارجية لمنتجات المزارعين أكبر الأثر في تدهور أحوال الزراعة، وكذلك التكلفة الكبيرة للإنتاج مقابل سعر المبيع الزهيد، علاوةً على ارتفاع أسعار الأسمدة والمبيدات، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الزراعة، كذلك الانقطاع الدائم للتيار الكهربائي الدائم الذي أعاق المزارعين في تشغيل مضخات المياه لري زراعتهم، بالمقابل لجوء المزارعين في الشمال السوري وبخاصة في محافظة إدلب لاستخدام ألواح الطاقة الشمسية لري محاصيلهم، ما أدى إلى توقف الكثير من المزارعين عن الزراعة.

زر الذهاب إلى الأعلى