ناشطة إسرائيلية: الحرب في غزة كارثة.. وإذا لم تفهم إسرائيل ذلك فإن “أملنا ضاع”
كتب: أشرف التهامي
الكاتبة والناشطة الإسرائيلية “إيلانا هامرمان” المولودة فى حيفا عام 1944 مقالا في صحيفة “هآرتس” العبرية تنتقد فيه جرائم الاحتلال الصهيوني بحق الأطفال والنساء والشيوخ والفلسطينيين الأبرياء وتنتقد طرق الاستهداف الإسرائيلي ونتيجة تلك الجرائم على المدنيين وعلى المجتمع الإسرائيلي.
ويتم تعريف “هامرمان” بأنها ناشطةً سياسية، تجابه الاحتلال وتحاربه منذ عقود، على المستوى الفرديّ.
وهى أيضا عضو في جمعيّة “بتسيلم” وجمعية “حقوق المواطن في إسرائيل”.
مُنحت هامرمان جائزة وزارة الثقافة للترجمة عام 1990، وجائزة أندرسن للترجمة (1994)، وجائزة تشرنيحوفسكي لإنجاز العمر في مجال الترجمة عام 2006 وجائزة يشعياهو ليبوفيتش عام 2015 عن نشاطها العامّ ضدّ الاحتلال.
تقيم الكاتبة في القدس.
وفى التالى ترجمة لنص المقال:
“ما هو الشيء الذي لا تعتبره إسرائيل في قطاع غزة مركزاً للقوة السياسية والعسكرية لحماس؟
إسرائيل هذه، هي التي تقوم مؤسساتها الأكاديمية المركزية بتدريب الجنود بالزي العسكري، والعديد من مؤسساتها البحثية المدنية تخدم جيشها بشكل مباشر أو غير مباشر.
إسرائيل هذه هي التي دعم قادتها حركة حماس، مع اقامتها، في صراعها ضد التنظيمات اليسارية في قطاع غزة، وهذا ما فعلته مؤخراً من أجل تعزيز الفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية.
إسرائيل هذه هي التي تعمل في جميع حروبها في قطاع غزة، وهذه المرة على نطاق غير مسبوق، من منطلق الافتراض العملياتي بأن كل غزة مزروعة بمراكز قوى لحماس التي تستحق تقويضها والقضاء عليها ومحوها:
بدءاً من المدارس والمستشفيات والمحاكم ومخيمات اللاجئين، وصولاً إلى الأحياء والمساكن في المدن والقرى – لأن حماس تستخدم كل هذه والمواطنين “درعاً بشرياً”.
جريمة وكارثة
وبالفعل هذا هو الحال، وهو جريمة وكارثة. ولكن هل يعني هذا أن جميع البشر الذين يعيشون في قطاع غزة، نساء ورجالا وشيوخا وأطفالا، أكثر من مليوني نسمة، مسموح للجيش الاسرائيلي ان يستهدفهم ويأذيهم؟
وهذا ما تفعله هذه الأسابيع:
آلاف الجرحى والقتلى، وتهجير مئات الآلاف من بلداتهم، والبنية التحتية مدمرة بالكامل، وأغلب المواطنين الآن تحت رحمة العطش والجوع والأمراض التي تصبح أكثر فتكا يومًا بعد يوم، وخاصة الأطفال.
يقصف الطيارون ليلاً ونهاراً، وتتسابق الدبابات الضخمة على الأنقاض التي دفنت عائلات بأكملها تحتها وتدمر الطرق والشوارع.
“الضرر الثانوي”
الضرر العرَضي” أو “الضرر الثانوي” – هكذا يسمون هذا الضرر الذي يلحق بالمدنيين. هذا هو الشر الرهيب في الحروب الحديثة، التي تتم أساسًا عن طريق القصف الجوي بالطائرات والطائرات بدون طيار.
على سبيل المثال:
حاربت الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر ما أطلق عليه “الإرهاب العالمي”، وتسببت في “أضرار عرَضية” ألحقت الدمار بالسكان المدنيين في آسيا والشرق الأوسط. ومن الصعب ألا نذكر هنا ملايين المدنيين الذين قتلوا في حروب كوريا ولاوس وفيتنام.
“التركيز ينصب على الأذيّة وليس على الدقة”
في الحرب الحالية في غزة، أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن “التركيز ينصب على الأذيّة وليس على الدقة”.
ولكن على الرغم من أنه من الواضح تمامًا أن هذا “الضرر العرضي” يتسبب تدريجيًا في إحداث الدمار لجميع السكان المدنيين في القطاع، فقد كُتب وقيل القليل جدا في إسرائيل حول الجوهر الإجرامي لمبدأ الحرب هذا.
او انه يتم تجاهله تماماً – وقليلون في المجتمع الإسرائيلي يعرفون أبعاده أو يهتمون به- أو يدافعون عنه
على سبيل المثال: كتبت إيفا إيلوز: “إن الحدس الأخلاقي والقانون المدني والقانون الدولي يميز بوضوح بين الأشكال المختلفة للقتل. إن “الضرر الثانوي” -وهو تعبير غير شخصي على الإطلاق -يختلف أخلاقياً وقانونياً عن قطع رؤوس الأطفال على يد المقاتلين، وذلك بسبب درجة النية والمسؤولية المباشرة. إن إنكار هذا التفريق سيكون بمثابة إلغاء أسس نظامنا القانوني” (هآرتس، 2.11).
وفي هذا السياق، من المناسب أن نقول شيئًا عن “أسس نظامنا القانوني”، وعن “تفريقه الواضح بين أشكال القتل المختلفة”، التي لا تمثل بالضبط تجسيدًا للإنسانية والعدالة. فالمعاهدات الدولية لحماية المدنيين في أوقات الحرب لا تتناول إلا بشكل غامض مسألة “الأضرار العرضية” بل وتسمح بها على أساس تعريفات غامضة لمصطلح “التناسب”. في الواقع، هناك عدد غير قليل من المفكرين والمؤرخين الذين وجهوا في السنوات الأخيرة انتقادات مبررة لهذا التعريف الضبابي، ويرون أنه نظرًا لطبيعة الحروب في العصر الحديث، ينبغي أيضًا تطبيق حظر إيذاء المدنيين، وحتى بشكل رئيسي، هذا النوع من الضرر والذي غالباً يبلغ درجة من إبادة شعب.
والحقيقة أن البرابرة من حماس ذبحوا وأساؤوا إلى ضحاياهم ـ الأطفال الصغار، والشباب المحتفلين، والأمهات والآباء، والأجداد ـ بينما كانوا يقفون أمامهم وجهاً لوجه.
العقل والفكر لا يتحملان هذه القسوة ولا المآسي الفظيعة التي ألحقوها بالناجين من الهجوم:
لا يوجد ولن يكون هناك أي مبرر أو غفران لهم، ولا يهم السياق الذي نشأ في داخله المخططون والجناة.
لكن التكنولوجيا المتطورة والبعد الجسدي عن الضحايا الذي تسمح فيه الحروب الحديثة للجيوش لا يقلل من مسؤولية وأبعاد جريمة مقاتليها وقادة الدول الذين يرسلونهم إلى هذه الحروب. وغني عن القول أن ذلك لا يقلل من معاناة الضحايا.
إن قنابل الطائرات المقاتلة التي تدمر المباني والمنازل على شاغليها من أمهات وآباء وأجداد وأطفال ورضع، تترك وراءها أناسًا ينزفون أو مشوهين أو يموتون أو يحتضرون. لكن الطيارين الذين يُسقطون القنابل لا يرون هذه المعاناة ولا يسمعون صراخهم، وربما يحجب عنهم ستائر الدخان المتصاعدة رؤية ذلك، أيضًا. ولا داعي للتوسع وقول ذلك عن مشغلي مختلف أنواع الطائرات بدون طيار، التي تحتل مكانة متزايدة في الحرب الحديثة.
وحددت إيلوز في مقالتها أن “إحصاء الموتى لا يكفي لتحديد مدى شناعة فعل القتل من الناحية الأخلاقية، لأن الجرائم ليست متساوية في نواياها، وفي مسؤوليتها، وفي الكراهية التي تثيرها”.
نوايا دولة إسرائيل في حروبها
أما فيما يتعلق بالنوايا، فليس هذا هو المكان المناسب لتناول نوايا دولة إسرائيل في حروبها. ومع أنه من الجدير بالذكر أنه من الواضح اليوم أكثر من أي وقت مضى، أنها تنوي الاحتفاظ بشكل أو بآخر بجميع الأراضي.
التي احتلتها عام 1967. هذه هي السياسة وما من سواها منذ سنوات عديدة. أيضًا السياسة تجاه حكم حماس في غزة تخضع لهذا الهدف.
وفيما يتعلق بإحصاء القتلى – إذا كانت أعداد القتلى ومعاناة المدنيين في الحرب في غزة لا تثير الاشمئزاز والاحتجاج في المجتمع الإسرائيلي، فإن أملنا ضاع(قتباس من النشيد الوطني الاسرائيلي). وهذه ربما تكون الكارثة الأكبر على الإطلاق، من هذه الجهة من الأسوار والحواجز.