التضحية بالغنوشي خيار حركة النهضة – الآن – فى بحثها عن النجاة من مصير إخوان مصر
كتب: على طه
ماذا لو اختفى راشد الغنوشى من المشهد برمته.. أو على الأقل من صدارته للمشهد؟.. هذا هو السؤال الذى بات يتردد داخل الحركة الإسلامية المنتمية للإخوان فى تونس، أو تحديدا “حزب النهضة”.
ولم يعد السؤال محل نقاش داخل الحركة، لكنه خرج للعلن، وأعلنه بعض قيادات الحركة ومنهم محمد بن سالم، الذى طلب صراحة من راشد الغنوشي الانسحاب من الحركة بسبب الأزمات السياسية المتعددة التي تمر بها البلاد، نتيجة للسياسات الخاطئة.
وقال بن سالم في حوار عبر اذاعة “الديوان أف أم” أمس الاثنين: “إذا كان رئيس الحركة راشد الغنوشي حريصا على وحدة الحركة فأن عليه الانسحاب من رئاستها وتسليمها لمن يخلفه طبقا لما ينص عليه القانون الداخلي للحزب”.
وأضاف كادر الحركة أن الغنوشي “ليس فقط رئيس للحركة لكن زعيمها أيضا..ولا نريد أن يخرج من الباب الصغير، نريده أن يبقى زعيما للحركة حتى وإن لم يعد رئيسها”.
لقد أدركت “الحركة” الخطأ الكبير الذى وقعت فيه لكن بعد أن استنزفت قوتها في العشر سنوات الماضية وفقدت التأييد الشعبي ومركزها في الحكم.
وأدركت أن ما حدث معها في تونس اليوم، هو ما حدث مع الإخوان في مصر، ولكن بتفاوت واختلافات ترتبط بسياسات الدولة، وتاريخ الإخوان في مصر، مقارنة بتونس وخصوصية التجربة فى كل بلد منهما.
وفى ذات الوقت يرى مراقبون أن مصر وتونس تحملان رمزية لجماعة الإخوان، الأولى هي البلد المنشأ والأم، والثانية الدولة “المتمردة”، والتمكين في كلا البلدين يعني الانتصار المنشود، وهذا ما لم يتحقق.
لقد تطلب الأمر حكم سنة واحدة ليسقط هيكل الإخوان في مصر، لكن في تونس الثمن كان أكبر، بحجم المدة الزمنية التى استغرقتها تجربة حركة النهضة، وهى عشر سنوات قضاها التونسيون تحت تجارب الائتلافات الحكومية الفاشلة التي شاركت فيها النهضة، وتغضى خلالها التونسيون عن تاريخها الدموي، وعن افتقار قياديها للخبرة السياسية لقيادة البلاد في فترة من أصعب الفترات في تاريخها.
وتجلى فشل النهضة فى الحال الذى وصلت إليه البلاد، والمواطن التونسي – كما يقول الخبراء بحاله – لا يثور إلا من أجل “خبزته” وأغلب الثورات الشعبية في تاريخ تونس قديما وحديثا ارتبطت بالفقر ورفع الضرائب وارتفاع الأسعار، أما محاربة العلمانية وأسلمة المجتمع وتغيير مجلة (قانون) الأحوال الشخصية، والعمليات الإرهابية، وأن أدت إلى خروج مظاهرات احتجاجية ضد النهضة، لكنها لم تؤد إلى تحشيد الشارع مثلما حدث مع تصاعد الأزمة السياسية والاجتماعية والصحية التي قادت الشارع يوم 25 يوليو إلى الخروج ضد منظومة 2011.
ويؤكد التونسيون أنفسهم أن “النهضة” فشلت في فهم طبيعة المجتمع التونسي، حيث المبادئ التي زرعها بورقيبة راسخة في ثقافة المجتمع، بل أساسا لقوام هذا المجتمع، كما فشلت النهضة في تطبيق نموذج حزب العدالة والتنمية التركي في تونس، وفشلت في تحقيق الخطوات الأولى لسياسة التمكين الإخواني، وفشلت في أن تقدم نفسها كحزب مدني بتوجهات اقتصادية ليبرالية.
لقد استنزفت حركة النهضة بعد عشر سنوات من الحكم رصيد المظلومية الذي استندت إليه في انتخابات 2011 إلى جانب استفادتها من شيطنة النظام السابق، كما يقول الكاتب الصحفي التونسي نورالدين بالطيب، ويؤكد أنها “لم تحقق أي مكسب بل قادت البلاد إلى الهاوية وسيكون الحساب مع الشعب التونسي عسيرا في الانتخابات القادمة”.
ونعود للسؤال الذى طرحناها فى البداية، ونطرحه بصيغة أخرى وهى: هل اختفاء راشد الغنوشى من صدارة المشهد من الممكن أن يمنح حركة النهضة التى تترنح “قبلة الحياة” ؟
الإجابة هذه المرة تأتينا من مصادر تنتمى للحركة، وتؤكد هذه المصادر أن العشرات من أعضاء “حزب النهضة” الشبان وبعض زعمائه ومن بينهم برلمانيون طالبوا الغنوشي بالاستقالة، وفى ذات الوقت تعرضت قيادات محسوبة على الغنوشي مثل رئيس مجلس الشورى عبدالكريم الهاروني، والنائب نور الدين البحيري، وصهر الغنوشى رفيق عبد السلام إلى انتقادات واسعة حيث تم تحميلهم مسؤولية الوضع الذي وصلت اليه الحركة وانهيار شعبيتها في الشارع.
و يقول المصادر إنه هناك بالفعل داخل الحركة، جناح مناهض لسياسات الغنوشي، وهذا الجناح بات أكثر قوة وقدرة، على التاثير بعد قرارات 25 يوليو، وهو الأمر الذى أكده القيادي في الحركة سمير ديلو، متهما بعض القيادات المحسوبة على الغنوشي بالإصرار على المواقف السابقة.
ووصف ديلو فى تصريحات إعلامية بعض كلام وتصريحات المقربين من الغنوشي المتهجمة عليه بأنها دليل على انفصال الحركة عن الواقع ، وفى ذات الوقت انتقد ديلو بشدة تصريح الغنوشي لوسائل إعلام أجنبية بانه قادر على تعبئة الشارع لمواجهة قرارات قيس سعيد واصفا إياها بأنها “تصريحات غير مسؤولة وتزيد من تأزيم الوضع”.