ضربات تركيا الجوية ضدّ حزب العُمال الكردستاني في سورية.. وفاعليتها
كتب: أشرف التهامي
منذ الربع الأخير من عام 2023 شهدت مناطق شمال شرق سورية ما لا يقلّ عن 3 موجات تصعيد قام بها سلاح الجوّ التركي ضدّ حزب العُمال الكردستاني الانفصالي والتنظيمات الإرهابية المرتبطة به، إثر تزايُد الأنشطة والهجمات التي ينفذها ضدها في العراق وداخل تركيا، التي باتت تركّز بشكل كبير على حصر الردّ في سورية وضِمن مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الانفصالية مع تغيُّر ملحوظ في طبيعة الأهداف التي يتمّ ضربها خلال عمليات الاستهداف.
أولاً: فاعلية الضربات الجوية التركية في سورية
فحسب بيانات وزارة الدفاع التركية السنوية، قالت “إنّها خلال عام 2023 حيّدت 1529 عنصراً من حزب العُمال الكردستاني الانفصالي والتنظيمات الارهابية التابعة له في سورية مقابل تحييد 717 عنصراً آخر في العراق في مناطق عمليات “المخلب -القفل”.
ويشير هذا الفارق في الأرقام إلى التركيز المتزايد لعمليات الجيش التركي ضدّ الحزب الانفصالي في سورية رغم أنّها تقتصر على:
1- الاستهداف الجوي بالطيران الحربي.
2- الاستهداف الجوي بالطيران المسير.
3- القصف المدفعي.
بخلاف العمليات في العراق التي تتضمن:
1- هجمات برية.
2- هجمات جوية.
وذلك نتيجة انتشار القواعد العسكرية التركية هناك.
استطاعت العمليات العسكرية الجوية التركية تحقيق الآتي:
1- تصفية بعض قيادات الصفّ الثاني في حزب العمال الانفصالي والتنظيمات الارهابية التابعة له.
2- دمرت أنفاقاً وتحصينات يستخدمها في التنقُّل والتسلُّل عَبْر الحدود السورية.
إلّا أنّه بات واضحاً أنّ هذه العمليات وَحْدَها لم تنجح في:
1- ضمان الأمن القومي التركي.
2- تقويض أنشطة وخطر الحزب في المناطق الحدودية وحتى داخل الأراضي التركية.
خاصةً مع الطبيعة الأمنية للحزب الانفصالي وقدرته للأسباب التالية:
1- إعادة ترميم هياكله القيادية مع سهولة تنقُّلها من العراق إلى سورية.
2- استمرار الدعم والحماية غير المباشرة التي تُقدِّمها قوات التحالف الدولي لمناطق انتشار عناصره ونشاطها والتنظيمات المرتبطة به.
مما أتاح له العمل على تأسيس قاعدة عملياتية له في هذه المناطق.
إنّ تركيز تركيا لعملياتها ضدّ حزب العُمال الكردستاني بشكل أكبر في سورية يعود لعدة أسباب أهمّها ،استمرار العمليات التي يشنّها الحزب ضدّ تركيا انطلاقاً من مناطق سيطرة قسد الانفصالية سواءً بشكل مباشر عَبْر عمليات القصف الصاروخي للمناطق التركية الحدودية انطلاقاً من مناطق سيطرة قسد –الانفصالية وخاصةً محيط عين العرب/ كوباني- أم بشكل غير مباشر عَبْر عمليات التدريب والتسليح والاستشفاء والتنقُّل التي ينظّمها الحزب لعناصره وقياديِّيه في مناطق سيطرة قسد الانفصالية ، والتي نتج عنها قدرته على تنفيذ عدة عمليات داخل الأراضي التركية، وآخِرها الهجوم على مبنى وزارة الداخلية في العاصمة التركية أنقرة، إضافةً لازدياد حالة التداخُل والتنسيق العلنيّ بين أنشطة الحزب وقسد الانفصاليين، التي تجلّت بشكل واضح في إعلان قسد الانفصالية لأول مرة في أغسطس 2022 عن مسؤوليتها عن تنفيذ 3 عمليات قصف صاروخي استهدفت 3 مواقع في ولايات غازي عنتاب وأورفا وماردين.
في الواقع، لقد رفعت الضربات التركية المستمرة التكلفة على أنشطة حزب العمال الانفصالي في سورية وتجفيف جزء كبير من موارده، بعدما كان يأمل غالباً بتحويل مناطق سيطرة قسد الانفصالية لقاعدة عمليات بديلة أو موازية عن وجوده في العراق؛ حيث تستهدف الضربات التركية المستمرة في سورية تقويض هذه المساعي وهذا ما يُفسر التغيُّر في طبيعة الأهداف التي تقصفها منذ الربع الأخير من عام 2023.
ثانياً: التغيُّر في طبيعة أهداف الضربات الجوية التركية
تُعتبر العمليات الجوية التركية في سورية امتداداً للضربات التي بدأتها ضدّ أهداف تابعة لحزب العُمال الانفصالي وفرعه السوري منذ منتصف أغسطس 2021، وهي رغم استمرارها على نحو متفاوت لم تكن كافية لمنعه من استمرار تهديده المباشر للأمن القومي التركي؛ حيث تزايدت بشكل واضح خلال النصف الثاني من عام 2023 عمليات التسلُّل والهجوم التي ينفّذها عناصره ضدّ المواقع العسكرية التركية شمال العراق وداخل تركيا.
كان ذلك أحد أبرز العوامل التي دفعت تركيا غالباً لتوسعة بنك أهداف عملياتها العسكرية ضدّ PKK الانفصالي والتنظيمات الارهابية التابعة له في سورية لتشمل جميع منشآت البِنْية التحتية والفوقية ومنشآت الطاقة التابعة له، ولا تقتصر على الأهداف العسكرية والأمنية فقط. لكنّ عوامل أخرى أيضاً لا بدّ ساهمت في هذا التغير وهو تراجُع التنسيق مع روسيا بموجب مذكرة سوتشي (2019) حيث لم يُسيّر الطرفان أي دوريات مشتركة منذ أغسطس 2023.
وبالتالي تراجع الرقابة الجزئية والنسبية التي كانت تفرضها هذه الأداة على أنشطة الحزب الانفصالي والتنظيمات الارهابية التابعة له. بالمقابل هناك ما يُشير إلى وجود تنسيق ولو بالحدّ الأدنى بين تركيا والولايات المتحدة أو على الأقلّ عدم اعتراض الأخيرة على العمليات التي تنفذها تركيا، لا سيما أنّ بعض الضربات كانت قريبة للغاية من قواعد التحالف الدولي والمنشآت العسكرية التي يحميها في الحسكة وغيرها.
خلال موجات التصعيد الأخيرة، استهدفت تركيا ما يقارب 150 موقعاً في سورية تابعاً لحزب العمال الانفصالي والتنظيمات الإرهابية التابعة له.
طالع المزيد:
جاء ذلك في إطار تغيُّر إستراتيجي في الضربات التي تنفذها من حيث طبيعة الأهداف، وآلية الاستهداف، والمواقع المستهدفة، مثلما هو موضَّح أدناه:
1. تغيُّر في طبيعة الأهداف: إنّ أكثر من ثلثَي الأهداف التي استهدفها سلاح الجوّ التركي كانت عبارة عن منشآت بنى تحتية مرتبطة بشكل مباشر بحزب العُمال الانفصالي؛ كمرائب السيارات العسكرية وورشات التصليح ومحطات الوقود العسكرية الخاصة بعناصره وبالتنظيمات الارهابية التابعة له ومراكز التسليح والتصنيع العسكري وأبرزها المدينة الصناعية في حقل رميلان النفطي التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب YPG الارهابية، منذ سيطرتها على الحقل عام 2012 والمواد الأولية المتوفرة فيها لأعمال التصنيع العسكري. استهدفت الضربات الجوية أيضاً منشآت نفطية وغازية تعود معظم مواردها إلى الحزب الانفصالي ومنشآت ومشاريع استثمارية تابعة للإدارة الذاتية الانفصالية تمثّل أيضاً بشكل غير مباشر مورداً مالياً للحزب الانفصالي الذي يسيطر على هذه الإدارة الانفصالية ويشرف عليها.
2. تغيُّر في آلية الاستهداف: في السنوات الماضية كان الطيران المسيَّر هو الأكثر استخداماً لدى سلاح الجوّ التركي خلال عملياته العسكرية الواسعة أو المنفردة التي تتم بشكل شِبه يومي في مناطق سيطرة قسد الانفصالية.
مع تغيُّر الاستراتيجية التركية في التعامل مع حزب العمال الانفصالي في سورية يُلاحَظ مشاركة أوسع للطيران الحربي من طراز F16 والفانتوم الأمريكية المعدَّلة التي تمتلك قدرة تدميرية أكبر من الطيران المسيَّر، وذلك غالباً بسبب مستوى التحصين العالي للأهداف التي باتت تستهدفها العمليات العسكرية الجوية.
3. تغيُّر في مواقع الأهداف: مع اعتماد الاستراتيجية الجديدة توسّع نطاق عمليات الاستهداف الجوي وأصبحت تشمل لأول مرة أهدافاً ومواقعَ تقع في المحيط القريب جداً، أو عند مداخل قواعد قوات التحالف الدولي، وأبرز هذه العمليات:
1- استهداف المندوب العسكري لحزب العُمال الانفصالي في دير الزور.
2- استهداف عضو المجلس العسكري لقسد شيروان حسن (روني ولات) في 5 ديسمبر؛ باستهداف سيارته عند مدخل قاعدة قوات التحالف الدولي في حقل العمر.
3-استهداف منشأة تصنيع عسكري تابعة لوحدات حماية الشعب YPG الارهابية ضِمن مباني إدارة حقل رميلان النفطي، الذي تتمركز فيه القيادتان المدنية والعسكرية لقوات التحالف الدولي، العسكرية والمدنية.
إنّ مثل هذا النوع من العمليات يستلزم غالباً تنسيقاً أو إشعاراً تركياً للجانب الأمريكي، لكنه أيضاً يعكس مستوى الرفض والاستياء التركي من الغطاء والحماية المباشِرة وغير المباشِرة التي يشكّلها وجود قواعد قوات التحالف في مناطق سيطرة قسد الانفصالية التي ينتشر فيها عناصر وقياديو حزب العمال الانفصالي التابعة له.
ثالثاً: إلى أين تتجه الضربات الجوية التركية في سورية؟
تؤكد تركيا بشكل مستمر على متابعة تنفيذ عملياتها العسكرية والأمنية ضدّ حزب العُمال الانفصالي في سورية والعراق على حدّ سواء.
فمن الواضح أنّ جميع المعطيات والظروف والمواقف الحالية تؤشر لعدم وجود مانع حقيقي لاستمرار هذه الضربات التي تستهدف الحزب الانفصالي والتنظيمات الارهابية التابعة له، مع استمرار وجوده ونشاطه العسكري والأمني ضد تركيا وتهديده لأمنها القومي، سواءً داخل أراضيها أم في المناطق الحدودية في الدول المجاورة لها خاصةً سورية والعراق؛ خاصةً أن تركيا تستند في هذه العمليات إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تضمن حق الدول الأعضاء فيها في الدفاع عن أنفسها بشكل منفرد أو جماعي ضدّ التهديدات التي تواجه الأمن والسلام العالمييْنِ.
من جانب آخر، تبقى طبيعة هذه العمليات وكثافتها وأهدافها واحتمالية تطوُّرها إلى عمليات برية مرتبطة غالباً باستمرار أنشطة حزب العمال الانفصالي ضدّ تركيا ومستوى التنسيق في هذه العمليات بين تركيا وكل من الولايات المتحدة وروسيا اللتين تتقاسم قواعدهما العسكرية الانتشار في مناطق سيطرة قسد الانفصالية في سورية، وبناءً على موقف روسيا والولايات المتحدة الذي يدعم -أو لا يعارض- حقّ تركيا في عملياتها الجويّة في سورية والعراق، مع التحفُّظ على تطوُّرها إلى عمليات بريّة تؤدي غالباً لتغيير خارطة السيطرة الحالية القائمة على التفاهمات الدولية الأخيرة وقد تضرّ أيضاً بعمليات مكافحة الإرهاب.
بجميع الأحوال إنّ استمرار العمليات العسكرية الجوية الحالية -ولو بمستواها الحالي-سيؤدي لتقليص الموارد الاقتصادية لحزب العُمال الانفصالي في سورية، ويقوّض إلى حدّ كبير أنشطته ومساعيه لتحويل مناطق سيطرة قسد الانفصالية إلى مساحة استثمار آمنة وقاعدة عمليات رئيسية له، كما سيرفع تكلفة الانتشار والارتباط العضوي بينه وبين التنظيمات الارهابية التابعة له في سورية، مما سيُشكِّل ضغطاً على مشروع الإدارة الذاتية وقسد الانفصاليتين كأطراف محلية مستضيفة لأنشطة الحزب الانفصالي وعناصره الارهابيين.
إنّ استمرار هذه الضربات وتوسُّعها لتشمل منشآت بنى تحتية يستغلّها الحزب سيؤدي لتراجُع الواقع الاقتصادي والخدمي والأمني في مناطق سيطرة قسد الانفصالية ، مما يهدد الاستقرار الذي تسعى قوات التحالف الدولي للحفاظ عليه في هذه المناطق، أي أنّ استمرار الضربات سيُشكِّل ضغطاً على مشروع الإدارة الذاتية الانفصالية وداعمها الدولي المتمثل بقوات التحالف أو الجانب الأمريكي الذي قد يضطر لاتخاذ خطوات جديّة لتنفيذ مطالب تركيا المتمثلة بطرد عناصر وقياديِّي حزب العمال الانفصالي من المناطق الحدودية في سورية عَبْر الضغط على قسد والإدارة الذاتية الانفصاليتين لفكّ ارتباطهما به، أو عَبْر تعزيز التنسيق مع تركيا لتنفيذ عمليات أمنية واسعة لطرد أو تحييد عناصر وقياديي الحزب الانفصالي في المناطق التي تنتشر فيها قواعد قوات التحالف الدولي.
الخلاصة
منذ بَدْء عملياتها عَبْر الاستهداف الجوي ضدّ حزب العُمال الانفصالي والتنظيمات الارهابية التابعة له في سورية تحافظ تركيا على استمرارية هذه العمليات وضمان فاعليتها وتطويرها، بناءً على تقديراتها الاستخباراتية والأمنية، كأداة رئيسية لا يمكن الاستغناء عنها في إطار ضمان أمنها القومي في مواجهة التهديدات التي تمثلها أنشطة الحزب الانفصالي في سورية، خاصةً مع عدم وجود قواعد عسكرية تركية ثابتة تُتيح لها التحرُّك أو المراقبة كما هو الحال شمال العراق.
وعليه يُتوقَّع استمرار العمليات الجوية التركية بما يتوافق مع متطلبات الأمن القومي التركي، وإنّ احتمال تحوُّلها إلى عمل برّي موسَّع داخل مناطق سيطرة قسد الانفصالية مرتبط بتطوُّر أنشطة حزب العُمال الانفصالي وعملياته ضدّ تركيا دون فكّ ارتباط قسد والإدارة الذاتية الانفصاليين به، وبطبيعة الحال فإنّ مثل هذا التطوُّر يحتاج إلى تنسيق مع الجانب الروسي أو الأمريكي لكون قواعدهما تُؤمِّنان بشكل مشترك الغطاء الجوي لمناطق سيطرة قسد الانفصالية.
طالع المزيد:
–