مخاطر القرن الأفريقي على الأمن القومي المصري (الجزء الرابع)
كتب: أشرف التهامي
القرن الأفريقي أو شبه الجزيرة الصومالية هي شبه جزيرة كبيرة ومنطقة جيوسياسية في شرق إفريقيا تقع في الجزء الشرقي من البر الأفريقي الرئيسي، وتعتبر رابع أكبر شبه جزيرة في العالم، وتتكون من إثيوبيا، وإريتريا، والصومال، وجيبوتي.
تشمل التعريفات الأوسع أيضًا أجزاءً من كينيا والسودان وجنوب السودان وأوغندا أو كلها، ويمكن أن يشمل مصطلح منطقة القرن الأكبر كل من بوروندي ورواندا وتنزانيا.
يقع القرن الأفريقي على طول الحدود الجنوبية للبحر الأحمر ويمتد مئات الكيلومترات داخل مضيق غواردافوي وخليج عدن والمحيط الهندي ويشترك في حدود بحرية مع شبه الجزيرة العربية في غرب آسيا.
الحوثيون – أنصار الله
حركة أنصار الله كانت تسمى بـ (حركة الشباب المؤمن) ، هي حركة سياسية إسلامية شيعية زيدية جارودية، مسلحة متحالفة مع إيران ضمن الصراع الإيراني السعودي بالوكالة، ظهرت في محافظة صعدة شمال اليمن في التسعينيات، وتتخذ منها مركزاً رئيسياً لها عرفت إعلامياً وسياسياً باسم الحوثيين نسبة إلى مؤسسها بدر الدين الحوثي الزعيم الديني للحركة.
تأسست الحركة عام 1992 نتيجة شعور أتباعها بأن الحكومة اليمنية تقوم بالتهميش والتمييز ضد الهاشميين، وعرف عن إنتماء قادة الحركة وأعضائها إلى المذهب الزيدي؛ حيث يعتقد الشيعة الزيدية أن الحاكم يجب أن يكون هاشميا من نسل أهل البيت، وتقاد الحركة من قبل شخصيات هاشمية زيدية كاريزماتية وتستلهم وجودها من التراث الهاشمي الزيدي اليماني، ولا تعتبر الحركة نفسها تحدياً للحكومة اليمنية ولا مظهر محلي من مظاهر الهلال الشيعي العابر للقوميات وقائد الحركة حالياً هو عبد الملك الحوثي ابن مؤسس الحركة بدر الدين الحوثي.
تشمل الأهداف المعلنة للحركة مكافحة التخلف الاقتصادي والتهميش السياسي للهاشميين في اليمن مع السعي إلى مزيد من الحكم الذاتي للمناطق ذات الأغلبية الحوثية في البلاد، حيث كان الأئمة الزيديين هم المسيطرين على حكم اليمن لمئات السنين حتى قيام ثورة 26 سبتمبر اليمنية عام 1962، والتي أنهت المملكة المتوكلية وتحولت إلى الجمهورية العربية اليمنية بدعم من مصر خلال حكم جمال عبد الناصر والقوميين العرب.
كما يزعمون أنهم يدعمون جمهورية غير طائفية أكثر ديمقراطية في اليمن، جعل الحوثيون محاربة الفساد محور برنامجهم السياسي.
تستقطب جماعة الحوثي أتباعها الشيعة الزيديين في اليمن من خلال الترويج للقضايا السياسية والدينية الإقليمية في وسائل إعلامها، بما في ذلك نظرية المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية الشاملة و “التواطؤ العربي”.
في عام 2003، أصبح شعار الحوثيين “الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام” العلامة المميزة للجماعة.
علاقة الحوثيين معقدة مع المسلمين السنة في اليمن
قامت الحركة بالتمييز ضد السنة لكنها جندتهم وتحالفت معهم. تحت قيادة حسين بدر الدين الحوثي، ظهرت الجماعة كمعارضة للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، الذي اتهموه بالفساد المالي الهائل وانتقدوا دعمه من السعودية والولايات المتحدة على حساب الشعب اليمني وسيادة اليمن.
مقاومة لأمر صالح باعتقاله قتل حسين بدر الدين الحوثي في صعدة عام 2004م مع عدد من حراسه من قِبَل الجيش اليمني، مما أشعل فتيل تمرد الحوثيين في اليمن منذ ذلك الحين باستثناء فترة قصيرة، قاد الحركة أخوه عبد الملك الحوثي. واشتد القتال في اغسطس عندما شن الجيش عملية الارض المحروقة.
ودخلت السعودية الصراع في نوفمبر 2008م عندما سيطر الحوثيون على بعض الأراضي على حدودها.
شارك الحوثيون في ثورة 2011 اليمنية من خلال المشاركة في احتجاجات الشوارع والتنسيق مع جماعات المعارضة الأخرى، وانضموا إلى مؤتمر الحوار الوطني في اليمن كجزء من مبادرة مجلس التعاون الخليجي للتوسط في السلام بعد الاضطرابات، ومع ذلك، رفض الحوثيون لاحقًا بنود اتفاق نوفمبر 2011 لدول مجلس التعاون الخليجي التي تنص على تشكيل ست مناطق اتحادية في اليمن، زاعمين أن الصفقة لم تُصلِح بشكل أساسي الحكم وأن الفدرالية المقترحة «قسمت اليمن إلى مناطق فقيرة وغنية”.
كما خشي الحوثيون من أن الصفقة كانت محاولة سافرة لإضعافهم من خلال تقسيم المناطق الواقعة تحت سيطرتهم بين مناطق منفصلة.
في أواخر عام 2014 أصلح الحوثيون علاقاتهم بالرئيس الأسبق علي عبد الله صالح، وبمساعدته سيطروا على العاصمة وجزء كبير من الشمال. وفقا للأمم المتحدة فقد أدت الحرب الأهلية اليمنية بين الحوثيين المدعومون من إيران والحكومة الشرعية المدعومة من السعودية ودول الخليج لمقتل أكثر من 377 ألف شخص بينهم عشرات الالاف من الأطفال بحلول عام 2021م، مما يجعل اليمن بها أسوا أزمة إنسانية في العالم.
صنفت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وماليزيا جماعة الحوثيين على أنها “منظمة إرهابية” وفي ديسمبر 2020 ذكر بعض المسؤولين الأمريكيين عزم الولايات المتحدة تصنيف الحوثي كمنظمة إرهابية وصُنِّفَ الحوثيين كمنظمة إرهابية في 11 يناير 2021 من قبل الولايات المتحدة الأمريكية على لسان وزير خارجيتها مايك بومبيو ولقي ذلك ترحيب واسع من قبل دول التحالف بقيادة السعودية والحكومة الشرعية المعترف بها دولياً.
في 16 فبراير 2024 أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، دخول العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على الحوثيين حيز التنفيذ، وذلك رداً على الهجمات التي شنتها الجماعة ضد سفن تجارية في البحر الأحمر وأدّت إلى التعطيل الجزئي لحركة التجارة البحرية في ظل أحداث عملية طوفان الأقصى مناصرة للشعب الفلسطيني.
الأسس الفكرية
شعار خطي تستخدمه أنصار الله مع نص قرآني: “يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله”.لا ينكر الحوثيين هدفهم الرئيسي باعادة إحياء الإمامة / الخلافة في اليمن ويرون جواز ان يكون رئيس / حاكم الدولة ليس هاشمي لكن الإمام / الخليفة يجب ان يكون هاشمي حسب معتقدهم. فجميع أعمالهم مستمدة من تاريخ الأئمة الرسيين الهاشميين الذين حكموا اليمن ألف سنة.
الهيكل التنظيمي
ينقسم الحوثيين إلى قسمين المقاتلين والمدنيين مؤيدي فكر الحوثي. ويقدر عدد أفراد مليشيا جماعة الحوثي بنحو نصف مليون فرد وتعتبر أكبر مليشيا مسلحة في اليمن وشبة الجزيرة العربية كلها وصعدة هي معقلهم الرئيسي لكنهم تمددوا إلى عمران ثم صنعاء.
الحوثيون ليسوا منظمة بل هم جسم وجد منذ الحرب الأولى في صعدة ككيان غير متجانس لهم مصالحهم الخاصة وموحدين تحت شعار بمعان مختلفة لأعضاء مختلفين.
فكرة وجود تنظيم هرمي بجدول واضح لترتيب وتنظيم المعركة لا تنطبق على الحوثيين.
وفقا لوثائق ويكيليكس، لا يوجد دليل أن المقاتلين يقادون من وحدة قيادة مركزية أو يحملون آيدولوجية واضحة ومشروع سياسي.
الحوثيين ليسوا كحزب الله ولا حزب العمال الكردستاني ولا الجيش الجمهوري الآيرلندي.
يُشار إلى الجماعة من قبل الكثيرين بتسمية «الحوثيين» أو الحركة الحوثية أو العناصر الحوثية أو «الشباب المؤمن» وأخيراً «أنصار الله» قبل أن يتخذوا اسم أنصار الله كانوا يشيرون لأنفسهم بـ”أنصار الحق “و«الحسينيين» و«المجاهدين» و«جند الله»، كل هذه التسميات تساعد في صعوبة إعتبار الحوثيين منظمة بجهاز قيادة مسيطر ومتماسك.
سبع سنوات من القتال في صعدة ساعدت في ولادة ذكريات مشتركة وطقوس وفعاليات تحافظ على روح التضامن الجماعي، كما تشير عدة تقارير دولية فإن عدد المسلحين الحوثيون كان يزداد عقب كل حرب تشنها الحكومة اليمنية.
الحوثيون لم يخوضوا معاركهم منذ عام 2004 بخطة قتال وهيكل تنظيمي يمكن تحليله باستخدام تعابير ومصطلحات عسكرية تقليدية. لم يحددوا لأنفسهم اسماً وهو أنصار الله إلى عام 2012، وكان عليهم تحديد ماهو هذا الذي يريدون تحقيقه عوضا عن الحديث عن مايعارضونه من البداية، حتى يُمكن وصفهم بالمنظمة.
مصادر أسلحتهم
يتوفر السلاح بكثافة في شمال اليمن خاصة بين القبائل وسكان الجبال والصحاري والارياف إذ لا يوجد بيت وإلا فيه سلاح، وتمتلك القبائل مضادات طيران وأسلحة ثقيلة وخفيفة ويباع كافة أنواع السلاح في المحال التجارية إذ لا يوجد صعوبة في الحصول على الأسلحة، أما سكان المدن مثل صنعاء فقد أصدرت قوانين للحد من التجول بالسلاح في صنعاء.
هناك ثلاث مصادر رئيسية لأسلحة الحوثيين:
1- تجار السلاح.
2-الحلفاء القبليون.
3- الجيش اليمني نفسه.
الحوثيون كمجاهدين
ركزت معظم الدعاية الحوثية على إظهار المسلحين كمجاهدين قادرين على توجيه ضربات مذهلة بتخطيط مسبق ضد أعدائهم.
تصوير هكذا لقدرات الحوثيين العسكرية يخالف تصريحات قيادات الحركة، وهو مايعني إدراكهم لإختلاف وتنوع الجمهور ومايريد مشاهدته.
تهدف هذه المواد لتصوير الحوثيون كمنظمة شبه عسكرية قادرة على تنفيذ عمليات نوعية وإستهداف مسؤولين كبار في الحكومة.
يتعمد المقاتلون وضع شعارهم على المركبات والمعدات التي يستولون عليها وهم بذلك يرسلون عدة رسائل، أن لديهم القدرة على مهاجمة وحدات بجهازية عالية وإتقانهم استخدام المعدات والآلات العسكرية المختلفة، أن بإمكانهم التجول والتحرك بسهولة وحرية تامة، وأخيرا بإستطاعتهم تدمير أجهزة الجيش الثقيلة. وأعمالهم «المذهلة» هي من «بشائر النصر» على أميركا وإسرائيل.
أمر آخر هو التقليد والمحاكاة الواضحة لأسلوب حزب الله اللبناني في الأناشيد الدينية، هناك الزامل القبلي وهو مختلف، والموشحات اليمنية كذلك ولكن الموشح اليمني لا يناسب الرسائل الجهادية التي يريدون إرسالها. الحوثيون لا يخفون إعجابهم بحزب الله ـ كما يفعل كثيرون في المنطقة العربية ـ ومثل هذه الأناشيد المستوحاة من أناشيد الحزب اللبناني تعطي الحوثيين شرعية روحية ودينية لبعض المقاتلين بإطار جهادي، هذه المواد توزع على نطاق محدود في مناطق النزاع وجبهات القتال تحديدا وهو مايوحي برغبة في التواصل مع جماهير من خلفيات وأذواق مختلفة.
بما أن الحوثيين «مجاهدين» فلا بد أن يكون قتلاهم شهداء، وحسين بدر الدين الحوثي هو أكثر شهدائهم إحتفائا وإحتفالاً. ينشر الحوثيون أسماء القتلى وصورهم ويعرضونها يوميا على قناة المسيرة. بالإضافة لإحيائهم فعالية «أسبوع الشهيد» في كل سنة لتذكر مآثر القتلى وتخليد ذكراهم.
وكلما استمر القتال ستستمر فعاليات إحياء الذكرى، وهو مايساعد الحوثيين على النمو أكثر فأكثر إلى منظمة متماسكة، وتكمن خطورة ذلك في تطور «ثقافة الشهيد» عندهم وهو ماقد يجرهم لتبني عمليات وأساليب قتال لم ينجروا إليها سابقا مثل العمليات الإنتحارية.
شعار الصرخة
شعار الصرخة (الله أكبر، الموت لأمريكا…) مع تحريك اليد نزولا وصعودا هو شعار يذكرة اتباع الحوثي بشكل جماعي في كل مناسبة، وهو تقليد لشعار الخميني “الموت لأميركا” (مرك بر آمریكا) مع تحريك اليد نزولا وصعودا.
التضامن مع المقاومة الفلسطينية في غزة
ردا على الحرب الإسرائيلية في غزة، تعهدت جماعة الحوثيين بمنع السفن التابعة لأيّ دولةٍ من التوجه إلى إسرائيل. حتى توقف هذه الأخيرة هجومها على غزة. مما أدى إلى إعلان عدة شركات شحن عن تغيير مسار سفنها لتجنب المرور عبر مضيق باب المندب والعبور من قناة السويس لتوفير الوقت وتكلفة التشغيل واضطرت للمرور عبر مضيق رأس الرجاء الصالح والدوران حول القارة الأفريقية.
ودعا وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، عشرات الدول إلى اتخاذ خطوات للتصدي لهجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر.
وفي 19 ديسمبر 2023 أعلن وزير الدفاع الأميركي إطلاق تحالف “حارس الازدهار”، وهو قوة حماية بحرية متعددة الجنسيات، ويتكون من عشرة بلدان من بينها دولة عربية واحدة هي البحرين.
أزمه البحر الأحمر. تهديدات الملاحة تكبد اقتصاد مصر خسائر
قدر تقرير حديث، في نهاية شهر فبراير، أن تخسر مصر نحو 508 مليون دولار من إيرادات قناة السويس بسبب التهديدات المستمرة لحركة الملاحة في البحر الأحمر من قبل الحوثيين في اليمن.
وفي مذكرة بحثية حديثة، رجحت وكالة “بلومبيرج إنتليجنس”، أن تتراجع إيرادات قناة السويس المصرية بنسبة 44% خلال شهر يناير الماضي، على أساس سنوي، وذلك بسبب تهديد حركة الملاحة في منطقة البحر الأحمر ومضيق باب المندب، حيث قامت أكبر شركات الشحن في العالم بتحول مسار سفنها إلى طريق رأس الرجاء الصالح، لتجنب هجمات الحوثيين.
تراجع إيرادات قناة السويس 46% في يناير بسبب أزمة البحر الأحمر
في الوقت نفسه، تعتقد شركة الشحن العالمية “ميرسك”، أن تحويل مسار سفنها بعيدا عن مضيق باب المندب يمكن أن يستمر حتى النصف الثاني من العام الحالي، مؤكدة أنه ينبغي على العملاء أن يضعوا في حسبانهم “دمج وقت الرحلات الأطول في سلاسل التوريد الخاصة بهم”.
وبعد تعليق جميع عملياتها في البحر الأحمر بداية من 26 يناير الماضي، زادت الشركة من القدرة الاستيعابية لسفنها، للتعويض عن زيادة الوقت المقدر للوصول بعد أن قررت التوجه في المسار الأبعد حول القارة الأفريقية.
وفي بيان حديث، توقعت “ميرسك”، استمرار التوترات في البحر الأحمر، حتى النصف الثاني من العام الحالي.
وقال الرئيس الإقليمي لشركة ميرسك أمريكا الشمالية، تشارلز فان دير ستين، إنه “لسوء الحظ، لا نرى أي تغيير في البحر الأحمر يحدث في أي وقت قريب، إذ قد يستمر عبور السفن من الطرق الأطول إلى الربع الثاني وربما الربع الثالث من 2024”.
وأضاف: “سيحتاج العملاء إلى التأكد من حصولهم على وقت عبور إجمالي أطول مدمج في سلسلة التوريد الخاصة بهم”.
هجوم متواصل من الحوثيين
فيما تعتبر شركة شحن السلع ستار بالك كاريرز المدرجة في بورصة الولايات المتحدة، أحدث شركات الشحن التي تعلق عمليات النقل في البحر الأحمر كافة، بعد تعرض اثنتين من سفنها لهجوم من قبل الحوثيين.
وفي القاهرة، التقى رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع، الرئيس التنفيذي لمجموعة “إم إس سي”، سورين توفت، لبحث تطورات الأوضاع في منطقة البحر الأحمر وباب المندب، ومراجعة سياسات إبحار الخط الملاحي “إم إس سي” في قناة السويس.
وخلال اللقاء، أكد رئيس هيئة قناة السويس، الحرص على التشاور المستمر مع عملائها والتنسيق المباشر للوقوف على آليات عمل مشتركة يمكن معها تقليل تأثيرات الأزمة الراهنة التي تفرض مزيدًا من التحديات على حركة التجارة العابرة للقناة وسلاسل الإمداد العالمية.
سياسات الإبحار في قناة السويس
وأوضح أن التعاون الثنائي بين هيئة قناة السويس والخط الملاحي “إم إس سي” يعد نموذجًا ناجحًا للعلاقات الاستراتيجية الممتدة، معربًا عن تفهمه للمخاوف الأمنية لدى المجموعة التي تؤثر على سياسات الإبحار في قناة السويس، وأبدى استعداده الدائم للتعاون وتلبية متطلبات المرحلة الراهنة التي تشهد العديد من التحديات.
فيما أكد الرئيس التنفيذي لمجموعة “إم إس سي”، استعداد المجموعة للعودة مرة أخرى للعبور من قناة السويس فور استقرار الأوضاع الأمنية في منطقة البحر الأحمر وباب المندب.
وقال إن الوضع الراهن في منطقة البحر الأحمر أصبح معقدًا للغاية ويفرض مزيدًا من المخاوف الأمنية حول سلامة الطواقم والبحارة والسفن العابرة في ظل تعرض بعض السفن التابعة للمجموعة لبعض الهجمات خلال عبورها من باب المندب.
لماذا ترفض مصر التورط في ضرب الحوثيين؟
ألقت الحرب في غزة بظلالها على مصر في الوقت الذي يشهد فيه البلد المحوري وضعا اقتصادياً صعباً للغاية لأسباب أبرزها نقص العملات الصعبة والتضخم المتسارع والتراجع في قيمة الجنيه المصري. ويصاحب ذلك موجة غلاء لم تحدث منذ عقود، ما يثير مخاوف من انفجار الأوضاع.
ومنذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر، ظهرت مصر كأحد اللاعبين الرئيسيين، حيث لعبت القاهرة دور الوسيط في اتفاقيات تبادل الأسرى والرهائن بين إسرائيل وحماس.
ويرى خبراء أن رفض مصر المشاركة في ضرب الحوثيين يرجع في أحد أسبابه لحفاظ مصر على دورها كوسيط في الأزمات، حيث أكدت مصر عدة مرات أن جيشها لا يُشارك في أي أنشطة عسكرية خارج حدوده تحت أي سبب أو أي ذريعة.
ويتذكر المصريون وقع أيام ثقيلة للغاية حين تدخل الجيش المصري في حرب اليمن ومُني بخسائر فادحة مادية واقتصادية ما جعله يُحجم – منذ عقود وإلى الآن – عن المشاركة في أي عمليات خارج الحدود.
ويقول اللواء أركان حرب فؤاد فيود الخبير العسكري والاستراتيجي من القاهرة إنه “رغم تضرر مصر اقتصادياً من التوتر الحادث في جنوب البحر الأحمر وتراجع الدخل من قناة السويس فإنها رفضت دعوات غربية للمشاركة في تحالف يستهدف ضرب قواعد لأنصار الله الحوثي في اليمن”.
كما أشار إلى اعتقاده أن هناك “جهات تُريد الدفع بمصر للتورط في الدخول إلى مستنقع الحرب بذريعة تضرر قناة السويس، وبدلاً من أن تخسر مصر بعض الدخل الأجنبي الوارد من مرور السفن، فقد يؤدي الدخول في حرب إلى دمار الاقتصاد المصري وفقدان أضعاف هذا المبلغ”.
وأكد الخبير العسكري أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي “حذر من التعدي على مصر بأي شكل أو محاولة دفع أي أحد لاقتحام حدودها وتصدير المشكلات إليها.. هذا لن يحدث”.
وقال إن مشاركة الجيش المصري في معركة خارج الحدود كانت لتحرير الكويت من الغزو العراقي، وأكد أن مصر لن تستجيب لمحاولات الزج بها في حرب بهدف تخفيف الضغوط على جهات أخرى.
رغم خسائر قناة السويس .. 7 أسباب لعدم مشاركة مصر في مواجهة الحوثي
قناة السويس أحد أهم مصادر النقد الأجنبي لمصر، ففي العام الماضي، وصل الدخل المصري السنوي من قناة السويس إلى مستوى قياسي بلغ 9.4 مليار دولار.
وأعلن عدد من شركات الشحن الكبرى، وهي:
CMA CGM، وHapag-Lloyd، وMaersk، وMSC، وZim، وBP
تغيير مسارات إبحارها، وأنها لن تمر في البحر الأحمر، عبر قناة السويس، وأدى هذا القرار الاحترازي لعمالقة الشحن إلى التسبب في زيادة أسعار المنتجات وتأخير سلاسل التوريد العالمية. وإن كان التأثير لايزال ضئيلا حتى كتابة هذه السطور، ولكن مع مرور الوقت، من المتوقع أن نشهد زيادة أكبر في الأسعار.
ولتقريب الصورة يمكننا ضرب هذا المثال، إذا كانت التكلفة اليومية لإبحار سفينة تجارية متوسطة من 60 إلى 70 ألف دولار يومياً. ستؤدي زيادة مدة الإبحار، التي يتم تمديدها لأكثر من أسبوعين، إلى زيادة تزيد عن مليون دولار، وهو مايضاعف تكلفة النقل، ويؤثر بالضرورة على أسعار السلع.
وبرغم تلك الخسائر الفادحة، فلماذا ترفض القاهرة الانخراط في أي أعمال عدائية لمواجهة الحوثي دفاعا عن أهم مصادر دخلها القومي، وشريانها النابض بالحياة قناة السويس؟
أولا: القيادة المتمثلة في شخص الرئيس عبد الفتاح السيسي والذي يفضل الدبلوماسية في التعامل مع كافة الملفات حتى أكثرها حساسية وخطورة، فالرجل لم يذهب إلى الحرب في التعامل مع أثيوبيا في ملف سد النهضة والذي يهدد بناءه مستقبل مصر لن يدخل في حرب في اليمن من أجل ايرادات قناة السويس.
ثانيا: الجبهة الداخلية المصرية تعاني من مشاكل اقتصادية كبيرة ويؤدي قرار الحرب إلى تهديد مصالح مصر ومزيد من الخسائر وعدم الاستقرار، لان القرار بخوضها لن يحظى باجماع شعبي بعكس الاجماع بشأن اتخاذ خطوات رادعة للحفاظ على حصة مصر في حالة التعامل مع ملف سد النهضة.
ثالثا: إدراك مصر أن الهدف المعلن للحرب من جانب الولايات المتحدة وحلفاءها وهو اعادة الهدوء الى المياه الدولية والقضاءعلى التهديدات وعدم تهديد أمن إسرائيل، لن يتحقق وفق الرؤية المصرية بخوض الحرب ضد الحوثيين، بل بإزالة أسباب هذه التوترات وهي الحرب الدائرة في غزة والتي تؤدي باستمرارها لاتساع دائرة الصراع بشكل يهدد استقرار المنطقة والعالم.
رابعا: تاريخيا، تجربة الهزيمة المصرية في حرب اليمن عندما أرسل الرئيس جمال عبد الناصر 70 ألف جندي للتدخل كطرف في حربها الأهلية (1962 – 1970) جرت معارك الحرب الضارية في المدن والأماكن الريفية، كانت تجربة أليمة يشير المؤرخون العسكريون المصريون إلىها باعتبارها “فيتنام مصر” في إشارة إلى تشابه وضع مصر فيها مع أمريكا في حرب فيتنام، هذه الخسارة التي ألأقت بظلالها على الجيش المصري ليخسر أمام إسرائيل في حرب 1967 وهي ماعرفت بالنكسة.
خامسا: في الوقت الحاضر لاتزال تجربة التحالف العربي بقيادة السعودية في حربه في اليمن، حاضرة بشخوصها ومعالمها أمام كل ذي بصيرة، فقد شارك مع السعودية طائرات مقاتله من مصر والمغرب والأردن والسودان والإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين، كما فتحت الصومال مجالها الجوي والمياه الإقليمية والقواعد العسكرية للتحالف العربي وقدمت الولايات المتحدة الدعم اللوجستي للعمليات.
ورغم كل ذلك وبعد خسارة الجنود والعتاد والانفاق العسكري الذي تجاوز مليارات الدولارات أيقنت هذه الدول أنه لامفر من الدبلوماسية وخرجت من هذا الصراع، وأدركوا أنها حرب لا منتصر فيها، وكل من يدخلها خاسر.
سادسا: الموقف العربي من التحالف الجديد لمحاربة الحوثيين يبدو وكأنه موحدا، حيث رفضت كافة الدول العربية المشاركة فيه فيما عدا البحرين، والذي اعتبر المراقبون مشاركتها بمثابة تمثيل عربي لعدم اغضاب الولايات المتحدة الأمريكية، لكنه حمل في طياته إجابة واضحة بأن العرب لن يدخلوا حربا بالوكالة عن أحد خاصة والولايات المتحدة الأمريكية أعلنت دعمها الكامل لإسرائيل في حربها على غزة، وستصبح المشاركة في هذا الحلف بمثابة الجنوح الى صف أسرائيل وسيواجه بغضب شعبي واسع.
سابعا: طمأنة إيرانية، حيث بعث الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي برسائل طمأنة إلى نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، بعدم تأثر قناة السويس، بسبب تصعيد الحوثيين في اليمن هجماتهم على السفن الإسرائيلية، أو تلك المتجهة إلى إسرائيل، خلال الفترة الأخيرة في البحر الأحمر وفق ماذكرته مصادر دبلوماسية مصرية.
ورغم تلك الاسباب إلا أن الحوثيين ماضيين في عملياتهم الهجومية في البحر الأحمر، وبحسب تقارير استخبارية غربية مفادها أن الحوثيون يتلقون الدعم من إيران. حيث نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” في نهاية ديسمبر 2023، أن سفينة تجسس إيرانية، تبحر في البحر الأحمر، وكأنها سفينة تجارية، تساعد الحوثيين في اكتشاف الأهداف البحرية وتحديد الأهداف التي سيتم مهاجمتها.
وبحسب الصحيفة، فإن العديد من السفن المبحرة في البحر الأحمر وفي منطقة باب المندب، تقوم بإيقاف أنظمة الكشف الآلي الخاصة بها حتى لا يتم اكتشافها من قبل الحوثيين.