عادات المصري القديم.. حكاية تراثية لن تنتهي
كتب: إسلام فليفل
آمن المصريون بالكثير من المُعتقدات والأفكار التي ظنوا أنها طريقتهم إلى جنة الخلد، وسواء كانت هذه المعتقدات حقيقية أو خيالا، فلا يجب أن نُنكر تأثيرها على ثقافة شعب عمره تجاوز متوسط عمر الحضارات، وهناك الكثير من المُعتقدات التي ميزت الشعب المصري عن باقي الشعوب، وجعلت منه حالة خاصة، فمُن بداية التكوين وحتى هذه اللحظة يمكن أن نقول إن هذه المعتقدات ساعدت على الربط بين الأزمنة وتكوين امتداد لمن سبقنا من أناس عاشوا قبلنا في نفس المكان.
اقرأ أيضا.. محمود حسن.. أول موديل من مرضى البهاق فى مصر
اللافت للنظر أن هناك معتقدات وأفعالا، مارسها قدماء المصريين، وما زالت تمارس حتى يومنا هذا ولم تتغير بتغير العصور والأزمنة، ومنها:
جلب الطعام إلى المقابر قديمًا
لقد تغير مفهوم الحياة بعد الموت في عصور مختلفة من تاريخ مصر، وعندما يتعلق الأمر بالموتى فالعديد من الحضارات القديمة حرصت على أن تكون مهيأة للرحلة، وبالنسبة إلى المصريين فبلادهم كانت المكان الأكثر مثالية الذي خلق من قبل الآلهة للسعادة الإنسانية، وبالتالي فإن الحياة ما بعد الموت كانت صورة طبق الأصل للحياة التي عاشها الإنسان على الأرض بكل تفاصيلها، وكان الفارق الوحيد هو غياب كل ماهو غير سار أو حزين، وتتحدث أحد النقوش عن الآخرة وعن قدرة النفس على الجلوس تحت شجرة الجميز المفضلة، وتظهر أخرى الأزواج والزوجات يجتمعون ثانية في الفردوس ويفعلون كل مافعلوه على الأرض مثل حرث الحقول، حصاد الحبوب والأكل والشرب.
وفي نقاش مع د. إسلام عاصم، نقيب المرشدين السياحيين السابق، قال إن المصري كان يقضي السنوات في إعداد قبر يحتوي على كل ما قد يحتاجه في الحياة الأخرى، بما في ذلك الطعام المحفوظ إلى الأبد.
وأضاف: وجدت داخل القبور أطعمة كثيرة مثل اللحم والبذور والخبز والأسماك والحساء والفواكه والفطائر والعسل والبوظة التي لا تزال تصنع في الأقصر ومختلف المدن في مصر.
وكما الحال في الحضارة السابقة، اعتقد الناس في العصر اليوناني الروماني في أفكار متنوعة عن الموت، ويعتبر هذا العصر هو العصر الذي تلا الفراعنة، وتميز بأنه جمع بين ثلاثة ثقافات مكونة مزيجًا بين العقائد، ولم تختلف فكرة الموت عن ذي قبل، كما ان المصري لم يتخل عن الطريقة التي قدس بها الموت، وأكبر دليل على ذلك غرفة الموائد بالمقابر اليونانية والرومانية التي أشار إليها د.إسلام عاصم بأنها كانت عبارة عن غرفة، تضم موائد منخفضة المستوى يتناول فيها أسرة المتوفى الطعام أثناء زيارتهم للمقبرة في مناسبة تسمى بعيد الموتى، لافتًا إلى أن تلك الغرفة متواجدة في مقبرة كوم الشقافة في الإسكندرية.
الآن: اختلفت الدوافع، لكن لم يبتعد الأمر كثيرًا عما يفعله أجدادنا، فقد ورث المصري عن أجداده عادة زيارة المقابر وجلب الأطعمة وتقديمها هناك، لكن بشكل يختلف باختلاف العقيدة والأسباب.
وتوصف هذه العادة بجملة “رحمة ونور”، وتكون زيارات المقابر أغلبها في يومي الخميس والجمعة من كل أسبوع اعتقادًا بأن روح المتوفى تكون حاضرة في هذه الأيام، بالإضافة إلى أول يوم لعيد الفطر وعيد الأضحى وبعض المناسبات الدينية الأخرى، فقبل الزيارة بيوم واحد يقوم الزائر بصنع القرص والشريك وتوزيعها على الكبار والصغار، بجانب توزيع البرتقال والبلح والجوافة بالتحديد على المتواجدين في المقابر، أما في عيد الأضحى فيقوم البعض بتوزيع اللحوم على الفقراء كصدقة على روح المتوفى، وأشارت إحدى السيدات أثناء زيارتها إلى أن اللحم يصل إلى المتوفى على “طبق من فضة” على حد تعبيرها، وآخر قال إنه يرش الماء على القبر عند زيارته لأنه يعتقد ان المتوفى يعطش والماء يرويه، فهذه العادات تمر مُنذ سنوات، وبالنسبة إلى البعض فيجب الحرص على الزيارة إرضاءً لتلك الروح.
القرابين والنذور قديما
بالنسبة إلى المصرى القديم كانت المعابد تُمثل الإله على الأرض ويكون وسيطه في عالم الإحياء هو الملك، وتشير النقوش إلى أن القرابين هي شكل من الأشكال، كان تقديم الطعام والشراب أو الملبس من العبد إلى الإله كواسطة لطلب الصحة أو الرزق أو الأبناء، وتتم عن طريق الكاهن الذي كان يعتبره المصري وسيطًا للإله الأعلى.
الآن: على الرغم من مرور آلاف السنين على عادة تقديم القرابين للتقرب من الإله، مع التنوع الثقافي والعقائدي الذي مرت به مع اختلاف العصور، مازال المصريون يبحثون عن التقرب من الرب من خلال وسائط بشرية.
وعندما نتحدث عن القرابين في العالم القديم يجب أن نذكر النذور في العالم الحديث، ومثلا يقول أحدهم إنه إذا نجح ابني سأذبح عجلا لأم هشام، أو إذا أنجبت ولدًا سأوزع الخبز واللحم، ومثال آخر على ذلك “صندوق النذور”، وهو عبارة عن صندوق يضع فيه الناس نقودًا تقربًا إلى الصالحين، والذي قد يصل دخله إلى 20 مليون جنيه شهريا حسب ما أعلنته وزارة الأوقاف، وعند التحدث مع إحدى زائرات المقامات والأضرحة اتضح أنها ترى أنه بهذا الشكل تقترب من الله وتخلق صلة بينها وبينه.
وعلى الرغم من اختلاف الأزمنة والعقائد التي مرت على تاريخ مصر، يظل المصري القديم حاضرا داخل المصري الحالي، فهو البذرة التي نَما من خلالها شعب يمتلك شخصية فريدة، له ماض وحاضر ومستقبل، فالمصري حكاية لن تنتهي، ومع اختبار الزمن يثبت أجدادنا دائمًا أنهم تركوا لنا إرثًا باستطاعته أن يكون خيطًا ممتدا يربطنا بهم بشكل مباشر.
تلقين المتوفى قديما
من الممارسات التي حرص عليها قدماء المصريين وظلت حتى هذا الوقت هي فكرة تلقين المتوفى قراءة التراتيل أو الآيات القرآنية التي تكون مرشدًا له في حياته الجديدة.
اعتقد المصري قديما أنه من خلال قراءة التراتيل الموجودة في كتاب الخروج إلى النهار، واعتقد المصري أن يجتاز عقبات الحساب من خلال قراءتها على يد كاهن، وكانت تقرأ هذه النصوص للمتوفى حديثًا وتكتب خصيصًا له في حياته على يد الكاهن.
الآن: وإذا ما نظرنا إلى وقتنا الحالي سنجد أن تلك الممارسات مازالت موجودة، رغم اختلاف الديانات والمعتقدات حيث يستخدمون الآن ما يسمى بالعتاقة من النار، وتتم عن طريق جلب قارئ إلى المقبرة ليتلو بعض الآيات على روح الميت اعتقادا بأنه سوف يُعتق من النار وأن رحلته إلى العالم الآخر ستكون أكثر سلاسة.