داخل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.. نرصد اجتماعات حكومة المطبخ ( الجزء الأول)
كتب: أشرف التهامي
تتربع الاستخبارات العسكرية “أمان” على قمة ثالوث الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية، الذي يضم أيضا “الموساد” والشاباك”.
ونجد أن “أمان” كجهاز استخباراتي في حالة تغير دائمة، بهدف مواكبة التهديدات السيبرانية، والتقنيات التكنولوجية الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي، فلا يتوقف دور الاستخبارات في إسرائيل عند توفير المعلومات وتحليلها والاستنتاج، بل يتخطاها إلى تقديم توصيات للعمل وتشكيل الأحداث.
والتقرير التالى يكشف المزيد عن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية الثلاثة، عملها والصراع بينها.
التقرير
“أمان” المهام والهيكل التنظيمي
يتبع جهاز الاستخبارات العسكرية “أمان” تنظيمياً وإدارياً، رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، وتعد موازنته المالية جزءاً أساسياً من موازنة الجيش، ويترأسه الجنرال أهارون حاليفا، ومن أبرز مهامه:
1- جمع المعلومات الاستخباراتية بواسطة العملاء.
2– تقديم التقييمات الاستخباراتية حول الوضع والخطط العملياتية، وخطط العمل للجيش الاسرائيلي المصادق عليها من قبل رئيس هيئة الأركان.
3– تزويد الملحقين العسكريين الإسرائيليين في السفارات بالمعلومات المتعلقة بعملهم.
4– إبلاغ رئيس الوزراء ومجلس الوزراء، بجميع التهديدات المحتملة من الإرهابيين والدول المعادية، عبر تقرير سنوي يتضمن معلومات.
يعمل في “أمان” أكثر من (7) آلاف شخص، وتنقسم إلى (3) وحدات رئيسية:
1- وحدة (8200).
2- وحدة (9900) .
3- وحدة (504).
وتعد وحدة (8200) أكبر الوحدات الرئيسية، فهي مسؤولة عن جمع المعلومات الرئيسية في الاستخبارات العسكرية، ويتولى الجنود فيها:
1- مسؤولية تطوير واستخدام أدوات جمع المعلومات.
2- تحليل ومعالجة وتبادل المعلومات المجمعة مع المسؤولين.
وتعمل في جميع المناطق ووقت الحرب، والمقر الميداني القتالي من أجل ضمان تدفق أسرع للمعلومات، وتلعب دوراً رئيسياً في الحرب الإلكترونية، كونها مكلفة بجمع معلومات الإشارة” SIGINT” وفك التشفير، وبحسب الباحث في المعهد الملكي في بريطانيا بيتر روبرتس، فإن الوحدة “8200” هي على الأرجح وكالة الاستخبارات التقنية الأولى في العالم، وتقف على قدم المساواة مع وكالة الأمن القومي الأمريكي في كل شيء باستثناء الحجم.
التطور المؤسسي لـ “أمان” في السياق السياسي والعسكري الإسرائيلي
تأثير ودور “أمان” ينبع بشكل رئيسي من قرار ديفيد بن غوريون (أول رئيس وزراء لإسرائيل) عقب حرب 1948، بفصل المسائل الأمنية عن الحياة السياسية، مما جعل عملية صنع القرار الأمني منفصلة عن الحكومة.
وأصبح دور المؤسسات الاستخباراتية مرتبطاً برئيس الحكومة ومنفصلاً في نفس الوقت عن المؤسسات السياسية.
وأصبحت “أمان” جهازاً مستقلاً عن الجيش الإسرائيلي في 1954.
وكان تأثير “أمان” الرئيسي خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، يأتي من “حكومة المطبخ” في تعبير للمداولات غير الرسمية التي كانت تُجرى في “مطبخ” منزل رئيسة الوزراء السابقة جولدا مائير ويحضرها عدد قليل من الحكومة ومدير “أمان” ورئيس “الموساد” ورئيس الأركان.
“حكومة المطبخ”
هذه الاجتماعات غير الرسمية والمحدودة والتي تستمر حتى اللحظة مازال يطلق عليها في إسرائيل “حكومة المطبخ”، وهي اجتماعات تضم عدد من وزراء الحكومة الأمنية اليوم وتدرس التقارير المختلفة لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.
وعكست هذه الاجتماعات اليد العليا لـ “أمان” على القرار الأمني والعسكري، بفضل ما تمتلكه من موارد غير محدودة مقارنة بالأجهزة الأخرى أو وزراء المجموعة الأمنية.
هيمنة “أمان” على الاستخبارات الإسرائيلية
واستمرت هيمنة “أمان” على الاستخبارات الإسرائيلية دون منازع، رغم محاولات في عامي 2002 و2008 لتعزيز دور مجلس الأمن القومي، ليصبح هيئة متكاملة الأركان ومستقل له الحق في المشاركة في عمليات التقييم الأمنية والعسكرية، وتقديم تقارير وتوصيات لرئيس الحكومة، ولكن هذه المحاولات لم تحول دون استمرار قوة “أمان”.
الصراع بين ” أمان” و” الموساد” و” الشاباك”
قوة “أمان” داخل المنظومة الأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية، ترتبط بتبني المؤسس للجهاز “يهوشافاط هركابي” الهيكل التنظيمي الفرنسي “شبه المستقل” في تطويره خلال الخمسينيات، وقدرته على الفصل بين الجيش الإسرائيلي و” أمان”، رغم أن الاستخبارات العسكرية تتبع مباشرة رئيس هيئة الأركان.
ويلاحظ أن تطور الهيكل التنظيمي ودور “أمان” ارتبط بصراع مع “الموساد”، وحدث خلاف عنيف بين المؤسستين بشأن العمليات خارج الحدود، والذي حُسم في الخمسينيات لصالح توسيع دور وقدرات “أمان” خارج الحدود.
وحدة “محامي الشيطان”
وامتد دور “أمان” خلال العقود الماضية ليشمل مجموعة واسعة من المجالات، بما فيها الجوانب السياسية والاقتصادية، والاجتماعية والثقافية والدينية.
ومن أبرز محطات الصراع بين “أمان” و” الموساد” كانت حرب 6 أكتوبر 1973، حيث قلل “أمان” من احتمالية الحرب، وفسرها على أنها مجرد استعراض للقوة أو مناورات واسعة النطاق لأسباب سياسية.
وعقب الحرب طور “أمان” وحدة داخله باسم “محامي الشيطان” للحيلولة دون تسرب معلومات مهمة من عمليات اتخاذ القرار. وظهرت قضية مماثلة خلال حرب عام 2006 ضد لبنان، وتوقعت التقارير الاستخباراتية الأولية الصادرة عن أمان بحسم الصراع سريعاً وهو ما لم يكن واقعياً.
ومن الأدوار الحاسمة لـ ” أمان” وجود عناصرها من ضباط المخابرات في الإطار العملياتي لهيئة الأركان العامة للاسباب الآتية:
1- تسهيل تبادل المعلومات السرية مباشرة مع القادة والوحدات القتالية.
2- تحسين الفعالية القتالية للجيش بشكل كبير لضمان اتخاذ قرارات أكثر كفاءة على الأرض. مما يمنحه معلومات عن واقع الصراع لا تتوفر لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الأخرى.
وفي العقد الماضي، نشب خلاف بين “أمان” و” الشاباك” بحسب المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هرئيل، قبل الصراع في غزة عام 2014 بشأن التعامل مع حماس وشبكة الأنفاق وعدم اتخاذ تدابير استباقية لمعالجة تهديد الأنفاق قبل بداية الحرب.
وخلال السنوات الأخيرة، كانت ترى “أمان” أن المهمة الأولى في غزة هي التعامل مع الأنفاق، بينما ركز “الشاباك” على الوصول إلى القيادات المؤثرة في التنظيم العسكري لـ “حماس” وخاصة محمد أبو ضيف ويحيى السنوار.
دور الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان” خلال 7 أكتوبر
عقب هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، انهالت الانتقادات على المؤسسات الاستخباراتية الإسرائيلية، بشأن الإخفاق في منع الهجوم أو تحذير الحكومة من أي تهديدات محتملة، لذا أقر رئيس الاستخبارات العسكرية أهارون حاليفا في 17 أكتوبر والأول من نوفمبر 2023، بمسؤولية عن الفشل في إعطاء تحذير مسبق قبل الهجوم، مؤكداً أن “أمان” تتحمل مهام الهجوم والدفاع في المعركة الحالية، وأن وجود إسرائيل ليس على المحك.
وفي 26 نوفمبر كرر اعترافه بتحمل المسؤولية بشأن الإخفاقات، وتقديم الاستقالة في أقرب وقت ممكن، وبعد هذه التصريحات ظهرت منافسة داخل “أمان” على رئاسة أركان الجيش، حتى بدأت بعض المشاورات حول الحرب دون إشراك أهارون حاليفا.
حالة الاستخبارات الإسرائيلية بعد 7 أكتوبر
قدمت “أمان” تقديرات بعد هجوم حماس، تفيد بأن رئيس حركة حماس بغزة يحيى السنوار مسؤول عن الهجوم، وأن إيران وحزب الله لم يحصلا على بلاغ مسبق منه بشأن الهجوم وتوقيته.
ورغم أن تقديرات “أمان” في السابق كانت تشير إلى أن يحيى السنوار امتنع عن المواجهة العسكرية مع إسرائيل منذ عملية “حارس الأسوار” في مايو 2021، وأن حماس تريد استمرار التهدئة، وراضية عن التعهدات الإسرائيلية بزيادة عدد تصاريح العمل في إسرائيل للعمل من غزة.
إلا أن المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هرئيل أشار إلى أن خطة الهجوم كانت معروفة لإسرائيل منذ أكثر من سنة. وكشفت “أمان” عن أسباب محتملة لتغيير حماس توجهاتها، وتتعلق بمخاوف الحركة من جمود التفاوض حول تحرير الأسرى الفلسطينيين، واقتراب اتفاق التطبيع بين السعودية وإسرائيل، في ظل توسع الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، مستغلة التوتر في الداخل الإسرائيلي حول التعديلات القضائية.
خطط تطوير “أمان” المستقبلية
كتب الرئيس السابق لقسم البحث والتحليل في “أمان” الجنرال يوسي كوبرفاسر في 2007، أن الإصلاحات الكبرى التي تجرى في الاستخبارات الإسرائيلية، تضمن:
1- التعاون الوثيق بين جامعي المعلومات والمحللين.
2- زيادة مساحة التفاعلات بين الاستخبارات والسياسة.
3- استخدام منتجات الذكاء الرقمي.
وفي 2013 طرح ضابط استخباراتي عسكري سابق ديفيد سيمان طوف، نموذج جديد للاستخبارات بالتركيز على الآثار المترتبة على ظاهرة الويب “2.0”، وعلى تعاون أفضل بين الهواة والمحترفين.
وكتب في 2014 أنه أصبح ضروري السماح لـ “امان” تقديم التقييم الاستخباراتي الشامل، بحيث تشمل مهامه البحث في كافة المواضيع في الساحة الخارجية.
وفي 2018 نشر الجنرال شالوم مقالاً يصف “الاستخبارات متعددة الأبعاد”، وهو مفهوم جديد بدأ أمان في تطبيقه، مما يدل على تفاعل ثوري بين جمع المعلومات والتحليل.
“مكتب المعلومات”
تطور ” أمان” يتركز حول زيادة القدرة على تحليل المعلومات بل وتسريع عملية التحليل، مما عزز دور قسم الأبحاث الذي يعد الوحدة الرئيسية المسؤولة عن تحليل وتفسير المعلومات الاستراتيجية داخل أمان، المعروف أيضًا باسم مكتب المعلومات، وهي وحدة شديدة الأهمية تتميز بإمكانية لا مثيل لها “إسرائيلياً” للوصول إلى البيانات الاستخباراتية والموارد ونطاق واسع من التحليل، يجعلها كياناً لا مثيل له داخل الإطار الأمني الإسرائيلي.
تقييم وقراءة مستقبلية
تشير المهام المسندة لـ “أمان” إلى أهمية دورها وسط باقي الأجهزة الاستخباراتية بإسرائيل، قبل وقوع الخطر بتحديد التهديدات المحتملة، وسد أي ثغرات أمنية تعرض أمن إسرائيل للخطر، وأثناء الحرب من خلال التواجد بميدان المعارك، وتحليل المعلومات وقدرات الخصم، ووضع الخطط العسكرية الهجومية والدفاعية.
نجد أن جزءاً كبيراً من الجهود المبذولة لتغيير وإعادة تعريف مهمة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في العقود الأخيرة كان يتعلق بمفهوم “دورة الاستخبارات” (تحديد الاحتياجات الأساسية من المعلومات – التجميع – التحليل – التوزيع)، ما عزز من دور “أمان” بالداخل الإسرائيلي في ضوء الهيكل التنظيمي له.
كانت حرب لبنان الثانية في 2006 عاملاً حاسماً، في فهم التغييرات المطلوبة في دور الاستخبارات، وسلطت الحرب الضوء على الفجوة بين نوعية المعلومات الاستخبارية المتوفرة على المستويات العليا، وغيابها على المستويات العملياتية.
“دائرة البحوث”
دائرة البحوث بـ “أمان” تعتبر جهاز أمن قومي مستقل، ترسم الصور الاستخباراتية الكاملة، وتقدم تقارير عن الساحتين الدولية والمحلية، ومهمتها الرئيسة:
1- رسم خريطة الأعداء.
2- تحديد الفرص والسيناريوهات.
3- تزود التقييمات الاستخباراتية الشاملة إلى المستوى السياسي، في إطار التقييم السنوي وكذلك في الأحداث المعقدة والحروب.
خلل داخل “أمان”
كشفت حرب غزة عن خلل داخل “أمان”، خاصة وأن المؤشرات وفقاً للمعلومات التي حصلت عليها لم تشر إلى أي هجوم متوقع.
الأمر الذي قد يتسبب في نشوب خلافات بين باقي أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية مع “أمان” المرحلة المقبلة، نظراً لأن خطأ هجوم 7 أكتوبر تتحمله بشكل أكبر من ناحية، وفقدان ثقة الإسرائيليين في الحكومة وأجهزتها العسكرية من ناحية أخرى.
تساؤلات عن فاعلية وحدة “محامي الشيطان”
الخطأ الذي وقعت فيه “أمان” في 7 أكتوبر 2023، يتشابه مع الخطأ في 6 أكتوبر 1973، ما يطرح تساؤلات عن فاعلية وحدة “محامي الشيطان”، التي يتمحور دورها حول التحقق من التقييمات ومعارضتها حتى أن يثبت العكس، تجنباً لأي فشل استخباراتي.
قدرات “أمان” التكنولوجية المتطورة
تمتلك “أمان” قدرات تكنولوجية متطورة، تمنحها ميزة نسبية على المستويين المحلي والدولي، في فك الشفرات وجمع المعلومات، وتحملها مسؤولية هجوم حماس وتطورات الحرب التي دخلت شهرها الثالث، مثل قتل أسرى إسرائيليين بالخطأ في 15 ديسمبر 2023 بعد تحديدهم كمصدر تهديد، والخسائر المادية والبشرية في التوغل البري بغزة.
ومن المتوقع أن تشهد “أمان” عملية تغيير على مستوى القيادة واستراتيجية العمل، لمنع تكرار خطأ 7 أكتوبر.
الخلاف بين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية
يبدو أن الخلاف قائم بين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، بشأن التعامل مع الحرب في غزة، وهو خلاف ليس بالجديد حول استهداف الأنفاق في غزة أو قيادات حماس، ما ينعكس على تطورات الصراع الراهن، وقرارات الحكومة الإسرائيلية في العملية العسكرية، وفرص وقف إطلاق النار وإبرام صفقة جديدة لتبادل الأسرى.
…………………………………………………………………..
المصادر:
رابط مختصر. https://www.europarabct.com/?p=92330
الهوامش.https://www.europarabct.com/?p=92330
Military Intelligence Directorate
https://bit.ly/3Ntj3l4
“الوحدة 8200” ربما تتجسس عليك وأنت تقرأ هذه المقالة
https://bit.ly/3tgDtXx
كيف أخطأت إسرائيل في قراءة “حماس”
https://bit.ly/48nNm4B