هاني الجمل يكتب: أفغانستان والمستقبل الغامض
أي مستقبل ينتظر الشعب الأفغاني مع وصول حركة طالبان للسلطة، في مشهد دراماتيكي يذكر الجميع بهزبمة القوات الأمريكية في فيتنام ؟ . فمع كل التحليلات الصادرة من المحللين والسياسيين حول الانسحاب الأمريكي المذل من أفغانستان ، فإن هناك عدة حقائق يمكن رصدها لمعرفة مستقبل الأوضاع فيها .
فالصورة المهينة للإنسحاب الأمريكي من أفغانستان ، وتعلق بعض أبنائها في الطائرات التي أقلعت من كابول ، تؤكد مجدداً خطورة الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية كشريك أو كحليف أو كصديق، ففي كل مرة تتخلى واشنطن عن حلفائها ، كما حدث من قبل في العراق. فالسلوك الأمريكي واحد في العراق وأفغانستان ومن قبل في فيتنام ، فواشنطن لا تريد إلّا مصالحها فقط ، بغض النظر عن اقامة أي نظام سياسي ديمقراطي في الدول التي تتدخل فيها عسكرياً . وللأمانة يمكن القول إن واشنطن لا تتحمل بمفردها مسؤلية ما جرى في أفغانستان ومن قبل في العراق ، فالقادة الأفغان أنفسهم يتحملون الجزء الأكبر مما حدث وسيحدث في بلادهم ، والمصير القاتم الذي ينتظر نحو 37 مليون أفغاني 75 % منهم من سكان القرى .
وبلغة أكثر وضوحاً يمكن القول، إن الديمقراطية التي سعت واشنطن إلى تحقيقها في أفغنستان – كما تدعي – لا يمكن أن تجد أرضاً ممهدة عند معظم الفقراء من الشعب الأفغاني الذي يتسم معظمه بالقبلية . أمّا المشكلة الثانية التي أفرزت الحالة الحالية في أفغانستان ، فهي غياب زعمائها المخلصين الذين يضعون مصالح وطنهم في المقام الأول ،بعد أن أصبح الفساد عنواناً والفساد منهجاً ، لكل العاملين في دولاب الدولة الأفغانية ، وفي المقدمة قادة الجيش المنوط بهم الدفاع عن الوطن . فلغة الأرقام في هذا الإطار مخيفة وتؤكد أن الفساد الذي استشرى في أوصال الجيش الأفغاني هو صناعة أمريكية بامتياز ، وهي صناعة لقيت هوى لدي القادة الأفغان الذين نحّوا مصالح وطنهم جانباً وأعلوا من شأن مصالحهم الشخصية .
فالجيش الأفغاني الذي أنفقت عليه واشنطن 80 مليار دولار لتجهيزه وتدريبه ، لم يستطع الوقوف أمام مقاتلي طالبان ، وترك قادته سلاحهم وفر كل منهم إلى بلد مجاور ، بعد أن ترك جنوده يواجهون مصيرهم المحتوم ، الأمر الذي يؤكد مدى الفساد الذي تغلغل في بنيانه . ولم يتوقف الفساد الأمريكي والأفغاني المشترك عند حدود الجيش ، بل امتد إلى البنوك والمصارف وجميع مناحي الحياة . وفي هذا الإطار يمكن النظر إلى فضيحة بنك كابول المعروفة الذي خسر نحو مليار دولار خلال الفترة من 2010 -2013 ، بسبب تعاملات مالية فاسدة وقف وراءها محمود كرزاي شقيق الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي، الذي حكم أفغانستان نحو 14 عاماً.
وفي ضوء كل تلك الحقائق يمكن القول إن الانسحاب الأمريكي المذل والمخيب لآمال الأفغان كان نتيجة منطقية للفساد الذي شهدته تلك الدولة على مدى عشرين عاماً ، ليظل السؤال الأهم مطروحاً، وهو : إلى أين تتجه الأوضاع في أفغانستان ، وما هو مصير شعبها في ظل حكم طالبان وعقيدتها ، وفي ضوء الإستراتيجية الأمريكية الجديدة في المنطقة ؟ .
فإستراتيجية واشنطن الجديدة تقوم على أساس المؤامة بين تحديات مكافحة الإرهاب ودعم الاقتصاد الأمريكي لمواجهة تحدي الصعود الصيني دولياً ، مع دعم عمليات التدخل السريع ودعم الحلفاء المحليين والإقليميين، ودفع القوى الدولية الأخرى لتحمل مسؤوليتها، لأن واشنطن لن تستمر في لعب دور شرطي المنطقة.
ويتفق معظم المحللين على أن خروج واشنطن المهين من أفغانستان ومن قبل في العراق ، لا يمثل نهاية لمشروع القرن الأمريكي فقط ، بل يشكل بداية نهاية تفردها بزعامة النظام الدولي، لأن التحولات التي قد تترتب على ذلك كفيلة ببروز واقع إقليمي ودولي مغاير عن الواقع الذي تمخض منذ تفكك الاتحاد السوفيتي السابق . ويضرب هؤلاء المحللون المثل على ذلك بتحرك الصين وروسيا للبحث عن خيارات التعامل مع الوضع الجديد بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.
خلاصة القول : إذا كان للإنسحاب الأمريكي مبرراته ، فإن قادة طالبان مطالبون بألّا يكرروا أخطاءهم في الماضي والسماح بتحول الأراض الأفغانية إلى ملاذ آمن لمنظمات متطرفة مرفوضة عربياً واقليمياً ومطلوبة غربياً .