جامع العطّارين.. الذى أقيم على ضريح سيدي محمد بن سليمان بن خالد بن الوليد
كتب: إسلام فليفل
قد لا يكون جامع العطارين لافتا للنظر بالنسة إلى المارة، لكن عند النظر إلى تاريخ الإسكندرية العريق نجد أن ثراء تراثها الناتج عن التعدد الثقافي والعقائدي، الذي مرت به قد يطغى في الكثير من الأحيان على بعض الأماكن التي تحمل وراءها الكثير من الحكايات التي تدل على وجود مدينة من أهم مدن العالم بتاريخها وثقافتها، بالمنطقة، وقد تكون لهذه الأماكن أهمية تاريخية كبيرة من شأنها تغيير نظرتهم عن المدينة بالكامل.
اقرأ أيضا.. لحظة نقل (مركب خوفو) من منطقة الأهرامات إلى المتحف الكبير
لوحة التعريف
بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ، مما أمر بإنشائه السيد الأجل أمير الجيوش سيف الإسلام، ناصر الإمام، كافل قضاة المسلمين وهادي دعاة المؤمنين، أبو النجم بدر المستنصري، عند حلول ركابه بالإسنكدرية ومشاهدته لهذا الجامع خرابًا فرآه بُحسن ولائه ودينه بتجديده زُلفا إلى الله تعالى، وذلك في ربيع الأول سنة سبعة وسبعين وأربعمائة.. بمجرد الدخول تلمح هذه العبارة المدونة على الرخامة المتواجدة على باب المسجد، ولحظتها تكتشف أنك أمام مكان مختلف ويحمل الكثير من الخبايا والأسرار.
تاريخ من الأسرار
ربما لا يعرف الكثير من المارة بجوار جامع “العطارين”، سوى أنه مكان للعبادة، ولكن بمجرد أن تحاول أن تبحث عن تاريخه ستجد أنك أمام تاريخ طويل من الأسرار، عندها تنتابك حالة من الدهشة المصحوبة بالسكون، وهو التعبير الأمثل لوصف جامع “العطارين”، الجامع الذي يعد شاهدًا على الأديان، مما يجعل منه قصة من قصص البلدة الفريدة من نوعها.
وحسب كتاب “الإسكندرية تاريخ ودليل” لمؤلفه “فورستر”، أنه أقدم مساجد المدينة من حيث الإنشاء، لذلك يعتبر مزيجا بين عالمي الآثار والأديان، ويقع بحي العطارين الشهير، الذي سمي نسبة إلى موقعه في سوق البهارات القديم في الإسكنرية، وهو لا يزال مسجدًا يستخدم حتى الآن، ومآذنه تدعو للصلاة خمس مرات في اليوم، ومفتوح للصلاة والزوار لسبعة أيام في الأسبوع.
تاريخ المسجد
يقول د. إسلام عاصم، الباحث في التراث السكندري، إن الجامع تم بناؤه في عام 1084م، وكان يحمل نفس الإسم “العطارين”، حتى بدأ بالتهدم وفقدان معظم معالمه، وظل هكذا إلى عام 477هـ، حتى مجيء الأمير الجيوشي “بدر الدين الجمالي” للإسكندرية وجمع من أهل المدينة مبلغًا كبيرًا ليجدد به المسجد.
وأضاف أن المسجد كان يعرف في هذا الوقت بغسم “الجيوشي”؛ بسب إعادة الترميم التي أجريت في عصرة، كما كان موضحًا بنص اللوحة، وللجامع واجهتان، هما: الواجهة الشمالية الشرقية، وهي الواجهة الرئيسية ويقع بها المدخل الرئيسي للجامع الذي يقع بالطرف الشمالي للواجهة.
الضريح المزيف
وأشار د.عاصم إلى انه يوجد بالطرف الشرقي لواجهة المسجد مدخل آخر يؤدي إلى قبة ضريحية، وكتب أعلى هذا المدخل: “هذا ضريح سيدي محمد بن سليمان بن خالد بن الوليد”، وجدد عام 1319، وأضاف أن المتخصصين وجدوا أن سليمان بن خالد بن الوليد مقطوع النسب، لكنه عند إعادة ترميم المسجد في عهد الخديو عباس حلمي الثاني عام 1902م، ابتدع أحدهم هذه القصة حتى يبرز من أهمية الضريح ونسبه إلى أحد الصحابة ليتم تجديد المسجد، ولكن اتضح أنه ليس سوى أحد أئمة المسجد”.
تابوت المسجد
وذكر د. إسلام عاصم أنه كان يوجد بالمسجد تابوت “نختنبو الثاني” آخر ملوك الفراعنة، وكان يعتقد الناس من قبل الكشف عن صاحب التابوت بأنه يخص الإسكندر الأكبر، اعتقادًا منهم أنه دُفن بأرض المسجد.
وقال عاصم أن التابوت قد تم نقله إلى المسجد في عصر الدولة الفاطمية ليعاد استخدامه كحوض للوضوء، لذا كان الناس يقدسونه.
وتابع أن الآثار في ذاك الوقت كانت كثيرًا ما يعاد استخدامها، وأشار إلى بعض الأمثلة على ذلك مثل إعادة استخدام أعمدة من دور عادة قديمة لبنتء أخرى حديثة.
وأضاف أن التابوت مان من ضمن الآثار التي رغب “نابليون بونابارت” بنقلها ضمن مجموعة من الآثار الأخرى أثناء الحملة الفرنسية على مصر إلى المتحف الفرنسي، إلا أنه لم ينجح في ضمها بعد انتصار الإنجليز واستيلائهم عليها ونقلها إلى المتحف البريطاني، وكان ضمن هذه الآثار حجر رشيد الذي كشف عن تاريح الحضارة المصرية القدييمة، ومنها عن هوية صاحب التابوت.