لواء دكتور/ سمير فرج يكتب: مستقبل تجارة السلاح في الشرق الأوسط

رغم تخصصية هذا الموضوع، وما يرتبط به من تفاصيل فنية، قد تصعب على غير المتخصصين، إلا أنني رأيت أن أجتهد في عرضه للقارئٍ الكريم، في محاولة لشرح ما يحدث في المنطقة، بصورة مبسطة، بعدما أصدر “معهد استكهولم الدولي لبحوث السلام” تقريره السنوي، عن حركة بيع وشراء الأسلحة بين دول العالم، وهو التقرير الذي يعد أحد أهم مصادر جمع المعلومات في العالم، لما عرف عنه من نزاهة وحيادية فيما يقدمه من رصد دقيق للمعلومات، بعيداً عن سياسات وتوجهات الدول.

لقد أشار التقرير السنوي، لهذا العام، للتغيرات التي شهدتها مبيعات الدول الخمس الكبرى المصدرة للسلاح في العالم، وهم الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، وفرنسا، وألمانيا والصين، فرغم الحفاظ على ترتيب المراكز، وبقاء الولايات المتحدة في المركز الأول لتصدير السلاح في العالم، إلا أن فرنسا، التي تحتل المركز الثالث، قد زادت مبيعاتها بنسبة 44%، كذلك ألمانيا التي تشغل المرتبة الرابعة، زادت مبيعاتها بنسبة 21%، بينما روسيا التي لازالت تحتل المرتبة الثانية فقد تراجعت نسبة مبيعاتها للسلاح، نظراً لتراجع مشتريات الهند، التي تعد أكبر مستورد للسلاح الروسي، أما الصين فاحتفظت بالمركز الخامس، رغم تراجع مبيعاتها في دول العالم الثالث، وخاصة الأفريقية، التي تعتبر السوق الأساسي لصناعاتها العسكرية، نظراً للانخفاض النسبي لأسعرها، والتسهيلات التي تقدمها عند الدفع.

ورغم ذلك شهد الشرق الأوسط أكبر ارتفاع في مشتريات السلاح، عن باقي دول العالم، نتيجة لزيادة المشتريات بكل من قطر والسعودية والأردن ومصر والجزائر، بينما سجل التقرير انخفاض مشتريات تركيا، والذي يرجع للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على تركيا بعد شرائها لمنظومة الدفاع الجوي الروسية S400، وعلى أثر ذلك منعت الولايات المتحدة تركيا من شراء طائرات الشبح الجديدة، وقطعت تدريب الطيارين الأتراك، الجاري حينها، بالولايات المتحدة، بل وأعادتهم إلى بلادهم. أما إيران، فقد سجل التقرير الارتفاع النسبي لمشترياتها من السلاح، بعدما خففت الأمم المتحدة من بعض القيود المفروضة عليها، فاستخدمت إيران الأسلحة الجديدة، في إمداد أذرعها العسكرية في المنطقة؛ حزب الله في لبنان، والحوثيون في اليمن، وحماس في غزة، والحشد الشعبي في العراق. كما وجهت بعض مشترياتها لتطوير إمكاناتها في التصنيع العسكري لطائرات الموجهة بدون طيار، والصواريخ البلاسيتية.

 

اقرأ أيضا.. لواء دكتور سمير فرج يكتب: ليلة سقوط كابول

ويرجع مركز استكهولم زيادة شراء الأسلحة في منطقة الشرق الأوسط، إلى استمرار التهديد الإيراني لدول المنطقة خاصة دول الخليج العربي، بالإضافة للتهديد التركي للمصالح البترولية والغاز في شرق المتوسط، مع استمرار الصراعات والحروب الداخلية في بعض دول المنطقة. ويستشهد تقرير استكهولم بمقولة هنري كيسنجر “أن الشرق الأوسط هو بؤرة الصراعات حالياً في العالم كله، ومادامت الصراعات موجودة فسيستمر الشرق الأوسط في شراء الأسلحة”. ولم يغفل التقرير الإشارة إلى أنه بالرغم من التأثير السلبي لجائحة كورونا على اقتصادات دول المنطقة، إلا أن شراء الأسلحة أصبح مطلباً، رئيسياً، لتحقيق الاستقرار، مؤيداً ذلك الرأي، بزيادة مشتريات السعودية من الأسلحة والمعدات العسكرية، نتيجة لعمليات الحوثيين في اليمن.

ويضيف التقرير أن معرض السلاح المنعقد في دبي، يعتبر، الآن، أهم أسواق بيع السلاح في العالم، حتى أن روسيا عرضت في ، دورته الماضية، بيع المنظومات الجديدة من صواريخ S300-S400 للسعودية، لكفاءتها في التصدي للصواريخ التي يطلقها الحوثيون باتجاهها، خاصة بعد الهجوم على منشآت أرامكو السعودية للنفط، وهو ما يثير حفيظة، الولايات المتحدة، بالطبع، لما يمثله استخدام تلك الأنظمة الروسية، من وجهة النظر الأمريكية، من فرصة للتجسس على طبيعة عمل المنظومة الدفاعية للصواريخ الأمريكية باتريوت، المستخدمة في دول حلف شمال الأطلنطي، والمنتشرة في معظم دول الشرق الأوسط، التابعة لمظلة الولايات المتحدة الأمريكية. جدير بالذكر، أن أسعار الأسلحة الروسية، تقل بكثير عن مثيلاتها الأمريكية والفرنسية والألمانية، فضلاً عن كفاءة صواريخ S400 مقارنة بالصواريخ الأمريكية الباتريوت، إلا أن دول الخليج تخشى البعد عن المظلة الأمريكية، خاصة بعدما شهدت رد الفعل الأمريكي على شراء تركيا للصواريخ الروسية.

ومن ذلك التقرير يتضح لنا أن مصر قامت بتطوير إمكاناتها العسكرية، من الناحية الدفاعية، وهو ما يؤكد أن مصر ليس لها أي نوايا هجومية، لتهديد الأمن القومي لدول المنطقة، بل تهدف مصر لتكوين قوة عسكرية، لتأمين حدودها واستثماراتها في البحر المتوسط، المتمثلة في حقول الغاز الطبيعي، وكذلك لتأمين المجرى الملاحي لقناة السويس، التي تمثل ثلث الدخل القومي لمصر، بالإضافة إلى تأمين حقها في مياه النيل، في ظل التهديدات الجديدة من اتجاه حوض نهر النيل، وهو ما ترفضه مصر، بأن تهدد أي دولة، من دول منابع النيل، وصول مياهه إلى مصر والسودان، وهو ما أيدته قرارات الأمم المتحدة التي تحفظ للدولتين حقوقهما القانونية والتاريخية في مياه نهر النيل.

وبذلك يتضح أن هدف مصر من امتلاك قوة عسكرية، متطورة، هو ردع من قد تسول له نفسه تهديد الأمن القومي المصري من أي اتجاه، فقوة مصر العسكرية تندرج تحت تعريف القوة الدفاعية، وليس الهجومية، التي تستهدف تأمين حقوق مصر ومقدرات شعبها، وليس لتهديد أي من دول المنطقة، إيماناً بسياستها القائمة على تحقيق الأمن والسلام لها ولجيرانها في المنطقة.

 

Email: [email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى