د. ناجح إبراهيم يكتب: أم محمود.. أعظم جدة
بيان
كتب د. ناجح إبراهيم مقالاً بعنوان: “أم محمود .. أعظم جدة ” وتم نشره في جريدة الوطن وهذا هو نص المقال:
– كانت من أجمل نساء ديروط خَلْقاً وخُلُقاً ،حياءً وكرماً، أدباً وسمتاً، كانت نعم الزوجة والأم والجدة ، كانت لها ابنة جميلة زوجتها وفي أول ولادتها لثلاثة توائم ماتت عنهم في يوم الولادة ،كانت فاجعتها في ابنتها كبيرة ولكن المصيبة لم تنسها واجبها كأفضل جدة رأيناها، فإذا بها تحتضن هؤلاء التوائم الثلاثة، استلمتهم وهم” قطع صغيرة ضعيفة من اللحم الأحمر” كما يقول المصريون.
– حذرها البعض أنها لن تستطيع القيام بهذه المهمة الصعبة،وخاصة أنهم ثلاثة ، لكنها أصرت علي القيام بهذه المهمة الإنسانية والدينية العظيمة ، رغم أن وفاة ابنتها هذه وهي في ريعان شبابها كسر ظهرها لكن عزيمتها الحديدية وصبرها اللانهائي جعلها تقوم بمسؤولية هؤلاء التوائم الثلاثة خير قيام .
– قامت علي أمرهم وشأنهم من الألف إلي الياء ، وكأنها ستبدأ إنجاب الصغار من جديد ، لم ينفق عليهم أبوهم ولم يساهم بشيء ،ولكن ذلك لم يفت في عضدها ولم تشغل نفسها بمنازعته فقد كانت أسطورة في السماحة والعفو .
– اهتمت بمسؤولية التوائم الثلاثة مع مهامها الأخرى الجسام فقد أنجبت عشراً، خمسة ذكور وخمس إناث،ومن لطف الله وتقديره الجميل أن مسؤولية الأحفاد التوائم جاءت بعد أن كبر الأولاد.
– ظلت قرابة ربع قرن ترعى هؤلاء الأحفاد والتوائم حتى وصلوا للجامعة وتخرجوا منها، ودخل الذكور منهم الخدمة العسكرية ، آه من طول طريق الكفاح ، ولكن ما أحلي الكفاح والعطاء والعون لمن لا سند له ولا ظهر سوى الله .
– هذه السيدة زوجة أستاذنا في اللغة العربية ونحن صغار أ/ عبد المنعم زهران في الإعدادية الحديثة ومديرها بعد ذلك ، كانت نعم الزوجة ، ونعم الأم ، اعتبرها من أفضل نساء ديروط في كل شيء ، لم أر مثلها في الأخلاق والأدب والكرم والجود والعطاء والزوجية والأمومة كانت هي وأمي أشبه بالتوائم المتماثلة سمتاً وأخلاقاً.
– قابلت محناً يشيب لها الولدان ، ماتت ابنتها صاحبة التوائم الثلاثة، ثم مات زوجها ، ثم ماتت ابنتها الثانية زوجة أ/ صلاح رجب بعد معاناة كبيرة مع مرض السرطان ، فضمت أولاده إلي صدرها ورعتهم غاية الرعاية وكانت لهم الأم الثانية وكان أمرهم ميسوراً عن مسؤولية التوائم الثلاثة.
– لاقت من المحن والأهوال الكثير والكثير فصبرت في كل محنة صبراً جميل ، لم يعرف اليأس طريقاً لقلبها،ولا الإحباط سبيلاً لنفسها ، لم أرها يوماً في سخط أو قنوط ، كانت يد السماء الحانية تتدخل بعنايتها ورعايتها لتنقذها من كل محنة .
– كل من صاهرها يرى فيها حماة مثالية ، أحفادها يرونها جدة مثالية ، العباد والزهاد والصالحون يرونها أفضل منهم،طاقة صبر لا تنفذ ، منبع حكمة لا يتوقف ، كل محنة تمر بها تزيدها صلابة ،لم تمت حتى اكتمل عقد أولادها وأحفادها إلي جوارها وأصبح لكل منهم شأناً رائعاً.
– كفاح متواصل بعمر سنواتها الطوال التي ربت فيها عدة أجيال من أولادها وأحفادها، ناء الجسد الضعيف بهذا الحمل الصعب وهذه المسؤوليات الجسمية فأصابتها عدة أمراض نهشت في جسدها المكلول،لم ينفع في صدها عن جسدها روحها العالية ، فقد كان خرق المرض واسعاً لا يرتق،لقيت ربها شهيدة “فالمبطون شهيد” بنص الحديث النبوي.
– أغرب ما في هذه السيدة أن جميع أزواج بناتها كانوا يحبونها حباً جماً ويقول أحدهم أ/ صلاح رجب وكيل الوزارة الأسبق وزوج إحدى بناتها : لم تغضب مني يوماً ، ولم تطلب مني أي شيء، لم تكرهني علي شيء، أو توجه لي كلمة نابية ، أو حتى همسة عتاب ، كانت أسطورة في العطاء للجميع .
– لقد خلصت من تجارب حياتي الطويلة أن الجدة للأم هي أكثر حناناً وعطفاً من الجدة للأب، خاصة حينما تموت الأم في الأولى أو يموت الأب في الثانية واحتضان الأولى للأحفاد أقوي من الثانية.
– السيدة أم محمود عبد المنعم زهران كنت أري فيها أمي شكلاً وموضوعاً ، هي من الجيل الذهبي لنساء مصر الذي لم يكن يعرف سوى لغة العطاء الدائم دون منَّ ولا أذي ولا انتظار مقابل ، هم أقرب الناس للربوبية ، ولذلك قرنهم الله بنفسه في الآية ” وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا” سلام علي أم محمود ، وسلام علي أهل العطاء في كل زمان .