طارق صلاح الدين يرصد ويحلل عملية تفجيرات إسرائيل لأجهزة اللاسلكى فى أيدى كوادر حزب الله

بيان

مقدمة

فى التقرير التالى، يرصد الكاتب، المحلل السياسى طارق صلاح الدين، الجوانب المختلفة، وتداعيات عمليات التفجير الإسرائيلية لأجهزة اللاسلكى التى تحملها كوادر حزب الله فى لبنان، وتداعيات هذا الاختراق الاستخباراتى الخطير، وسوابقه من عمليات “قذرة” ارتكبها الكيان الصهيونى.

التقرير

بعد تفجيرات الأمس، ولليوم الثانى على التوالى يتم استهداف، أجهزة اللاسلكى التى تحملها “عناصر حزب الله”، ومدنيين آخرين، حيث شهدت صيدا والبقاع والضاحية الجنوبية، اليوم الأربعاء انفجار أجهزة اللاسلكى ووكى توكى وليس أجهزة شبيهة لأجهزة البيجر التى تم تفجيرها أمس.
وقعت تفجيرات اليوم في عدة سيارات والعديد من المحلات والشقق السكنية، والاستهداف الجديد للأجهزة من طراز (أيكون) الذى يستخدمه عادة رجال حزب الله، مما أوقع عددا من الجرحى بعد انفجارات محدودة لهذه الأجهزة التى تم اختراقها وانفجرت في مناطق مدنية متعددة.

 أكبر الاختراقات

عملية بالغة الجرأة استخباراتية لوجستية عسكرية قامت بها إسرائيل واستهدفت أجهزة الاستدعاء الاحتياطية التى يعتمد عليها حزب الله فى التواصل بين عناصره بعد التخلى عن أجهزة المحمول التى تسببت في مقتل العشرات من قياداته البارزة و المئات من عناصره الفنية والعسكرية.
العملية تعتبر من أكبر الاختراقات التى تعرض لها حزب الله على مدار تاريخه وتعتبر أيضا من أكبر وأخطر وأهم العمليات فى تاريخ جهاز الاستخبارات الإسرائيلى المعروف بالموساد وتضاف إلى العمليات البارزة في تاريخ هذا الجهاز إلى جانب عملية عنتيبى وعملية الميج ٢١ العراقية التى تم فيها تجنيد الطيار العراقى الشهير منير روفا وعملية اغتيال مهندس حماس الأول يحيى عياش.
العملية تلقى ظلالا كثيفة على ضعف الاستخبارات العسكرية سواء لإيران أو لحزب الله وسهولة الإختراق من جانب الموساد الذى نفذ مؤخرا عملية اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس فى قلب العاصمة الإيرانية طهران والذى لم ترد عليه إيران حتى هذه اللحظة.
بالإضافة إلى سلسلة طويلة من اغتيالات العلماء النووين الإيرانيين سواء داخل إيران أو خارجها.
وتقع المسئولية الكاملة في عملية تفجير أجهزة البيجر من طراز AP924 على استخبارات حزب الله حيث أنه من المفترض أن يتم الفحص الدقيق لأية أجهزة جديدة يتلقاها الحزب على أيدى خبراء متخصصين لأنها قد تحتوى على أجهزة تجسس أو أجهزة تعيد البث مرة أخرى.
هذا وقد تم شحن أجهزة البيجر من قبل الموساد بنحو ١٠ إلى ١٥ جرام من مادة RDX شديدة الإنفجار وتم إخفاء المادة داخل كل جهاز وزرعها بجوار البطارية بالإضافة إلى تعديل الأجهزة للتسبب فى الانفجار عند إرسال رسالة التفجير ثم التأكد من تشفير الاتصال قبل أن يتم إرسال الكود وفك التشفير لتنفجر الأجهزة فى وقت واحد.
وفى الساعة الثالثة والنصف عصر أمس الثلاثاء ١٧ سبتمبر تلقت أجهزة البيجر رسالة بدت وكأنها صادرة من قيادة حزب الله ولكن الرسالة بدلا من ذلك قامت بتفعيل المتفجرات بعد أن تم برمجة الأجهزة لتصدر صوت تنبيه لمدة عدة ثوان قبل انفجارها.

ضربة صاعقة

وتعتبر هذه الضربة صاعقة لحزب الله الذى يرفع شعار السرية المطلقة داخل كل أجهزته الفنية قبل العسكرية.
وعلى الفور توجهت الأنظار إلى شركة جولد أبولو التايونية المصنعة لأجهزة البيجر مما أضطر مسئول الشركة هسو تشينغ كوانغ إلى التصريح بأن شركته لم تصنع هذه الأجهزة بل قامت بتصنيعها شركةBAC المجرية لديها الحق في إستخدام العلامة التجارية للشركة التايونية بموجب إتفاق تم توقيعه منذ ثلاثة سنوات بين الشركتين يسمح بتصنيع هذه الأجهزة وتحميل إسم الشركة التايونية عليها.
وفى تغريدة على منصة X أشار مستشار نتنياهو إلى مسئولية اسرائيل عن هجمات بيروت ثم حذف تغريداته بعد دقائق قليلة خوفا من الملاحقة الدولية لإسرائيل باعتبار هذه الهجمات جريمة حرب مكتملة الأركان طالت آلاف المدنيين في أنحاء لبنان وسوريا وأدت إلى إصابة السفير الإيرانى في لبنان مجتبى أمانى إلى جانب إثنين من كبار رجال السفارة الإيرانية في بيروت.

فى الإعلام الإسرائيلى

وذكر موقع والا الإسرائيلى أنه تم تفجير أجهزة البيجر خوفا من إكتشاف ثغرة أمنية بها بعد أن كان مقررا تنفيذ هذه التفجيرات في حالة نشوب حرب مفتوحة بين اسرائيل وحزب الله وخاصة ان كابينت الحرب فى إسرائيل اضاف هدف عودة نازحين الشمال الى مستوطناتهم الى اهداف الحرب وهدد بتوسيع الحرب مع لبنان إلا أن عنصرين بحزب الله اكتشفا أمر الأجهزة فقررت اسرائيل سرعة تنفيذ العملية قبل اكتشافها وخاصة أنها استغرقت خمسة أشهر كاملة للإعداد لها وتنفيذها مما أدى إلى قتل ١٣ وإصابة ٣٠٠٠ آخرين منهم ٢٠٠ فى حالة خطيرة.
ويعتمد الموساد على قاعدة عريضة من الصهاينة الموجودين داخل كل دول العالم وهم على إستعداد دائم لتنفيذ كل مايخدم دولة إسرائيل ويكافح تهديدات وجودها وهى ميزة يفتقر إليها كل أجهزة الاستخبارات في العالم.
والمؤكد أن حزب الله تلقى ضربة قاصمة افقدته توازنه وجعلته غير مستعد للرد الفورى على الصفعة الإسرائيلية خوفا من وجود مفاجآت اخرى وحاجته الشديدة إلى إلتقاط الأنفاس وإعادة تجميع خيوط تحركاته.
والمؤكد أيضا أن تفجير اسرائيل لأجهزة البيجر اللبنانية لن يعيد مستوطنوا الشمال ولن يحقق إضعاف القوة العسكرية لحزب الله ولكنه ظهر كرد استعراضى يوضح امتلاك إسرائيل لنجاح استخباراتى يغطى الإخفاق العسكرى ويكشف بما لايدع مجالا للشك أن الأداء العسكرى لايتناسب مطلقا مع الأداء الاستخباراتى ففى الوقت الذى أكد فيه الجيش الإسرائيلى أنه أنتهى من تفكيك لواء رفح التابع لحماس فقد كان أربعة من ضباطه وجنوده على موعد مع الموت بعد أن فجرهم لواء رفح فى منزل ضمن مئات المنازل المفخخة في رفح.

رد حسن نصر الله

ويترقب العالم كله كلمة حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله غدا الخميس لكشف أبعاد ماحدث فى ضوء تحقيقات أجهزة الحزب فى أسباب ودواعى الإنفجار وكذلك إنتظارا لما سيعلن عنه نصر الله من خطوات الرد على هذا الهجوم.
وفى تقديرنا الشخصى فإن كلمات حسن نصر الله يجب أن تختلف هذه المرة عن سابقاتها حيث لن تجدى كلمات الصبر الاستراتيجى ولا صبر سنابل ولا سرد رصد المواقع العسكرية الإسرائيلية ولا الرد المحسوب الذى لايؤدى إلى اندلاع حرب شاملة ولا النظر بعين الاعتبار للمصالح الإيرانية ولا غيرها من الأقوال التى ستضعف كثيرا صورة الأمين العام لحزب الله فى أعين سكان الضاحية الجنوبية واللبنانين عموما و سائر المتعاطفين مع محور المقاومة الذى يشكل حزب الله رأس الحربة فيه.
إما أن يكون الرد على مستوى تفجيرات البيجر أو يتنحى حزب الله جانبا ويفسح المجال للاعب الحوثى الجديد الذى يتقدم بسرعة شديدة لمركز رأس الحربة وخاصة أن الحوثيين أزعجوا إسرائيل وقبلها أمريكا بالصاروخ الفرط صوتى الذى ضرب تل أبيب في ذكرى المولد النبوي الشريف يوم الأحد ١٥ سبتمبر ٢٠٢٤ وأزعجوا كذلك الولايات المتحدة الأمريكية التى اعترفت بإسقاط الحوثيين لطائرتين مسيرتين من طراز MQ9 بصواريخ أرض جو محلية الصنع علاوة على تفكيك الحوثيين فى شهر مايو الماضى شبكة جواسيس في اليمن تابعة للكيان الاستخباراتى المسمى القوة ٤٠٠ وتعمل لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل وتقوم بجمع معلومات ورصد مواقع إطلاق الصواريخ والمسيرات والزوارق التابعة للحوثيين فى الساحل الغربى لليمن.

فى انتظار القادم

ويبدو أن الأيام القادمة حبلى بالأحداث الملتهبة على جميع ساحات المواجهات مع اسرائيل وخاصة أن إيران لم تنفذ حتى اللحظة ردها على إغتيال إسماعيل هنية وكذلك حزب الله الذى وبالتأكيد سيقوم برد قوى على تفجيرات البيجر بما يقضى مؤقتا على أى أمل للتسوية السلمية والمفاوضات سواء في قطاع غزة أو على الجبهة اللبنانية.

وأخيرا تطرح العملية عدة تساؤلات جديدة عن اختراق أجهزة الإتصال اللاسلكية وهل يتضمن ذلك تنفيذ لتهديد اسرائيل بإعادة لبنان إلى العصر الحجرى؟.

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى