«تاريخ أغفله التاريخ»: كارثة الميج السورية فى سماء لبنان.. كيف وقعت.. ولماذا ؟ (ج1) 

أحمد أبو بيبرس

سردية يكتبها: أحمد أبوبيبرس

أولاً: تدمير بطاريات الصواريخ البقاع السورية

إنها تلك الكارثة أو المذبحة التى وقعت لطائرات الجيش العربى السورى فى سماء سهل البقاع فى لبنان إبان مرحلة الغزو الإسرائيلى للبنان خلال شهر يونيو 1982 بواسطة سلاح الجو الصهيونى الغادر وأدت إلى تدمير وإسقاط حوالى 81 طائرة مقاتلة سورية من طرازات الميج على مدار ثلاثة أيام فى كمائن جوية معادية مايمكن إعتباره هزيمة يونيو الثانية التى أوقعتها إسرائيل فى صف قوة جوية عربية للمرة الثانية منذ هزيمة يونيوالأولى عام 1967

المقدمة السياسية للأحداث

كانت إسرائيل بعد غزوها الأول للبنان سنة 1978 تفكر بغزو لبنان منذ العام 1981 بشكل أوسع وكانت تهدف إلى تدمير منظمة التحريرالفلسطينية وإخراجها من لبنان ثم المساعدة في تنصيب حلفائها على سدة الحكم في لبنان تمهيدا لفرض إتفاقية سلام على لبنان. وكان ينقصها الحجة فقط، وساعدها على (البرطعة) بكامل حريتها فى المنطقة العربية ذلك الوقت هو إنشغال العراق فى الحرب مع إيران منذ عام 1980 ومصر مكبلة بقيود معاهدة السلام الخيانية التى وقعها الرئيس المصرى أنور السادات سنة 1979.
في 3 يونيو / حزيران 1982 تعرض السفير الإسرائيلي في لندن لمحاولة إغتيال أصيب فيها بجروح , وقد كانت منظمة أبو نضال التي نفذت عملية إغتياله وهي منشقة عن منظمة التحرير الفلسطينية، ولكن إسرائيل إستعملت الموضوع كحجة للغزو والإدعاء بان منظمة التحرير خرقت وقف سابقا لإطلاق النار منذ العام 1981 .
كانت هذه الفرصة لمناحيم بيجن وأرييل شارون حتى يقوما بإرسال الطيران لقصف موسع على المخيمات الفلسطينية في لبنان من البر والبحر والجو. وبدء عملية إجتياح لبنان تحت إسم سلام الجليل.

قام الطيران الإسرائيلي في 4-يونيو / حزيران -1982 بقصف بيروت الغربية وجنوب لبنان موقعا عشرات الضحايا , فرد الفدائيون الفلسطينيون بإطلاق صواريخهم الميدانية القصيرة المدى على شمال الكيان الصهيوني فقتلوا إسرائيليا وجرحو أكثر من 10 آخرين.
وفي 6 يونيو حزيران 1982 بدأ الغزو البري وإخترق الجيش الإسرائيلي الحدود اللبنانية فى عملية سلام الجليل , وجرت معارك طاحنة مع قوات منظمة التحرير الفلسطينية والميليشيا اللبنانية الحليفة لها.

بقي الجيش السوري في الأيام الثلاثة الأولى للحرب على الحياد ولم يكن الرئيس حافظ الأسد يرغب في خوض المعركة بل كان يصدق أن العدو الإسرائيلى سيكتفى فقط بخوض القتال ضد منظمة التحرير الفلسطينية فى لبنان , وإقتصر النشاط العسكري السوري أثناء الأيام من 6 إلى 8 حزيران على إرسال بعض الطائرات لخوض بعض الإشتباكات الصغيرة مع الطيران الإسرائيلى لذا ظلت إسرائيل هى التى تتمتع بالمبادأة العسكرية.

بداية المأساة كانت الرغبة الإسرائيلية فى تدمير شبكة الدفاع الجوى السورى فى سهل البقاع

كان بيجن وشارون ينتظران حسم المعارك في جنوبي لبنان مع منظمة التحرير الفلسطينية قبل خوض القتال مع الجيش السوري والذي كان بدوره يتطلب تحقيق السيطرة الجوية الكاملة على سماء المعركة.
كان لسوريا قبل الحرب 16 بطارية صواريخ سام 6 منصوبة في سهل البقاع، وقد راهنت القيادة السورية على حركيتها وصغرها ورأت أنها ستكون بذلك أكثر مناعة ضد القصف الجوي (رغم أنها وضعتها في مواقع ثابتة) بينما كان من الأفضل دعمها ببطاريات سام 3 على الأقل بعد تحصينها في دشم خرسانية (رغم أن سام 6 أكثر تطورا ولكن سام 3 أبعد مدى إضافة إلى أن تحصينه ضمن خراسانات مسلحة سيخفف من الأضرار) اضافة لذلك فقد كانت تلك البطاريات معزولة عن شبكة الدفاع الجوي السوري الرئيسية الأم المكلفة بحماية سوريا.

ظل سلاح الجو الإسرائيلى على مدار عام 1981 يقوم بعمل إستطلاع جوى لمدة سنة كاملة لبطاريات الصواريخ السورية فى سهل البقاع بطائرات الفانتوم الإستطلاعية والطائرات الأخرى المساعدة بدون طيار من طراز ماستيف

فى ليل 8 يونيو دفعت القيادة السورية بعض التعزيزات للقوات البرية في البقاع كما أرسلت 3 بطاريات سام 6 إضافية (صار العدد بذلك 19 بطارية)، ولكن مع ذلك فقد بقي هناك استرخاء عسكرى سورى لأن القيادة السورية كانت قد صدقت تأكيدات الجيش الاسرائيلي بأنه سيواجه منظمة التحرير الفلسطينية فقط ولن يتجاوز مسافة ال 40 كلم عن الحدود اللبنانية كحزام آمن، لكن كانت اسرائيل تفكر بشكل مختلف فقد كانت ومنذ لحظة ادخال الصواريخ السورية عام 1981وقد أعدت الخطط لتدميرها وقامت باستطلاعها طوال سنة كما ذكرنا.

ليست هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها طائرات بدون طيار ضد صواريخ سام. لقد فعلتها الولايات المتحدة في فيتنام. واسرائيل في مصر. لكن استخدام الطائرات بدون طيار الآن سيكون هائلاً ومهامها أكثر تنوعًا: نقل صور ساحة المعركة في الوقت الفعلي ، الاستطلاع الإلكتروني ، تحديد بالليزر …. وفي الأشهر الأخيرة ، درست إسرائيل النظام الإلكتروني للمعركة في البقاع: الترددات ، وتغطية الرادار ، والإجراءات الروتينية وأوقات رد الفعل لمشغلي صواريخ سام .

بدء عملية تدمير صواريخ الدفاع الجوى السورى يوم 9 يونيو 1982

في يوم 9 حزيران اقتربت قوة اسرائيلية برية من تشكيل سوري في عين زحلتا جنوب طريق دمشق بيروت وقد حبست القوات السورية النيران في البداية ثم إضطرت لفتح النار عليها في تلك المنطقة وحدثت مواجهة بينهما إثر ذلك وكانت تلك الحجة التي يريدها شارون.

بعد المواجهة في عين زحلتا تلقت القوات الإسرائيلية الأوامر ببدأ عملية (كريكيت 19) والتي تهدف لتدمير بطاريات الصواريخ السورية.
قبل العملية حلقت فوق سماء سهل البقاع طائرات الاستطلاع من دون طيار (سكوت – ماستيف)، المزودة بكاميرات لاعطاء صورة كاملة للمعركة ورصد مواقع الدفاع الجوي السورية في البقاع كما تحمل تلك الطائرات أجهزة لإضاءة الأهداف بالليزر لتوجيه القذائف.

فضلاً عن ذلك فوق جبل لبنان قامت طائرات هليكوبتر إسرائيلية من طراز سيكوريسكى أمريكية الصنع ومعها طائرات أخرى من طراز( أرافا ) إسرائيلية الصنع بعملية مسح لموجات الرادار السورية ومعرفة تردداتها وتحقيق تشويش إليكترونى على ردارات بطاريات الصواريخ السورية وموجات اجهزة اللاسلكى، بينما حلقت في الإنتظار فوق البحر وعلى طول الساحل اللبناني أكثر من 210 طائرات اسرائيلية (منها حوالي 110 طائرات فانتوم و(كفير) ( طائرة ميراج معدلة ى إسرائيل ) منها 20 طائرة فانتوم محملة بصواريخ جو-أرض راكبة للإشعاع بينما ال 90 طائرة الباقية كانت من طراز فانتوم وكفير محملة بقنابل وصواريخ جو – أرض أخرى إضافة ل 100 طائرة إف 15 وإف 16 مجهزة للمعارك الجوية) فى كمين جوى شنيع ضخم لم يحدث مثله حتى فى حرب أكتوبر عام 1973 ويخدم كل هذا العدد الهائل من المقاتلات الإسرائيلية طائرات الحرب الإليكترونية من طراز E2C وهى بمثابة مركز قيادة جوى طائر فى السماء يقوم بتوجيه أعمال كل هذا العدد من الطائرات ومن خلال طيرانها على إرتفاعات عالية تقوم الطائرة المذكورة بالابلاغ والتحذير فورا عن اقتراب أى مقاتلة سورية قادمة أو محلقة فى الجو كما تستطيع كشف الأفق لمئات الكيلومترات من كاة الإتجاهات ولزوايا ولا تملك سوريا مثيلا لها.
بعد أن إتخذت القوات الجوية الإسرائيلية مواضعها المبينة بدأت العملية بإطلاق طائرات من دون طيار من طراز (سامسون) وهي طائرات لا تستعاد (أي مصممة لطلعة جوية واحدة) وتعمل كأهداف وهمية وهي مجهزة بعواكس ركنية يجعلها تظهر على شاشة الرادار ببصمة طائرة فانتوم كما هي مجهزة أيضا بمستودعات لإطلاق الرقاقات المعدنية لتشتيت موجات الرادار.

قامت الدفاعات الجوية السورية بتشغيل رداراتها والإشتباك مع هذه الطائرات ظنا منها أنها طائرات حقيقية وأطلقت عليها عدة صواريخ سام وتعرضت الردارات السورية لحملة تشويش وإعاقة إليكترونية مكثفة من طائرات الهليكوبتر الإسرائيلية من طراز سيكورسكى وطائرة بوينج 707 محلقة لتعمية ردارات البحث وردارات إلتقاط الأهداف وعلى أثر ذلك قامت 20 طائرة فانتوم إف / 4 بقصف محطات الرادار السورية

شاركتها قواذف صواريخ إسرائيلية من طراز (إستاندرد) راكبة الشعاع الرادارى تطلق من الطائرات مخصصة لتدمير محطات الرادار وبتعديل إسرائيلى تم تحميل هذه الصواريخ على منصات أرضية لقصف الصواريخ السورية من الأرض وقد كان نصيب كل رادار بطارية سورية حوالي 7 صواريخ راكبة للإشعاع (4 منطلقة من طائرة فانتوم و 3 منطلقة من منصة أرضية).

وفي نفس الوقت الذي كانت فيه الصواريخ الراكبة للإشعاع تنطلق بإتجاه رادارات الإشتباك السورية كانت المدفعية الإسرائيلية بعيدة المدى عيار 155 ملم تطلق قذائف (الكوبرهيد) الموجهة بالليزر على رادارات البحث السورية.

بعد هذا الهجوم الأولي تضعضت قدرة الدفاع الجوي السوري في سهل البقاع بنسبة كبيرة وصار مشلولا تقريبا وعلى اثر ذلك قامت طائرات الفانتوم والكفير الإسرائيلية بقصف الرادارات القليلة التي نجت من التدمير نتيجة عمل (إغلاق) عليها بصواريخ جو-أرض من طراز AGM- 65 مافريك موجهة بالليزر.

بينما قامت بقصف مقرات القيادة والسيطرة المحصنة ومراكز الإتصال ومستودعات الذخيرة بالقنابل الفراغية والقنابل الشديدة الإنفجار كما ألقت بالقنابل العنقودية المضادة للدروع على العربات المتحركة الحاملة للصواريخ سام 6 وعلى المدفعية المضادة للطائرات.

الإجراءات السورية المضادة

فى محاولات يائسة من أبطال الدفاع الجوى السورى نتيجة للتشويش قام بعض قادة البطاريات السورية بتشغيل الرادارات بأقصى إستطاعة ممكنة في محاولة يائسة للتغلب على التشويش وكان هذا العمل إنتحارا لهم إذ أنه سهل للصواريخ الراكبة للإشعاع الإستدلال على أهدافها بدقة أكثر في الوقت الذي لم يتمكن فيه أطقم البطاريات من رؤية تلك الصواريخ ولا الطائرات التي أطلقتها نتيجة للتشويش على رادراتهم والذي أدى للإعماء التام.
ـــ بعض قادة البطاريات تصرفوا بذكاء أكثر نسبيا فحين شعروا بعدم القدرة على مواجهة التشويش قاموا بإطفاء أجهزة الرادار حتى لا تكون هدفا للصواريخ الراكبة للإشعاع فنجت بذلك راداراتهم من التدمير مؤقتا.
ــ كذلك إستعاضوا عن محاولات الإشتباك مع الطيران الإسرائيلى بردارات التوجيه بأجهزة التسديد البصرى والكاميرات التليفزيونية وهى وسيلة غير دقيقة عموما.

ـ أيضا حاول بعض قادة البطاريات إطلاق الصواريخ بشكل غير موجه إلى السماء فى محاولة منهم لردع وإخافة الطيارين الإسرائليين فى الجو وقد تم إطلاق حوالى 57 صاروخ ضد الطائرات المغيرة ولم يجدى ذلك فتيلاً بل ساهم ذلك التصرف فى تبديد عشرات الصواريخ الثمينة.

صورة ملتقطة من الجو لبطارية صواريخ سورية

النتيجة النهائية

وبنهاية الهجوم كانت 17 بطارية من أصل 19 قد دمرت بالكامل فيما تضررت بطاريتين بشكل كبير ودمرت كل رادارات الإنذار المبكر في البقاع وغالبية مراكز القيادة والسيطرة لقوات الدفاع الجوي بينما لم تخسر القوات الإسرائيلية أي طائرة مقاتلة بنيران الدفاعات الجوية السورية (أسقط عدد لم نقم بإحصائه من الطائرات الإستطلاعية دون طيار من طرازي سكوت وماستيف ومن الطائرات دون طيار العاملة كأهداف وهمية من طراز سامسون ولكن لا يعتبر إسقاط تلك الطائرة الأخيرة نجاحا لأنها أصلا هدف وهمي وهي طائرة لا تستعاد ومخصصة لطلعة جوية واحدة).

.……………………………………………………………………………………

مصادر المقال:
– موقع المجموعة 73 مؤرخين ـ أسرار القتال الجوى فى السماء اللبنانية
– الهزيمة السوفيتية في سهل البقاع ـ موقع أخبار الدفاع العربى

اقرأ فى هذه السلسلة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى