محمد أنور يكتب: لا إكراه في الدين
بيان
جاءت هذه الكلمات في الآية السادسة والخمسين بعد المائتين من سورة البقرة، فلم يكن الهدف للفتوحات العربية نشر الدين الاسلامي وإنما بسط سلطان الله في أرضه، فكان للنصرانى أن يظل نصرانيا، ولليهودى أن يظل يهوديا كما كانوا من قبل، ولم يمنعهم أحد أن يؤدوا شعائر دينهم، وما كان الإسلام يبيح لأحد أن يفعل ذلك.
بل قيل إن الفاتحين وضعوا العراقيل أمام أهل الامصار المفتوحة من أهل الذمة، وذلك لحاجتهم إلى الجزية التى كانت تسقط عن الذمى بمجرد اعتناقه الاسلام، ولقد كان بطبيعة الحال من النصارى واليهود أن يسعوا سعيا لاعتناق الاسلام والأخذ بحضارة الفاتحين، واتخذوا أسماءا عربية وثيابا عربية، وعادات وتقاليد عربية، واللسان العربي، وتزوجوا على الطريقة العربية ونطقوا بالشهادتين، لقد كانت الروعة والجمال في أسلوب الحياة العربية، والتمدن العربى، والمروءة والأخلاق الحميدة والجمال، واصبح الكثير من اليهود والنصارى يقرؤون اساطير العرب ويتدارسون كتابات المسلمين من الفلاسفة وعلماء الدين، ليس ليدحضوها وانما ليتقنوا اللغة العربية ويحسنوا التوسل بها حسب التعبير القويم والذوق السليم.
سحر أسلوب المعيشة العربي واجتذب النصارى واليهود في وقت قصير، كما تؤكد شهادة الفارس الفرنسي فولشير الشارتى، يقول: ها نحن ابناء الغرب قد صرنا شرقيين، واعجابه بذلك العالم العربى بما يعبق به من عطر وألوان، تبعث النشوة في الوجدان، ثم يتساءل مستنكرا ( افبعد هذا كله ننقلب إلى الغرب الكئيب؟! بعد ما افاء الله علينا وبدل الغرب إلى الشرق.
يثبت التاريخ أن الدور الحاسم في انتشار الإسلام يرجع إلى التسامح العربي، وليس هذا الشعار الذي ينشره الغرب والكنيسة بأن الإسلام انتشر بالنار وحد السيف البتار، كل ذلك كذب لا أساس له من الصحة التاريخية أو الحقيقة الواقعية.
وعلى كل ذلك مما تحلى به العرب من السماحة والرحمة التى نص عليها الإسلام، فقد تميزوا بالقوة والقدرة على صد أى عدو، فكان الجهاد في سبيل الله بمثابة التأهب اليقظ الدائم للامة الإسلامية للدفاع بردع كافة القوى المعادية التي تقف في وجه تحقيق ما شرعه الاسلام من نظام اجتماعي اسلامى في ديار الإسلام .
وكما عرفنا عندما فتح صلاح الدين الايوبي بيت المقدس واسترده مرة أخرى، بعد ما انتزعوه الصلبين بسفك الدماء والقسوة والمذابح التى ارتكبوها، فلم ينتقم صلاح الدين الايوبي من النصارى لسفك دم المسلمين، بل انه شملهم بمروءته، واسبغ عليهم من جوده ورحمته، ضاربا المثل في التخلق بروح الفروسية العالية.