طارق صلاح الدين يقرأ المشهد: حماس بعد السنوار
بيان
“ما أشبه الليلة بالبارحة” كما يقولون، وينطبق القول على فلسطين ولبنان حيث تتطابق الأحداث والأمور بشكل رهيب ومخيف وبالتأكيد ستكون النتائج على نفس القدر من التشابه لأن الظروف والتطورات والتحديات واحدة.
فى ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ ضرب زلزال ضخم حزب الله باغتيال قائده حسن نصر الله، وتوقع الجميع وقتها أن تنهار قدرات الحزب العسكرية قبل السياسية، وانطلقت إسرائيل بعد
ثلاثة أيام فقط إلى اجتياح الجنوب اللبنانى بقناعة تامة من انهيار معنويات مقاتلى حزب الله ولكن العكس تماما هو ما حدث، فقد استعاد حزب الله سريعا جدا عافيته وقدراته وتصدى لنخبة الجيش الإسرائيلى وهو لواء النخبة بكل بسالة وقوة منعت إسرائيل من التوغل في أراضى الجنوب على مدى ثلاثة أسابيع وهو فشل عسكرى بكل المقاييس شهدته ساحة غزة على مدى أكثر من عام.
وتستعد إسرائيل لنسخ ماحدث في لبنان حيث تم استشهاد يحيى السنوار يوم الأربعاء ١٦ أكتوبر ٢٠٢٤ وأعلنت اسرائيل فى يوم الخميس التالى مباشرة ليوم الاستشهاد أنها قتلت السنوار بمحض الصدفة البحتة حيث اشتبه الجنود الإسرائيليين بحركة غير عادية فى إحدى البنايات في رفح وبعد اشتباكات مع المجموعة الموجودة في المبنى تم استدعاء دبابة لقصف المبنى حيث عثر على السنوار بكامل ثيابه العسكرية وسلاحه الكلاشينكوف وكان السنوار فى المبنى، وليس مختبئا في نفق أو بجوار الأسرى محتميا بهم.
الرواية المتداولة
استشهد السنوار فى مكان لايتحتم وجوده فيه حيث أن القائد لايجب أن يشتبك في الصفوف الأولي حين يكون فى ظرف بالغ الحساسية مثل ظرف السنوار الذى يدير معركة مصيرية منذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ ومسئول بالكامل عن ملف الأسرى الإسرائيليين ويشغل قمة الهرم القيادي السياسى في حركة حماس.
وفى تحليلى الشخصى فإن الغموض يحيط بمشهد استشهاد السنوار من جميع الجهات، وسوف يمر وقت طويل قبل سبر أغواره لأن السنوار غامر بكل مسؤلياته وملفاته حيث لايجب أن يفرط فيها وضرب المثل الأعلى الأسطورى فى شجاعة ليس هذا مكانها ولا أوانها وبالتأكيد هناك مادفعه إلى ذلك وسيكشف عنه قادم الأيام عندما تضع الحرب أوزارها.
تحليل الموقف
وفى السطور التالية نحلل مواقف كافة الأطراف من عملية استشهاد يحيى السنوار وعلى رأس هذه الأطراف صاحب الفعل وهو الجانب الإسرائيلى الذى عاد من جديد ليعيش نشوة مشابهة لنشوة اغتيال حسن نصر الله وربما أكثر منها بكثير، حيث كان نصر الله مجرد مساند للفاعل الأصلى وهو السنوار صاحب هجوم السابع من أكتوبر والمخطط الرئيس له إلى جانب القائد الميدانى لحركة حماس محمد الضيف.
وبسرعة قصوى خرج نتنياهو إلى العالم في كلمة مسجلة يعلن أن اليوم التالى لحماس بدأ ولكن اليوم التالى للحرب لم يبدأ بعد، وأنه يمنح مقاتلى حماس فرصة ذهبية نادرة لتسليم الرهائن وكذلك أسلحتهم مقابل ضمان نتنياهو لحياتهم وخروجهم الآمن من غزة وأن حماس يجب أن تغتنم هذه الفرصة.
من جهتها انتظرت حركة حماس ٢٤ ساعة كاملة قبل التعليق على استشهاد يحيى السنوار وفى الثالثة عصر اليوم الجمعة ١٨ أكتوبر ٢٠٢٤ خرج خليل الحية على الملأ، متحليا بلقب رئيس حركة حماس في غزة وخليفة للسنوار ليؤكد خبر استشهاد السنوار ويقرنه بالإصرار الرهيب على ثوابت الحركة وشروطها لإجراء صفقة تبادل الرهائن وفى مقدمتها التزامات الثانى من يوليو ٢٠٢٤ بانسحاب شامل لإسرائيل من قطاع غزة ورفع الحصار وعودة سكان شمال غزة وإعادة الأعمار.
ولعل تأخر حماس في الإعلان عن تأكيد استشهاد السنوار يعود إلى طبيعة الاتصالات المعقدة مع القطاع ومع السنوار نفسه وكذلك إلى محاولة حماس إلتقاط الأنفاس واستعادة التوازن بعد هذه الضربة المؤلمة ولتواجه نتنياهو بعكس كل مايتوقعه ويعلنه وهى بالتأكيد فرصة لا تتكرر لنتنياهو لينقل شروطه من الساحة العسكرية ويربطها بالساحة السياسية واشتراطات اليوم التالى للحرب بما يمكنه من التهرب من ملف الأسرى لفترة طويلة قادمة.
جاء بيان حماس متماسكا ليعيد إلى الأذهان أجواء إاغتيال الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس في عملية عسكرية إسرائيلية بقصفه وهو على كرسيه المتحرك في ٢٢ مارس ٢٠٠٤.
وبعد مرور أقل من شهر اغتالت اسرائيل خليفة أحمد ياسين وهو القيادى عبدالعزيز الرنتيسي فى ١٧ إبريل ٢٠٠٤.
وتوقع الجميع فى ذلك الوقت أن تنهار حماس ولكن العكس تماما هو الذى حدث حيث استعادت الحركة قوتها بسرعة وخاضت سلسلة طويلة من المواجهات مع اسرائيل انتهت بهجوم السابع من أكتوبر.
وبناءا على هذه المعطيات كان منطقيا جدا أن يترجم خليل الحية الموقف المستقبلى لحماس بالتأكيد على ثوابت الحركة التى أعلنها وتمسك بها السنوار لأن الانحراف عنها سيمثل خيانة واضحة لدماء السنوار ومعه أكثر من أربعين ألف شهيد فلسطينى فى قطاع غزة.
بالتأكيد الظرف الحالى أصعب كثيرا من وضع اغتيال أحمد ياسين، والرنتيسى، حيث تبدو الحركة منهكة من قتال استمر على مدى عاما كاملا تحت حصار خانق يمنع دخول السلاح وقبله الماء والوقود والغذاء والدواء، ولكن على الرغم من الإنهاك أثبت مقاتلو حماس بأسا شديدا في المواجهات التى كان آخرها كمين الصابرين ٢ حيث تمت عملية تفجير عين نفق فى جنود إسرائيليين للمرة الثانية وخلال خمسة أيام فقط وفى نفس المكان حيث توقع مقاتلو حماس عودة الجنود الإسرائيليين لنفس النفق الذى تم تفجيره مرة أخرى حيث تم التفخيخ مجددا ثم التفجير بعد استدراج الجنود، وبثت القسام فيديو مصور يظهر تطاير أشلاء الجنود الإسرائيليين بعد تفجير عين النفق بهم وعنونت الفيديو بـ “كمين الصابرين ٢” وقالت إنه للمرة الثانية وفى نفس المكان يتم اصطياد الأغبياء.
ورصد الفيديو قدوم المروحيات الإسرائيلية لانتشال القتلى والجرحى في كمين النفق.
عكس مايعتقد نتنياهو
وعلى عكس مايعتقد نتنياهو فإن استشهاد السنوار قد زاد المشهد تعقيدا، وفرض حتمية قواعد وقف إطلاق النار التى حددها السنوار والذى يبدو أنه سيظل حاضرا في المشهد لفترة طويلة وسيظل إصراره وتمسكه بإدارة المعركة على المستوى العسكرى والسياسى قائما وملزما ومحاصرا لقادة حماس ومانعا لهم من الانحراف عن هذه المسلّمات أو محاولة التفريط فيها حيث تم تغليف هذه الاشتراطات بدماء الشهداء من الشعب الفلسطيني قبل دماء قادة حركة حماس وفى مقدمتهم يحيى السنوار وإسماعيل هنية وصالح العرورى وغيرهم الكثير والكثير.
وأرى أن ساحة المواجهة مع الجيش الإسرائيلى ستشهد تصاعدا شديدا على غرار ماحدث ولايزال يحدث في مواجهات اسرائيل مع حزب الله حيث تحولت دماء نصر الله إلى وقود لاينضب لمعركة استنزاف طويلة مع الجيش الإسرائيلى ونتنياهو الذى ارتفع سقف طموحاته بعد سلسلة الاغتيالات الأخيرة وأبرزها اغتيال نصر الله والسنوار، فأعلن الإنطلاق إلى شرق أوسط حديث وليس كبير أو جديد وأبرز ملامحه القضاء على إيران وأذرعها فى المنطقة، وأولها حزب الله الذى يشتبك معه الجيش الإسرائيلى فى معارك ضارية يبدو منها أن نتنياهو ماض فى خطته لاحتلال لبنان غير عابىء بأى تضحيات أو خسائر يتعرض لها مدعوما من الولايات المتحدة الأمريكية التى تتولى نيابة عن إسرائيل توجيه الضربات إلى الحوثيين وأحدثها ١٥ غارة جوية استهدفت فجر الخميس ١٩ أكتوبر ٢٠٢٣ مخازن الأسلحة جنوب صنعاء والحفاء وجربان وكهلان والعبلا شرق مدينة صعدا بقاذفات بى ٢ سبيريت الضخمة التى يتم إستخدامها للمرة الأولى بقنابل ضخمة تزن عشرات الأطنان من المتفجرات وقادرة على اختراق باطن الأرض.
وعلى الرغم من ضخامة الضربات إلا أن جماعة أنصار الله الحوثيين أعلنت أنها ستواصل دعم غزة ولبنان وحصار ميناء إيلات الإسرائيلى ومنع الملاحة عنه حيث انعكس ذلك اقتصاديا بالسلب على إسرائيل وتمثل ذلك في إعلان موقع WORLD CARGO NEWS إفلاس ميناء إيلات بسبب انخفاض نشاطه بنسبة ٨٥% ، ما دفع سلطات الميناء إلى طلب المساعدة المالية من الحكومة الإسرائيلية.
إيران
أما إيران الراعى الرسمى لمحور الممانعة فتجد نفسها في موقف لاتحسد عليه بعد سلسلة إخفاقات رهيبة بسبب إعلانها مبدأ الصبر الإستراتيجي حيث تسبب منها لحزب الله من خوض المواجهات مع اسرائيل كجبهة حرب إلى جانب غزة خوفا من التصعيد مع الولايات المتحدة الأمريكية تارة، وتارة أخرى قامت بمنع حزب الله من الرد الحاسم على إسرائيل منذ استهدافها صالح العرورى قائد حركة حماس في الضفة الغربية والذى قتلته إسرائيل فى قلب الضاحية الجنوبية وتسبب عدم الرد عليه بذات القوة أن تتوالى الاغتيالات الإسرائيلية لقادة حزب الله حتى طالت رئيس الحزب نفسه حسن نصر الله.
وبالإضافة إلى تأخر الرد الإيرانى على اغتيال إسرائيل لإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس فى قلب العاصمة الإيرانية طهران فى ٣١ يوليو ٢٠٢٤ ولم ترد إيران إلا في أول شهر أكتوبر الحالى بعدان أعلن الجيش الإسرائيلى اجتياحه لجنوب لبنان.
وتقف إيران في الركن منتظرة الرد الإسرائيلى ومتوعدة كالعادة برد أقوى يأتى متأخرا في الغالب وليس على نفس قوة الوعيد.
وبدأت إيران حراكا سياسيا لمنع إسرائيل من استخدام أجواء الدول المجاورة عن طريق قيام وزير الخارجية الإيرانى عباس عراقجى الذى زار الأردن وحصل على تصريح من وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدى بعدم السماح لإسرائيل بإستخدام الأجواء الأردنية في ضرب إيران.
وتوجه عراقجى إلى مصر في محاولة لتقارب دعمته وساطة عمانية، وقدمت له عملية استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية طمعا في إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين مصر وإيران.
وبالإضافة للأردن ومصر شملت الجولة تركيا والعراق طمعا في كسب دعم إقليمي يحقق توازن استراتيجى مع إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية.
إلا أن التحركات الإيرانية وقعت في خطأ فادح ثمثل فى حديث رئيس البرلمان الإيرانى محمد باقر قاليباف إلى صحيفة لوفيجارو الفرنسية والذى أكد فيه أن إيران مستعدة للتفاوض مع فرنسا بشأن تطبيق قرار مجلس الأمن رقم ١٧٠١ مما أثار حفيظة نجيب ميقاتى رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية الذى اعتبر تصريحات قاليباف تدخلا فاضحا في الشأن اللبنانى، ومحاولة تكريس وصاية مرفوضة على لبنان وطلب من وزير الخارجية اللبنانى عبدالله بوحبيب استدعاء القائم بأعمال السفارة الإيرانية للاحتجاج على هذه التصريحات والاستفسار عن ماهو مقصود بها فاضطرت إيران لاحقا إلى الإعلان أنه تم تحريف تصريحات قاليباف وأنه لم يقصد مانشرته لوفيجارو.
تناغم الكيان الصهيونى وأمريكا لن يجدى
ونعود لإسرائيل التى تعمل بتناغم شديد مع الولايات المتحدة للقضاء على قدرات إيران ومحورها ليتم رسم شكل جديد للشرق الأوسط بأكمله ولكن لاتبدو هذه المهمة سهلة على الإطلاق رغم مايضع لها نتنياهو من لمسات تحمل شكل الانتصار دون مضمونه بعمليات اغتيال لم تفلح حتى الآن في تحقيق أهدافه من الحرب على غزة.
ونؤكد أن غزة ستشتعل أكثر بعد استشهاد السنوار، ولا إعادة للأسرى الذين ربما نشهد مقتل الكثير منهم خلال الفترة القادمة، ولا القضاء على قدرات حماس لأن التغتيال لايعنى على الإطلاق القضاء على القدرات، ولا إعادة مستوطنى الشمال إلى مستعمراتهم بعد اغتيال حسن نصر الله، ولا ردع إيران عن توجيه ضربتها الثانية فى مطلع شهر أكتوبر الجارى بعد ضربتها الأولى في أبريل الماضى.
رهان نتنياهو
ويراهن نتنياهو على استمرار فترة البطة العرجاء وهو المصطلح الذى يتم إطلاقه على الفترة السابقة على الانتخابات الأمريكية لتنفيذ المزيد من المجازر في شمال قطاع غزة وتنفيذ خطة الجنرالات للحصار المشدد ومنع الطعام والشراب والعلاج للضغط على سكان شمال غزة للنزوح للجنوب، وتدمير الشمال تماما، وخلق واقع ديموجرافى جديد يفصل الشمال ويجعله حزاما أمنيا، مثلما يتم التخطيط لجنوب لبنان بتدمير القرى الحدودية وخلق واقع جديد يسمح بشريط أمنى على الحدود.
ويحلم نتنياهو بتكرار نموذج مفاوضات غزة تحت النار مع لبنان لإفساح الوقت أمامه لإحداث أكبر دمار ممكن بلبنان والقضاء على قدرات حزب الله أو تخفيضها إلى المدى الذى لاتستطيع معه تهديد مستوطنات الشمال مرة أخرى.
ويتطلع نتنياهو إلى ضرب المنشآت النووية الإيرانية للتخلص من كابوس حيازة إيران للسلاح النووي إلى الأبد.
فهل تنجح مخططات نتنياهو المدعومة أمريكيا أم تفشلها جهود المقاومة الفلسطينية واللبنانية واليمنية تحت قيادة المايسترو الإيراني؟!.
هذا ما ستجيب عليه الأيام القادمة بما تحمله من أحداث نتوقع أن تكون جسام.