طارق صلاح الدين يقدم تقريرا عسكريا استراتيجيا للموقف على جبهات المقاومة ضد إسرائيل
بيان
ما توقعناه فى التقرير السابق الذى حمل عنوان: ” إسرائيل تترنح وحزب الله يستعيد توازنه”، حدث تماما وأكدته الأيام القليلة السابقة، واسمحوا لنا أن ننشط ذاكرتنا ونراجع بعض ما توقعناه.
منذ إنطلاق العملية البرية الإسرائيلية في مطلع شهر أكتوبر الجارى على جبهة لبنان.. فشلت الفرق الخمسة لقوات النخبة العسكرية الإسرائيلية في احتلال قرى جنوب لبنان فى الوقت الذى تحرك فيه حزب الله على مستوى ضرب مثلث إسرائيل الوجودى سواء اقتصاديا فى حيفا باستهداف مجمعات للصناعة العسكرية أو استهداف العاصمة السياسية لإسرائيل، تل أبيب وضواحيها التى تتواجد بها قاعدة جليلوت الاستراتيجية التى تتعرض للاستهداف المستمر من صواريخ حزب الله أو العاصمة التاريخية وهى القدس التى باتت هدفا واضحا لصواريخ الحزب.
المواجهات الميدانبة
وعلى صعيد المواجهات الميدانبة فى الحافة الأمامية بجنوب لبنان لم يتمكن الجيش الإسرائيلى من السيطرة الكاملة على قرية واحدة من قرى الجنوب اللبنانى.
وعلى الرغم من ثقل فرق النخبة الإسرائيلية على هذه الجبهة مثل الفرق التى تحمل أرقام ١٤٦ ، ٣٦ ، ٩١ ، ٩٨ ، ٢١٠ فقد نجح مقاتلو حزب الله غير النظاميين فى منع هذه الفرق التى تضم نخبة المقاتلين الإسرائيليين من السيطرة على قرية واحدة واشتبكوا معها من المسافة صفر اشتباكات مباشرة أسفرت عن مقتل 80 ضابطا وجنديا إسرائيليا، وجرح أكثر من 600 ، علاوة على تدمير 28 دبابة ميركافا و4جرافات عسكرية وآليات متنوعة.
كلمة السر
وتكمن كلمة السر في نجاح حزب الله إلى استراتيجيته العسكرية القائمة على تحصين كل قرية من قرى الجنوب اللبنانى بالمقاتلين والسلاح والعتاد الذى يكفى القتال لفترات طويلة دون الحاجه إلى إمدادات أو مساعدات لوجستية، وهو مايضمن جاهزية القتال المستمر ويوفر طرق الإمداد بالإضافة إلى وجود غرف قيادة وسيطرة فى كل قرية منفصلة متصلة بمعنى منفصلة عن باقى مراكز القيادة في مواجهاتها الخاصة ومتصلة معها فى التنسيق القتالى بما يضمن المرونة التامة لكل فرق القتال.
يضاف ‘لى ما سبق شبكة أنفاق سرية طويلة تضمن سهولة التحرك للوصول إلى أى نقطة من نقاط المواجهة ويجيد حزب الله إستغلال الميزة الجغرافية بقوة للإيقاع بالجنود والضباط الإسرائيليين.
وتتمتع تحركات جنود حزب الله بالتخطيط الاستراتيجى الذى يعتمد سياسة تقسيم المجموعات إلى دفاعية، وأخرى إسناد تربطهما آليات تنسيق مركّبة، تحكمها مجموعات الرصد وتسهلها مجموعات التحرك السريع التى تتولى إعداد الكمائن مما يؤدى إلى تشتيت الحشود العسكرية الإسرائيلية المتقدمة ويخضعها لعنصر المفاجأة عند الإشتباك المباشر معها.
ويبدع مقاتلو حزب الله فى الوصول إلى المسافة صفر خلال الاشتباكات لتحييد دور الطائرات المسيرة وهو ماتدرب عليه جنود قوات الرضوان لفترات طويلة فى مناورات مماثلة لهذه الاشتباكات، وهى أولوية أولى يضعها الحزب لمنع تقدم اسرائيل فى أراضى الجنوب اللبنانى.
ونجحت منظومة حزب الله القتالية فىانتهاج تكتيك قصف القوات الإسرائيلية بالصواريخ سواء خلال تحصنها بمنازل المدنيين في شمال إسرائيل أو أثناء تقدمها إلى قرى الجنوب،وهى سياسة نجحت في رفع الخسائر بين الجنود على مستوى القتل والإصابة.
قدرات جديدة
وتدريجيا أدخل حزب الله إلى ترسانته الصاروخية قدرات جديدة فبالإضافة إلى صواريخ فلق ذات المدى القصير التى تحمل رؤوس متفجرة تتراوح بين 70 و 120 كيلو جراما من المواد المتفجرة فقد توسع الحزب فى استخدام صواريخ بركان التى تحمل رؤوس تصل مداها إلى 500 كليوجراما مع تهديد واضح من حزب الله بجعل حيفا وعكا مثل كريات شمونة والمطلة وأن صواريخه قادرة على الوصول إلى كل مكان داخل إسرائيل.
ونجح حزب الله حاليا فى فرض معادلة حيفا مقابل الضاحية الجنوبية ويتطلع مستقبلا إلى فرض معادلة تل أبيب مقابل بيروت.
تطور نوعى
وشهدت الحرب تطورا نوعيا بقيام حزب الله برفع وتيرة هجماته بالمسيّرات التى تفشل منظومات الدفاع الجوى الإسرائيلية في التصدى لها وخاصة فى حالة إطلاق رشقات صاروخية للتشويش على هذه الأنظمة، قبل إطلاق المسيرات وهو ما مكّن حزب الله من استهداف منزل نتنياهو بطائرة مسيرة أصابت نافذة غرفة نومه، وسبقتها عملية ضرب قاعدة لواء جولانى التدريبية التى أعتقد البعض أنها تمت بمحض الصدفة، ولكن استهداف منزل نتنياهو أثبت بما لايدع مجالا للشك أن حزب الله يحدد أهدافه بدقة عالية وينفذها بدقة أعلى.
وعلى صعيد المواجهة بين إيران وإسرائيل التى هددت مرارا وتكرارا فى الفترة الماضية أنها ستوجه رد مؤلم إلى إيران وهو رد تأخر كثيرا وتنوعت أسبابه مابين قرب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وعدم رغبة الولايات المتحدة في توجيه إسرائيل ضربة قوية لإيران تؤدى إلى تصعيد خطير للصراع، أو احتمال تعثر تقدم إسرائيل فى أراضى الجنوب اللبنانى وتحقيق نصر خاطف على حزب الله يدمر قدراته على توجيه ضربات لإسرائيل أثناء مواجهاتها مع إيران وهو ما انعكس على تأخير عملية الرد.
التجهيزات الإسرائيلية
وكشف تسريب صحيفة التايمز الأمريكية على تطبيق تليجرام يوم الجمعة الماضية ١٨ أكتوبر الجارى، لوثائق استخباراتية أميركية FGI منسوبة لوزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” تحت عنوان: “سرى للغاية” تؤكد تجهيزات الذخائر الإسرائيلية في ١٦ أكتوبر الحالى بتزويد المقاتلات بستة عشر من الصواريخ الباليستية من طراز جولدن هورايزن بعيدة المدى التى يصل مداها إلى 2000 كيلو تطلق من الجو لتستهدف أهداف حيوية ثابتة ومتحركة داخل إيران دون إضطرار الطائرات الإسرائيلية إلى دخول المجال الجوى الإيراني والتعرض لدفاعه الجوى ورداراته.
وفى قاعدة “حتساريم” تم تزويد المقاتلات الإسرائيلية بعدد 40 صاروخا من طراز روكس بعيدة المدى والمطورة إسرائيليا بعد تغطية ستة ملاجىء محصنة لطائرات F16.
وتم التدريب السرى لقيام المسيّرات بإطلاق صواريخ جو/ أرض فى قاعدتى رامات دافيد ورامون.
ويرجع بعض المحللين تسرب الوثائق إلى توزيعها على وكالات الاستخبارات في تحالف (العيون الخمسة) الذى يرمز إلى الدول الغربية الخمسة التى تتبادل المعلومات الاستخباراتية بانتظام وهى: الولايات المتحدة الامريكية وكندا وبريطانيا واستراليا ونيوزيلندا، وتحمل الوثائق إختصار TK التى تشير إلى استخدام استخبارات الأقمار الاصطناعية والصور فى هذه الوثائق التى تعتبر تقييما أمريكيا سريا للاستعدادات الإسرائيلية لضرب أهداف داخل إيران استنادا إلى معلومات وكالة الاستخبارات الجغرافية الوطنية الأمريكية.
تجسس أمريكا على إسرائيل
ويدل تسريب هذه الوثائق على قيام الولايات المتحدة الأمريكية فى حالة عدم منحها المعلومات الكاملة بالتجسس على حليفتها الإستراتيجية اسرائيل.
ورغم نفى الجيش الإسرائيلى ماذكرته صحيفة التايمز والتأكيد على عدم وجود صلة بين التسريبات وبين تأجيل الهجوم فإن المنطق يدلل على قلق إسرائيلى من تسرب هذه المعلومات التي ساعدت إيران على التنبؤ بأنماط الهجوم الإسرائيلى ومراحله والاستعداد لمواجهته وإجهاضه مما دفع إسرائيل إلى التأجيل والبحث عن استراتيجيات بديلة.
ولم تتطرق تسريبات الوثائق إلى نوعية الأهداف الإيرانية التى تخطط إسرائيل لاستهدافها ولم تظهر في التسريبات قائمة المنشآت النووية أو النفطية الإيرانية والتى تعارض الولايات المتحدة قيام إسرائيل بضربها.
وأكد مسئول في وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” أن تحقيق دوائر الاستخبارات في واشنطن يشير إلى تورط موظفة كبيرة في البنتاجون فى عملية تسريب الوثائق وهى أمريكية من أصل إيرانى تدعى أريان طبطبائي.
رأس حربة المقاومة
وفى النهاية لابد من التأكيد على أن حزب الله وحماس يشكلان تكتل أصبح يمثل رأس حربة المقاومة لمشروع إسرائيل الذى يسعى إلى تشكيل شرق أوسط حديث، والذى بدأ بما يسمى صفقة القرن ثم موجة التطبيع الإبراهيمي لإسرائيل مع العديد من الدول العربية، ويسعى إلى أن يغير معالم الخريطة الحالية ويصفى تماما القضية الفلسطينية وليس مجرد الإنتقام لما حدث في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ .
أيام صعبة قادمة
ويستند المخطط إلى إنجازات مؤقتة مثل تصفية قادة بحجم حسن نصر الله والسنوار وغيرهما، وتفجير أجهزة البيجر واللاسلكى، وقطع الاتصالات، ولكنها في الواقع إنجازات مؤقتة لن تمكن اسرائيل من القضاء التام على حزب الله أو حماس وتهويد القدس ومنع قيام الدولة الفلسطينية وتحويل لبنان إلى محمية إسرائيلية يتم نهب ثرواتها البحرية حيث وافقت إسرائيل مرغمة على اتفاق الغاز لترسيم الحدود مع لبنان والذى كان حزب الله طرفا فاعلا فيه.
وماينطبق على الفشل الإسرائيلى تجاه حماس وحزب الله ينطبق على الحوثيين في اليمن والحشد الشعبى فى العراق بما يدلل على أيام صعبة جدا تنتظر إسرائيل.