حروب مصر وسلامها مع إسرائيل.. كيف أثّرت فيها الانتخابات الأمريكية؟
كتب: على طه
تحت عنوان “حربا وسلاما.. كيف غيرت الانتخابات الأميركية تاريخ مصر؟” نشر موقع “الحرة” الأمريكية تقريرا، يستعرض – من وجهة النظر الأمريكية – تأثير الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فى دورات وحقب تاريخية سابقة فى مجرى الأحداث السياسية فى مصر.
وحرص واضعو التقرير أن يؤكدوا فى مقدمته على أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية، باتت عنصرًا أساسيًا لابد أن يضعه قادة العالم في حساباتهم خلال اتخاذ قراراتهم الكبرى، حتى ذات الطابع المحلي منها، مضيفا أن القاهرة كانت دائما مرتبطة بكل ذلك، وأن الانتخابات الأميركية لعبت دورًا مباشرًا في صناعة أحداث كبرى مرّت بها مصر، واستعرض “التقرير” أبرز هذه الأحداث كالتالى:
1- تأميم القناة.. لحظة الهجوم
جاء فى كتاب الأمريكى “دونالد نيف” المعنون بـ”عاصفة على السويس 1956″ أنه في ظل تصاعد نبرة الرئيس المصري جمال عبدالناصر المعادية لإسرائيل عام 1955 رفض رئيس وزراء إسرائيل ديفيد بن جوريون الانتظار لحين انتهاء الانتخابات الرئاسية الأميركية المتوقع عقدها خلال عام وفقًا لنصائح مستشاريه، وقرّر بحث ضرورة التصعيد ضد القاهرة بأي شكل.
وفي ذات العام أدلى الرئيس الراحل الأسبق عبد الناصر بتصريح إلى صحيفة “نيويورك بوست”، هاجم فيه الولايات المتحدة بسبب رفضها تسليح الجيش المصري، معتبرًا أن هذا التصرف كان السبب الرئيسي لعقد صفقة “الأسلحة التشيكية” التي أثارت غضب الغرب ضده، ملمحا إلى أن الرفض الأميركي ينبع من خشية إغضاب إسرائيل في هذا الوقت الحساس التي تملك فيه الدولة العبرية نفوذًا متعاظمًا داخل واشنطن بسبب قُرب الانتخابات الأميركية وخوف الساسة من خسارة أصوات اليهود فيها.
وفي يوليو من العام التالى 1956 أعلن الرئيس عبدالناصر تأميم قناة السويس ردًا على رفض أمريكا وبريطانيا تمويل بناء السد العالي.
وكان قرار ناصر بمثابة الشرارة التى أشعلت الغضب ضده في بريطانيا وفرنسا، وانضمت لهما إسرائيل، والتقى ثلاثتهم فى مباحثات سرية في فرنسا لمناقشة شن هجوم مشترك على مصر.
وفى الاجتماع اقترح وزير الخارجية الفرنسي كريستيان بينو أن أفضل توقيت للهجوم على مصر هو منتصف شهر أكتوبر من ذات العام (1956) قبل انطلاق الانتخابات الأميركية.
وفيما بعد أكد وزير الدفاع الإسرائيلي الراحل موشي ديان فى مذكراته: “قصة حياتي” أن الحاضرين في الاجتماع اعتقدوا أن الانتخابات الرئاسية الأميركية ستكون فرصة ذهبية للهجوم وضمان عدم معارضة الرئيس الأميركي داويت أيزنهاور أعتقادا منهم أنه “سيحرص على عدم الظهور بمن يُضحي بحلفائه أمام ناخبيه”.
وكشف محمد حسنين هيكل في كتابه “عند مفترق الطرق”، أن هذا الاختيار أثار غضب أيزنهاور لاحقًا واعتبره “سخيفًا” لأن هذه الحرب تناقضت مع النقطة الرئيسية التي بنى عليها برنامجه الانتخابي هو كيفية تحقيق السلام.
وللمفارقة فأن الموعد الذى حدده “المعتدون” للهجوم على مصر، هو ذاته دخل في حسابات الرئيس عبدالناصر أيضًا خلال مراحل التفكير في قرار التأميم وكان من النقاط التي شجعته على اتخاذ هذه الخطوة بعدما اعتبر أن هذا الموعد يضمن له “الحياد الأميركي” لأن واشنطن لن تشارك أبدًا في أي عملٍ عسكري ضد مصر مع اقتراب الانتخابات، حسبما ذكر المؤرخ عاصم الدسوقى فى كتابه: “العدوان الثلاثي على مصر.
2- حرب أكتوبر
حرب أكتوبر واستعدادات مصر لها، كان للانتخابات الأميركية دورًا غير مباشر فيها، وبحسب كتاب “لعبة الأمم والسادات” للكاتب محمد الطويل، فإنه على الرغم من أن واشنطن كانت قد بدأت تشكل نظرة إيجابية للرئيس السادات منذ بداية 1972 إلا أن آفاق تحقيق السلام كانت صعبة في ضوء تمسّك مصر بضرورة تطبيق قرار مجلس الأمن 242 وتشبث إسرائيل بعدم تنفيذه.
ومن هنا قررت واشنطن الانتظار حتى نهاية الانتخابات الأميركية الذى كان مقرر إجراؤها بالعام ذاته لبذل الضغط السياسي اللازم لدفع الأطراف جميعًا إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن، لكن واشنطن حرصت على استرضاء الرأي العام اليهودي قبل الانتخابات عبر تزويد إسرائيل بأسلحة تمنحها تفوقًا على الجيش المصري حتى أن الرئيس ريتشارد نيكسون أبلغ وزارة الخارجية بألا تفكر في طرح أي مبادرات جديدة إلا بعد الانتخابات، حسبما ذكرت نبوية أحمد فى كتابها: “السياسة الأميركية تجاه الصراع المصري الإسرائيلي”، مضيفة أن “المحظور الانتخابي” ذاته كان في ذهن السادات؛ فبعد مرور عام 1971 دون حسم رغم تعهده بذلك للشعب المصري فإنه أيقن أن 1972 لن يحمل الحسم أيضًا في ضوء عقد الانتخابات الأميركية في نهايته، وهو ما تطرّق له السادات بوضوح في كتابه “البحث عن الذات” حين وصف عام 1972 بأنه “سنة انتخابات والحكومة الأميريكية فيها لا تُقدِّم ولا تؤخر”.
وسعى السادات لتحريك الوضع وإنهاء حالة الجمود التي سيطرت على الجبهة، وخلال زيارة إلى موسكو اتفق مع القادة السوفييت على تنفيذ “عمل عسكري” مباشرة بعد انتهاء انتخابات الرئاسة الأميركية كوسيلة لتحريك الوضع وإنهاء حالة الجمود، بعد أن أثبت الرئيس الأميركي الجديد أنه لن يكون قادرًا على فرض حل سلمي يرضي جميع الأطراف، حسبما ذكر جمال حماد في كتابه “من سيناء إلى الجولان”، ووجه الرئيس السادات رسالة تضمنت هذا المعنى لسكرتير الحزب الشيوعي ليونيد بريجنيف في أغسطس 1972 طلب فيها منحه المزيد من الدعم العسكري حتى يقف على أرض صلبة لمواجهة وضع “ما بعد الانتخابات الأميركية” التي توقّع أن يُفرض عليه فيها حلٌّ لصالح إسرائيل.
وقد أكد الرئيس السادات على ذلك – في مذكراته – موضحا أنه أمر وزير دفاعه بالاستعداد للحرب في منتصف نوفمبر بعد انتهاء الانتخابات الأميركية مباشرة.
وفي يوليو من العام نفسه 1972 قرّر الرئيس السادات طرد الخبراء الروس من مصر، في قرار أثار اهتمام عواصم العالم الكبرى اندهاشًا من توقيت القرار المصري الذي يتزامن مع “عام الانتخابات الأميركية” والذي سيحرم القاهرة من طلب ثمن باهظ من واشنطن كان من المفترض أن تضغط فيه على إسرائيل لإجبارها على الانسحاب من سيناء، لكن البيت الأبيض تفاعل إيجابيًا مع “هدية السادات” بعدما بعث مستشار الأمن القومي الأميركي هنري كيسنجر رسالة إلى السادات أبلغه فيها أنه يجري الإعداد لمبادرة جديدة تحت إشراف البيت الأبيض – وليس وزارة الخارجية مثل مبادرة روجرز عام 1970- ستُطرح بعد انتهاء الانتخابات الأميركية، بحسب كتاب “السياسة الأميركية تجاه الصراع المصري الإسرائيلي”.
وفي نوفمبر 1972 أقيمت الانتخابات الأميركية وحقّق فيها المرشح الجمهوري نيكسون فوزًا كبيرًا على منافسه السيناتور الديمقراطي جورج ماكغفرن.
3- معاهدة السلام
ويواصل تقرير موقع “الحرة” فيقول إنه: “في إطار دبلوماسيته المكوكية من أجل إحلال السلام في الشرق الأوسط صادف كيسنجر تعقيدات عدة منها ما أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين في حديثٍ له مع جريدة (هارتس Hearst) في ديسمبر 1974 أن إسرائيل تسعى لتأجيل المفاوضات إلى ما بعد الانتخابات الأميركية في 1976″، وهو ذات الأمر الذى تنبأ به هيكل في كتابه “الحل والحرب”، حين أكد أن إسرائيل لن تسعى لتحقيق اختراق قبل “انتهاء سنة الانتخابات الأميركية وظهور اتجاهات النظام الجديد في واشنطن”.
ووافقت مصر على عقد اتفاقية فض الاشتباك الثانية 1975، بعدها تعقد مسار المفاوضات مع إسرائيل حتى حلَّ عام الانتخابات الأميركية 1976 الذي يجب – كما هو معتاد – أن يخلو من الأحداث الكبرى، ليأتى عام 1976 وشهد ترديًا كبيرًا في علاقة السادات بالسوفييت ويصل إلى حدِّ إلغاء معاهدة الصداقة والتعاون بين الطرفين وأيضًا حرمان القطع البحرية السوفييتية من التسهيلات البحرية الممنوحة لها في الموانئ المصرية، وعقب ذلك تلقى الرئيس السادات رسالة من الرئيس الأميركي جيرالد فورد يهنئه فيها على هذه الخطوة ووافق الكونجرس الأمريكى على صفقة أسلحة لمصر بقيمة 50 مليون دولار إلا أن فورد لم يمنح السادات مزيد من المكاسب السياسية بسبب رغبته في عدم خسارة اللوبي اليهودي في هذا العام الانتخابي، بحسب نبوية أحمد.
وعقب انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 1976 والتى انتهت بفوز جيمي كارتر، صرّح السادات في يناير 1977 بأن مسار مفاوضات “سلام ما بعد الحرب” تعطّل مؤقتًا بسبب الانتخابات الأميركية، وإنه بعد انتهائها بوصول الرئيس الأميركي الجديد أصبح الشرق الأوسط مهيئًا لإحلال السلام، وقفزا على تعثرالمفاوضات بين إسرائيل وبين مصر وسوريا توجّه كارتر بنداءٍ مباشر إلى السادات بأن الوقت قد حان ليقوم بـ”خطوة جريئة” دون تحديدها.
وفي نوفمبر 1977 أطلق الرئيس السادات مبادرته الشهيرة معلنا استعداده للسفر إلى إسرائيل نفسها من أجل السلام.
ونفذ السادات ما أعلن عنه، وزار إسرائيل وسط دهشة العالم بأثره، لتفتح هذه الزيارة الباب لمفاوضات السلام التى جرت برعايةٍ أميركية مباشرة وانتهت بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد 1978، ثم اتفاقية السلام بين الطرفين.
طالع المزيد: