صفوت سليم يكتبُ: طويل ليلك يا غز ة!!
ما بين النزوح القسري وغرق الخيام، يعيش أهالي غز ة أسوأ الأيام وأقساها وطأةً، فأين تذهب حينما تضيق عليك الأرض بما رحبت، فهناك الأنفاس محبوسة خشية القصـ ـف، والقلوب ترتجف رعـ ـبًا وبردًا نتيجة الطقس، حقيقي مآ سي مر عبة، وتحتاج إلى حبالٍ من الصبر على البلاء، فالخيام بالية ولا تصلح للحياة، ما أقسى أن يلتحف المرء السماء!، ويجري في الشوارع بالليل الداجي بحثًا عن كِسرة خبز لسد جوع ونشيج الصغار.
الجميع هناك بين مطرقة البرد وسندان الجوع، حتى الخيام التي كانت ساترة لعورات الأسر، هلكت وراحت في الوباء، ولم يتبقى في ذاكرة الناس سوى التمني، ذلك الذي يزرع الأمل مرة أخرى، ويعيد الناس للحياة، بمفهومها الطبيعي، تلك الحياة التي نعيشها نحن الآمنون في بيوتنا، ونحصل على الدفء، ونستطيع توفير احتياجاتنا اليومية، دون عناءٍ يقسم الظهور مثل أشرف الرجال، وهو ما يحتاج منا الشكر لله، وبالمرة ندعو أن يرفع عمن يرزحون أسفل الظروف القا سية، ليست وحدها، بل كل شيء!.
فخلال الأيام الماضية، تعرض الآلاف من خيام النازحين في قطاع غز ة للغرق، واقع مزرٍ جعل الدفاع المدني في غز ة يناشد ما يسمى المجتمع الدولي البغيض “لقد أسمعت لو ناديت حيًا ولكن لا حياة لمن تنادي”، فكل من يطالع من تلك الشرذمة الضالة يعلم كم الألم والضيق ومآسي الحر ب هناك، ويمارس الصمت المريب، لضرب ما تبقى من ثقة في العالم الذي يرتدي ثوب الرجل المتحضر، فما حك جلدك مثل ظفرك، فهم معجنون بداء الخيانة، ولا موطئ عندهم لقدم الإنسانية وحقوق الإنسان التي صدعوا بها رؤوسنا، سحقًا لكم، والأيام دول!.
والسؤال الآن هل يفيض علينا بما جادت قريحتهم من يمتلكون مفاتيح الحل للقضية الفلسـ ـطينية، من يجلسون على كراسي مجلس إدارة العالم؟!، هل يخبروننا كيف يعيش الناس في تلك الظروف حالكة السواد، ألم يكفي الصمت طوال الشهور الماضية!، فالضر ب في غز ة، والألم في قلب كل عربي شريف يؤمن بالحرية، وحق المقا ومة لانتزاع الحياة، فالمشاهد التي تمر أمام أعيننا يندى لها الجبين، وتحتاج إلى مجلدات لتدوينها من كثرة الأهو ال، أعلم أني أخاطب أمواتًا، ولكن يحيي العظام وهي رميم، ويكفي هذا القدر الهائل من الدما ر والإبا دة وتشر يد الناس، من منطقة لأخرى حاملين القليل من ممتلكاتهم.
حقًا عقب أن تضع الحر ب أوزارها مثلما حدث في لبنان، يصبح هناك العديد من الحكاوي صالحة أبد الدهر للحكي، تلك السرديات التي ستصبح وقودًا للأجيال المقبلة، لا سيما الأوضاع في الخيام وأيام النزوح القاسية والمعاناة للحصول على الطعام والشراب، وإيجاد أدنى مقومات الحياة، ومشاهد الأطفال وهم يرتعدون من الخوف، والمقل تخر كسيل لا يتوقف أبدًا والد ماء الطاهرة التي تسيل لتطرح أواجعًا في القلب، تلك المآسي التي تجعلنا نلهج بالدعاء للمدافعين عن الأرض والعرض، من يقدمون الغالي والنفيس للزود عن شرف الأمة العربية قاطبة، وتضيق صدورنا ونقول: طويل ليلك يا غزة!!.