أحمد عاطف آدم يكتب: شفرة المراهقة بين الاجتياح والاحتواء (٤)

بيان

بعض التلاميذ غير المستعدين للكلية قد تكون لديهم مهارات تقنية، وهم مثاليون لتلك التدريبات. (هؤلاء الناس قيّمون جدَّا كالذهب بالنسبة لي، لأنّ الأمور التقنية ضمن مواهبي الطبيعية حتمًا ). كما يحتاج البعض الآخر إلى النضوج وتطوير قدرته على تحمل المسؤولية، وأن يقرروا ما يرغبون في القيام به، لذا ينبغي ألاّ يتم الضغط على المراهقين كي يدخلوا إلى محيط الكلية <<ليجدوا أنفسهم>>. فقضاء بضع سنوات في العمل بمهن مختلفة قد يساعدهم على إيجاد ما يرغبون به في الحياة.

على سبيل المثال كان آدم تلميذًا في المدرسة الثانوية يحصل على تقديرات “ضعيفة”، ولم يكن لديه أية اهتمامات فعلية. أراده والده أن يرتاد الجامعة التي دخلها هو، لكنها كانت جامعة راقية جدًا، ولم تكن درجاته تؤهله لدخولها – أو لتبقيه فيها.. عندما استشاروني أخبرتهم بأنه يبدو من الأفضل أن يدعوه يستكشف بعض الخيارات المهنية.. وهكذا بدأ آدم بالعمل في الصيف، ينظف أرضيات ورشة صناعية محلية. أثناء وجوده هناك افتُتن بكيفية عمل الآلات فطلب أن يبقى خلال ساعة الغداء ليشاهد طريقة برمجتها. وبسبب أسئلته الثاقبة منحه رئيس العمال فرصة بعد العمل ذات مرة ليساعد في تركيب آلة جديدة كانت قد وصلت من الصين، ازداد اهتمام الفتى، وسرعان ما بدأ رئيس العمال يسحبه من واجبات التنظيف، ليُركّب آلات أخرى، وفي أقل من سنة أصبح آدم يعمل بدوام كامل. بعد عشر سنوات تولى مهمة الإشراف على المصنع.

ومما لا شك فيه أنه لم يكن هذا هو المسار المهني الذي يرغب به والداه الثريان من البداية، لكنهما فخوران بما حققه في نهاية المطاف، وهو معروف في تلك الصناعة بنظرته الثاقبة ونزاهته وإبداعه،،، وبدرب آخر من دروب الحياة تدربت شقيقته في كلية صغيرة تركز على الفروسية، وأصبحت تعمل مع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين يتم تدريبهم ليركبوا الخيل كجزء من علاجهم الجسدي. بينما يعمل شقيقهما بمجال الإعلان، وهو يأخذ الآن بعض الفصول الدراسية في الأعمال التجارية بالكلية.

كل شيء سيظهر.. إذا كان لديك ثلاثة أبناء في عائلتك، سينعطف الأول إلى الجهة اليمنى، ويتوجه أحدهم مباشرة إلى المنتصف، والأخير للجهة اليسرى.. <شجّع كِّل واحد من أبنائك المراهقين ليسير في طريقه الخاص/ طريقها الخاص بمرونة.. يجب اتخاذ هذه القرارت التي تلي المرحلة الثانوية بعناية، لأنها ستؤثر على حياة أبنك أو ابنتك مدى الحياة>.

دكتور/ كيفن ليمان – عالم النفس الشهير.

انتهى الاقتباس.

وبإمعان النظر في قصة الشاب الأمريكي “آدم” التي وردت ضمن كتاب “مراهق جديد في خمسة أيام” للمبدع دكتور “ليمان”، ستُلاحظ عزيزي القاريء مدى التشابه الكبير بمئات أو آلاف القصص عندنا، حيث يمني معظم الآباء والأمهات النفس لارتقاء أبنائهم  قمة علمية واحدة، سقفها هو كليتي الطب والهندسة فقط، مع العلم بأن العديد من المهن الأخرى ضروري لتحسين جودة الحياة، وبنفس كفاءة وسعي المهندس والطبيب للعطاء – ممتهنوها لا يكُفون أيضًا عن الاجتهاد،، وأضرب لك مثال واحد، بأن تلقي نظرة فاحصة على شغف صبي يعمل بورشة ميكانيكي تُصين عنده سيارتك بصفة دورية، وحتمًا ستجده يحافظ على نفس شغف التعلم وإثبات الذات الذي افتقده بالمدرسة – رغم محاولاته المتكررة، أو لظروف أخرى بمحيط أسرته منعته من ذلك،، وربما بعد عدة سنوات سيحقق ما حققه آدم.

المشكلة الأكبر والأعمق هي إقحام أطفالنا منذ نعومة أظفارهم في مقارنات ظالمة مع أقرانهم، وإغفال الحكمة الإلهية العظيمة من تنوع قدرات البشر التي تخصهم وحدهم دون غيرهم، كي تغطي وتخدم جميع مناحي الحياة، وأنه يجب أن يحدث هذا برضا تام وتناغم، حتى نسعد ولا نتكبد نحن وصغارنا ضغوطًا نفسية لا طاقة لنا بها، ومشاعر بغيضة بالحرمان من تحقيق أهداف قيمة، تتكاتف مع غيرها من الأهداف  للاستمتاع بالحياة ومرونتها لا تكديرها وتعنتها.

وللحديث بقية.

اقرأ أيضا:

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى