“نثروا الملح وأطلقوا الزغاريد”: اللبنانيون عادوا لبيوتهم وخبير يرصد حسابات المكسب والخسارة في اتفاق وقف إطلاق النار

بيان

ملحوظة أولى

فى التقرير التالي الذى يكتبه طارق صلاح الدين لـ “موقع بيان الإخبارى” نحاول أن نرصد بموضوعية الحقائق المتعلقة بقراروقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، والذى دخل حيز التنفيذ قبل ساعات، وهو القرار المثير للجدل فى الشارع العربى، وحتى بين القادة الإسرائيليين أنفسهم.

طارق صلاح الدين
طارق صلاح الدين

لكن قبل أن نعرض لهذا بالتفصيل نشير إلى ملحوظة الكاتب “المهمة” التى رصدها خلال الساعات القليلة التى تلت مباشرة الإعلان عن وقف إطلاق النار وسريانه، وتتمثل فى العودة السريعة الرهيبة لـ “اللبنانيين” النازحين عن مناطق القتال، إلى قرى الجنوب رغم تدميرها، وهذا ما حدث مقابل إحجام المستوطنين الإسرائليين عن العودة لمستوطنات الشمال.

ويؤكد صلاح الدين على أن هذا الأمر يحسب نقطة نصر لحزب الله وهزيمة معنوية لإسرائيل، لافتا إلى أن أصحاب الأرض يختلفون بالتأكيد عن الغاصبين، واللبنانيون أصحاب أرض أما الإسرائيليين فهم لصوص غاصبون، والمغتصب انتماؤه لا يقارن بصاحب الأرض والحق.

وفى التالى نقدم تقرير الكاتب عن حسابات المكسب والخسارة فى القرار:

التقرير

انقسام شديد يسود الرأى العام العربى، ولايتطرق إليه المحللون السياسيون بشأن وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل.

وبالطبع فإن المواقف المسبقة من حزب الله تحدد إلى حد كبير اتجاه الآراء، مع وضد، فالذين يؤيدون حزب الله وتيار المقاومة ينظرون إلى وقف إطلاق النار باعتباره نصر مؤزر لحزب الله، والعكس هو الصحيح فى المعسكر المضاد لحزب الله، والذى ينظر  إلى وقف إطلاق النار باعتباره هزيمة ثقيلة منى بها الحزب.

وعود على بدء نرصد فى التالى حسابات المكسب والخسارة فيما آلت إليه الأمور من حرب حزب الله وإسرائيل.

ماقبل التصعيد

أعود إلى الوراء قليلا وبالتحديد إلى أجواء ماقبل التصعيد الإسرائيلي بتفجير أجهزة البيجر واللاسلكى فى ١٧ سبتمبر الماضي حيث كانت الاشتباكات بين حزب الله وإسرائيل تتم وفقاً لقواعد محددة وخطوط حمراء لايتم تجاوزها منذ الثامن من أكتوبر ٢٠٢٣ الذى شهد دخول حزب الله رسميا إلى حرب غزة كجبهة إسناد لغزة في اليوم التالي لهجوم حماس على إسرائيل فى السابع من أكتوبر.
وحتى نصل إلى كسر قواعد الاشتباك واشتعال الحرب وتحول جبهة الإسناد إلى جبهة قتال لابد وأن تتوقف عند عدة محطات كانت كلها للأسف في صالح الجانب الإسرائيلي الذى أدار هذه الفترة بنجاح نظراً لضعف ردود أفعال حزب الله على بالونات الإختبار التى أطلقتها إسرائيل.
المحطة الأولى: 
هى محطة الإغتيالات التى نفذتها إسرائيل ضد حزب الله وقادته والتى بدأت فى الثامن من يناير ٢٠٢٤ بإغتيال وسام الطويل مسئول ملف التصنيع العسكري وعضو مجلس شورى حزب الله وانتظرت إسرائيل رد حزب الله الذى كان ضعيفا للغاية واقتصر على زيادة وتيرة القصف الروتينى للمواقع العسكرية الإسرائيلية مما شجع جيش الدفاع الاسرائيلي بالتعاون مع الموساد على رفع وتيرة عمليات الإغتيال التى امتدت إلى أغلب القادة الميدانيين لحزب الله وعلى رأسهم طالب سامى عبدالله ومحمد ناصر وإبراهيم عقيل قائد قوات الرضوان وهى قوات النخبة داخل حزب الله ومعه احمد وهبى قائد وحدة التدريب المركزى دون رد مناسب من الحزب عقب كل إغتيال.
حتى إغتيال فؤاد شكر القائد العسكري الأول داخل حزب الله كان الرد عليه دون المنتظر واقتصر على قصف قاعدة جليلوت العسكرية بالقرب من تل أبيب.
المحطة الثانية: 
تمثلت في قيام إسرائيل باختبار كسر قواعد الاشتباك مع حزب الله باستهداف الضاحية الجنوبية لبيروت وهى معقل حزب الله ولم تكتف إسرائيل باختراق المكان وقدسيته فاختارت أيضا شخصية من العيار الثقيل وهو صالح العرورى نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وأحد مؤسسى كتائب القسام فى الضفة الغربية ليتم توجيه ضربة مزدوجة إلى حزب الله وحماس معا عن طريق استهداف مسيرة إسرائيلية لمكتب حماس في قلب الضاحية الجنوبية واغتيال العرورى وسمير فندى وعزام الاقرع أبرز قادة حماس في لبنان.
وترقبت إسرائيل رد فعل حزب الله الذى جاء باهتا جدا واقتصر على قصف المنشآت ومراكز الاستطلاع والمراقبة والتجسس الإسرائيلية على طول الحدود مع لبنان.
المحطة الثالثة:
صعدت إسرائيل في هذه المحطة أقصى درجات التصعيد بعد التأكد التام من محدودية ردود حزب الله فقامت بتفجيرات البيجر واللاسلكى في ١٧ سبتمبر وهو الشهر الذى اعتبرته إسرائيل شهر الحسم مع حزب الله ورغم النتائج الكارثية لهذه التفجيرات على منظومة الإتصالات داخل الحزب وعلى فقدان آلاف المقاتلين في لحظة واحدة والذين سقطوا بين قتيل وجريح في دقائق معدودة.
وانتظرت إسرائيل عشرة أيام كاملة لرد حزب الله على هذه التفجيرات ولكن هذا الرد لم يأت أبدا.
وعندها فقط أيقنت إسرائيل أنها لابد وأن تسدد الضربة القاضية لحزب الله بإغتيال رأس الحزب وأمينه العام حسن نصرالله وهو ماحدث بالفعل في ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٣.
ولم تكتف إسرائيل بكل ذلك بل قامت بقطع الطريق على حزب الله حتّى لايستطيع ملء فراغ غياب حسن نصرالله فقامت بإغتيال خليفته المنتظر هاشم صفى الدين في العاشر من اكتوبر وبعد بضعة أيام من إغتيال نصر الله.
وأصبح الطريق مفتوحا على مصراعيه أمام إسرائيل لاجتثاث حزب الله تماما من مواجهتها فقامت في مطلع أكتوبر بالاجتياح المحدود لجنوب لبنان بقوات المشاه في عملية جس نبض لقوة مقاتلى حزب الله قبل إرسال الدبابات والجرافات لتقليل الخسائر البشرية بعد استخلاص العظة والعبرة من مذبحة دبابات الميركافا في حرب ٢٠٠٦ والتى أسفرت عن تدمير عشرات الدبابات الإسرائيلية على أيدى جنود حزب الله.
ورغم كل هذه الإنجازات الإسرائيلية فقد فشلت في تحقيق الهدف الأخير وهو القضاء على قوة حزب الله الذى تصدى مقاتلوه ببسالة شديدة للقوات الإسرائيلية المتوغلة في جنوب لبنان وعلى مدى شهرين تقريباً فشلت المشاه الإسرائيلية المدعومة جوا في السيطرة الكاملة على بلدات وقرى جنوب لبنان المحاذية لإسرائيل.
العنصر الثانى الفاعل الذي لعب دوراً محورياً في الفشل الإسرائيلي هو نجاة نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله من دوامات الإغتيال الهيستيرية وتعيينه أمينا عاما للحزب في فترة حالكة من تاريخه فأعاد ترميم قدرات الحزب واعطى الثقة كاملة لقيادات الصف الثاني التى أبلت بلاءا حسنا في القتال وخاصة في معركتى الخيام والبياضة.
دار الحديث كثيرا طوال هذه الفترة عن وقف إطلاق النار والذى وضعت إسرائيل شروطاً ذات أسقف عالية للموافقة على إتفاق بشأنه وأبرزها نزع سلاح حزب الله وطرد مقاتليه إلى شمال الليطانى مع السماح لإسرائيل بحرية الحركة في الأجواء والأراضي اللبنانية ومنع فرنسا من الإنضمام إلى لجنة مراقبة وقف إطلاق النار.
رفض لبنان بالطبع هذه الشروط مستندا إلى ثبات مقاتلى حزب الله في الميدان ولكن بقى الصلف والعناد الإسرائيلى حتى قام حزب الله في يوم الأحد ٢٤ نوفمبر بأعنف هجوم صاروخى على جميع أنحاء إسرائيل مصوبا ٣٤٠ صاروخ وصلت إلى صحراء النقب وطالت تل أبيب وضواحيها وكافة المستعمرات والمدن الإسرائيلية التى دوت فيها صفارات الإنذار أكثر من خمسمائة مرة.
وفي اليوم التالي وافقت إسرائيل على وقف إطلاق النار الذى دخل حيز التنفيذ يوم الثلاثاء ٢٦ نوفمبر.

حسابات المكسب والخسارة للطرفين

ونستعرض فى السطور التالية حسابات المكسب والخسارة للطرفين.
وأبدأ بحزب الله الذي جنى العديد من الانتصارات بوقف إطلاق النار وفى مقدمتها الحفاظ على قدراته العسكرية سواءً الصاروخية أو الميدانية وتمتعها بكفاءة عالية أوقفت كل تقدم للجيش الإسرائيلي وحالت دون سيطرته على بلدة واحدة في الجنوب وبقاء قوة القدرات الصاروخية للحزب بنفس الكفاءة حتى اليوم الأخير قبل قبول إسرائيل بوقف إطلاق النار.
الوجه الثاني لمكاسب حزب الله يتمثل في فترة الهدنة التى ستستغرق شهرين كاملين وهى فترة تكفى لترميم قدرات الحزب وإعادة ترتيب صفوفه الميدانية والتنظيمية على الجانبين العسكرى والسياسى.
أما أبرز جوانب الخسارة لحزب الله فهى فصل جبهة لبنان عن غزة وتوقف جبهة الإسناد التى بدأها الحزب فى الثامن من أكتوبر ٢٠٢٣ وهو في نفس الوقت أبرز المكاسب التي حققتها إسرائيل بإغلاق جبهة الشمال وإجبار حزب الله على التراجع إلى شمال نهر الليطانى وهو هدف سعت إسرائيل طويلا لتحقيقه ولكنها في الوقت نفسه فشلت في القضاء على القضاء على قدرات حزب الله وعبر وزير الأمن القومي بن غفير عن هذا الموقف بقوله ان اسرائيل أهدرت فرصة تاريخية ربما لا تأتى مرة أخرى لاجتثاث حزب الله نهائيا وإلى الأبد.
الموقف ينتهي إلى حالة التعادل ولكنه تعادل بطعم النصر لصالح إسرائيل التى وجهت ضربات مؤلمة بالفعل لحزب الله وتعادل بطعم الهزيمة للحزب الذي يخرج من هذه الحرب بطعم يختلف تماماً عن طعم نهاية حرب ٢٠٠٦.
بالتأكيد ليست هذه هى نهاية المطاف.
وبالتأكيد هناك جولات قادمة للصراع بين إسرائيل وحزب الله الذي سيستغرق الأمر معه وقتا طويلا لإعادة لملمة قوته واستعادة حيويته مرة أخرى.
ويتبقى إختبار الستين يوما وهل تصمد الهدنة ووقف إطلاق النار المؤقت ليتحول إلى وقف دائم أم يتم انتهاكه لتنشب الحرب من جديد ؟
هذا السؤال ستجيب عليه الأيام القليلة المقبلة إن شاء الله وإن كنت أتوقع أن تصمد الهدنة وتتحول إلى وقف طويل لإطلاق النار.

طالع المزيد:

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى