محمد أنور يكتب: إبراهيم الخليل عليه السلام (1من2)

بيان
إنفرد إبراهيم بمكانة رفيعة بين أنبياء الله، هو أحد أولى العزم الخمسة الكبار الذين أخذ الله منهم ميثاقا غليظا، وهم نوح عليه السلام، وإبراهيم عليه السلام، وموسى عليه السلام، وعيسى عليه السلام، ومحمد صلى الله عليه وسلم، بترتيب بعثهم، إبراهيم الخليل عليه السلام كان العبد الذي ابتلاه الله ببلاء مبين بلاء فوق قدرة البشر وطاقة الأعصاب، وكان نعم العبد الذي وفى، وزاد على الوفاء بالإحسان قال الله تعالى فى سورة النجم ( وإبراهيم الذي وفى) وأثنى الله سبحانه وتعالى عليه في سورة النحل فقال تعالى( وإن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين).
جعل الله تعالى إبراهيم عليه السلام إماما للناس، وجعل في ذريته النبوة، فلم يبعث بعده نبى إلا جاء من نسله، حتى جاء آخر الأنبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وجاء تحقيقا واستجابة لدعوة إبراهيم عليه السلام، أن يبعث في الأمين رسولا منهم، وأول من سمانا المسلمين نبينا إبراهيم عليه السلام، كان جدا وابا لكل أنبياء الله الذين جاءوا من بعده، ولم يرد في كتاب الله ذكر لنبى اتخذه الله خليلا، غير إبراهيم الخليل عليه السلام، قال تعالى في سورة النساء ( واتخذ الله إبراهيم خليلا) والخلة هى شدة المحبة.
انقسمت الناس في عصر إبراهيم عليه السلام إلى ثلاث فئات: فئة تعبد الأصنام والتماثيل، وفئة تعبد الكواكب والنجوم والشمس والقمر، وفئة تعبد الملوك والحكام، وانطفئت أنوار العقل في مشارق الأرض ومغاربها، وجلس الظلام على عروشه المتعددة، واشتد ظمأ الأرض إلى الرحمة، واشتد جوعها إلى الحق.
ولد إبراهيم عليه السلام في هذا الجو، في أسرة من أسر ذلك الزمان البعيد، وكان رب الأسرة كافرا متميزا بصنع الأصنام والتماثيل، وقيل إن أباه مات قبل ولادته فرباه عمه، وكان له بمثابة الأب، وكان إبراهيم عليه السلام يدعوه بلفظ الابوه، وقيل أن اباه لم يمت وكان أزر هو والده حقا، وقيل أن إسم أزر اسم صنم أشتهر أبوه بصناعته، هى أسرة مرموقة من الأسر الأرستقراطية بتعبير زماننا، أسرة من الصفوة الحاكمة.
أضاء الله قلب وعقل إبراهيم عليه السلام منذ طفولته واتاه رشده واتاه الحكمة، حيث أدرك وهو صغير أن أباه يصنع تماثيل غريبة، وسأل أبيه: أى تمثال هذا ياأبى ؟ إن أذنيه كبيرتان أكبر من اذننا.
قال أبوه: إنه مردوخ رب الارباب ياولدى، وهاتان الاذنان الكبيرتان ترمز إلى فهمه العميق.
ضحك إبراهيم عليه السلام بينه وبين نفسه وكان عمره وقتها سبع سنين.
قال ابراهيم: ماذا أفعل ياابى إذا خدمت إلها واراد بى الآخر شر لأنى لا اخدمه؟
ماذا لو وقع شقاق وخصام بين الآلهة.
قال أبوه وقد بلغت سبعين سنة من العمر ومع ذلك لم أر قط إلها قط ضرب إلها اخر.
قال إبراهيم إذن يوجد بينهم وفاق. أجاب ابوه: نعم يوجد.
قال إبراهيم:إذا لم يكن للآلهة نفس فكيف يهبون الأنفاس؟ وإذا لم تكن لهم حياة فكيف يعطون الحياة؟ ومن المؤكد ياابى أن هؤلاء ليسوا هم الله.
فقال الأب: لو كنت بالغا من العمر ما تتمكن من الإدراك لشججت رأسك بهذه الفأس.
أنتهى الحوار بينهما بأن مد الاب يده وضرب إبراهيم، ومرت الايام وكبر إبراهيم وقلبه يمتلئ كراهية لهذه التماثيل منذ طفولته، ويشعر بالغضب الشديد عندما يرى قومه يعبدون ويتوسلون ويبكون للتماثيل كأنها تسمع وترى، وزادت المشكلة إن والد إبراهيم كان يريد أن يكون إبراهيم كاهناً حين يكبر، غير إن إبراهيم كان لا ينقطع عن التصريح باحتقاره وكراهيته لهذه التماثيل.
نظر إبراهيم عليه السلام إلى ما وراء القمر والنجوم والكواكب وادهشه أن يعبدها الناس وهى مخلوقات تعبد خالقها، ودار حوار بين إبراهيم وقومه الذين يعبدون هذه الكواكب وحكى الله تعالى هذه المواقف فى سورة الأنعام في قوله تعالى ( وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر اتتخذ اصناما آلهة إنى أراك وقومك في ضلال مبين* وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين* فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربى )
يبدوا أن قومه اطمأنوا له وحسبوا انه يرفض عبادة التماثيل ويهوى عبادة الكواكب قال تعالى ( فلما أفل قال لا أحب الافلين* فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربى) وعاد ابراهيم إلى قومه في الليلة الثانية يعلن أن القمر ربه، ولم يكن قومه على درجة كافية من الذكاء ليدركوا أنه يسخر منهم برفق ولطف وحب، قال الله تعالى ( فلما أفل قال لئن لم يهدنى ربى لأكون من القوم الضالين) أنه يمزق العقيدة القمرية بهدوء ولطف، كيف يعبد الناس ربا يختفى ويأفل، قال الله تعالى ( فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربى هذا أكبر فلما أفلت قال ياقوم انى برئ مما تشركون* إنى وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين).
بدأ الصراع بينه وبين قومه عندما استطاع أن يظهر الحجة والحق، وكان الله يؤيد إبراهيم عليه السلام ويريه ملكوت السموات والأرض، وخرج إبراهيم عليه السلام على قومه بدعوته، وقال في غضب وغيرته على الحق( ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون* قالوا وجدنا آباؤنا لها عابدين* قال لقد كنتم أنتم واباؤكم في ضلال مبين*قالوا أجئتنا بالحق أم كنت من اللاعبين* قال ربكم رب السموات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين).

اقرأ أيضا للكاتب:

زر الذهاب إلى الأعلى