سوريا النازفة: ما وراء هجمة فصائل المعارضة على حلب والنهاية المتوقعة للمشهد الحالى

تقرير يكتبه: عاطف عبد الغنى

تشهد الساحة السورية تطورات متسارعة مع اندلاع اشتباكات عنيفة في ريف حلب الغربي، حيث شنت فصائل معارضة، بقيادة “هيئة تحرير الشام”، (جبهة النصرة سابقا) ، هجومًا واسعًا على مواقع تحت سيطرة الدولة السورية فى حلب.

يأتى هذا فى واحد من أعنف الاشتباكات في المنطقة منذ سنوات، ويحمل في طياته تداعيات مهمة على المستوى المحلي والإقليمي.

ونشرت جهات مقربة من “هيئة تحرير الشام”، صوراً لاستهداف نقاط ودبابات الجيش السوري النظامي بطائرات انتحارية دقيقة.

ولم تكتف فصائل المعارضة بالهجوم على بلدات ريف حلب، ولكن بادرت إلى فتح جبهة أخرى بريف إدلب الشرقي، وسيطرت على بلدتي داديخ وكفر بطيخ القريبتين من مدينة سراقب الإستراتيجية على طريق حلب – دمشق، أو ما يعرف بالطريق الدولي M5 الذي بات مقطوعاً جراء الأعمال العسكرية، في حين اقتربت في بعض المحاور الشمالية من مسافة 10 كيلومترات فقط من مركز مدينة حلب.

وليلة أمس الجمعة اقتحمت فصائل المعارضة الجزء الغربي من حلب، بعد تهاوي خطوط الدفاع الأمامية للجيش السورى وانسحابها بصورة متسارعة، تاركة الطريق مفتوحاً أمام القوات المهاجمة لتصل إلى قلعة حلب، وتوصل شرق المدينة بغربها بعد آخر المعارك التي دارت بين القوات المتمردة المدعومة تركياً في شهر فبراير من عام 2017 عندما أحكم الجيش السورى بدعم روسي وإيراني السيطرة على كامل المدينة حينها.

وعادت قوات الفصائل المتمردة على الدولة السورية من جديد لتعلن السيطرة على كليات حربية وعسكرية ومن بينها المدفعية في حي الزهراء غرباً، فيما لا تزال “أكاديمية الأسد للعلوم العسكرية” عصية على السيطرة حتى الآن.

هيئة تحرير الشام: تطور وتكوين جماعة جهادية

وتقود “هيئة تحرير الشام” الفصائل المهاجمة، ولا يعرف كثير من القراء ما هية هذا الفصيل من المعارضة السورية، وما سبب تكوينها أو كيف نشأت، وكيف آلت إلى وضعها الراهن؟ وأسئلة أخرى تتعلق بها، إجاباتها فى السطور التالية:

في 28 يناير 2017 تم إعلان “هيئة تحرير الشام” من اندماج عدة فصائل إسلامية متشددة، أبرزها “جبهة فتح الشام” (المعروفة سابقًا بـ”جبهة النصرة”).

وقد استقطبت “الهيئة” عدداً كبيراً من المقاتلين والمتعاطفين، ليس فقط من سوريا بل من مختلف أنحاء العالم، مما ساهم في تعزيز نفوذها وتوسيع رقعة سيطرتها في المناطق التي تشهد صراعاً في سوريا.

ورغم التنوع في التشكيلات التي انضوت تحت لواء الهيئة، إلا أن العناصر المؤسسة لـ”جبهة النصرة” لا تزال تمثل القوة الدافعة والمحرك الرئيسي لها، حيث يشغل هؤلاء القادة والمقاتلون القدامى المناصب القيادية الرئيسية فيها.

كوادر هيئة تحرير الشام
كوادر هيئة تحرير الشام

 أيديولوجية متشددة

تعتبر “هيئة تحرير الشام” جماعة سلفية جهادية تتبنى فكراً متشدداً، وتؤمن بتطبيق الشريعة الإسلامية على نحو صارم. وقد ساهمت هذه الأيديولوجيا في جذب مقاتلين من مختلف الجنسيات، وجعلت الهيئة قوة عسكرية مؤثرة في الصراع السوري.

ورغم محاولات الهيئة تقديم صورة معتدلة عن نفسها، إلا أن العديد من المحللين يرون أن أيديولوجيتها المتشددة لا تزال تمثل عقبة أمام تحقيق المصالحة الوطنية في سوريا.

أسباب الهجوم

وتتلخص أسباب الهجوم من “هيئة تحرير الشام” والفصائل المعارضة المنضمة إليها – كما يقول بعض الخبراء – فى الرغبة في استعادة الأراضي، حيث تسعى الفصائل المعارضة إلى استعادة الأراضي التي خسرتها في السنوات الماضية وتوسيع مناطق سيطرتها، كما تسعى إلى تغيير موازين القوى، وفى هذا الصدد تهدف الفصائل المعارضة إلى تغيير موازين القوى العسكرية في المنطقة وإضعاف نفوذ النظام السوري وحلفائه.
أما الفصائل المهاجمة فتدعى فى إعلان لها أن سبب هجومها الأساسى هو بمثابة رد فعل على الاستفزازات، وأن الهجوم جاء ردًا على تحركات للنظام السوري تستهدف المناطق الآمنة.

تقرير غربى

وفى سياق قريب كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” فى تقرير لها جانبا أخر من جوانب هذا الهجوم الذى نفذته فصائل المعارضة السورية، موضحا أن هذا الهجوم يسعى إلى إعادة تشكيل ميزان القوى في سوريا، ووضع نظام الأسد في موقف هش وسط تغيرات جيوسياسية واسعة في الشرق الأوسط.

ولفتت الصحيفة إلى المفارقة الكبيرة فى نتائج المعركة الحالية، وسابقتها بين “هيئة تحرير الشام” والجيش السورى النظامى، إذ سيطرت المعارضة بقيادة “هيئة تحرير الشام” (وهي جماعة لا تزال مصنفة كمنظمة إرهابية من قبل واشنطن رغم تبروئها من تنظيم القاعدة) المدعومة من تركيا خلال أيام قليلة فحسب، في تناقض حاد مع المعركة الطويلة التي خاضها النظام لاستعادة حلب عام 2016.

الداعمون وموقفهم الحالى من سوريا

وأضافت “وول ستريت جورنال” أن ضعف حزب الله، القوة القتالية الأكثر فاعلية لدعم نظام الأسد لعب دوراً كبيراً في خسارة النظام لحلب، وأن تعرض حزب الله لخسائر فادحة بعد إعادة نشر قواته من سوريا لمواجهة إسرائيل عقب هجوم “حماس” خلال السابع من أكتوبر 2023، وهي مواجهة أدت إلى سقوط كامل قيادات الحزب تقريباً وتدمير ترسانته العسكرية وشل قدراته العملياتية بصورة كبيرة.

أما إيران الداعم الآخر لنظام الأسد، فقد واجهت هى الأخرى انتكاسات كبيرة أيضاً، حيث أسفرت الضربات الإسرائيلية في سوريا ولبنان عن مقتل قيادات بارزة في “الحرس الثوري الإيرانى”.

ويبقى الطرف الثالث الداعم للنظام السورى الحالى، وهو روسيا، وقد تراجع الدعم الروسي لنظام الأسد، نتيجة الانخراط في الحرب الأوكرانية، وفتح هذا الباب أمام تحولات جوهرية في مجريات الأحداث.

 ضعف الدعم الروسي

وهناك 3 أسباب لضعف الدعم الروسي لسوريا، وتتمثل هذه الأسباب فى التالى:

1- الاستنزاف العسكري والاقتصادي، حيث أدت الحرب في أوكرانيا إلى استنزاف الموارد الروسية بشكل كبير، مما أضعف قدرتها على تقديم الدعم اللازم لنظام الأسد.
2- وانعكس هذا الضعف على تراجع كثافة الضربات الجوية الروسية في سوريا، مما سمح للمعارضة بتحقيق مكاسب ميدانية.
3- وأدى تراجع الدعم الروسي إلى تراجع معنويات قوات النظام السوري والميليشيات المساندة له.

فرصة المعارضة

واستغلت الفصائل المعارضة ضعف النظام الروسي وحققت تقدمًا ميدانيا ملحوظًا في العديد من المناطق، وعززت هذه الانتصارات معنويات مقاتلي المعارضة وشجعتهم على مواصلة القتال.
ووجهت المعارضة رسائل مباشرة إلى روسيا، داعية إياها إلى إعادة النظر في سياساتها في سوريا.

التأثيرات المتوقعة

ومن المنتظر أن تحدث المعرك الحالية فى سوريا عدد من التأثيرات المتوقعة خلال الأيام القليلة القادمة كالتالى:

  • تصعيد عسكري: من المتوقع أن تشهد المنطقة تصعيدًا عسكريًا كبيرًا في الفترة المقبلة، مع تبادل القصف الجوي والمدفعي بين الطرفين.
  • تدهور الوضع الإنساني: ستؤدي الاشتباكات إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في المنطقة، وتشريد المزيد من المدنيين.
  • تغيير خريطة السيطرة: قد يؤدي النجاح العسكري لأي من الطرفين إلى تغيير كبير في خريطة السيطرة على المنطقة.
  • تأثير على العملية السياسية: قد تعقد هذه الاشتباكات من فرص إحلال السلام في سوريا وتؤثر سلبًا على أي جهود سياسية لحل الأزمة.
  • تداعيات إقليمية ودولية: قد تجذب هذه الأحداث انتباه القوى الإقليمية والدولية، وتؤدي إلى تدخلات جديدة في الصراع السوري.

الآفاق المستقبلية 

وإذا كان من الصعب التنبؤ بنتائج هذه الاشتباكات على المدى الطويل، ولكن من الواضح أن الوضع في سوريا سيشهد مزيدًا من التعقيد والتحديات. ستعتمد نتيجة هذه المعارك على العديد من العوامل، منها: حجم الدعم العسكري واللوجستي الذي تحصل عليه فصائل المعارضة، من جانب والجيش السورى من جانب أخر.

كما يأتى التنسيق بين الفصائل السورية المعارضة عامل أخر فى مدى قدرة هذه الفصائل على التنسيق والعمل بشكل موحد.

ثم يأتى موقف القوى الدولية والإقليمية من الأحداث الجارية، وهو العامل الذى يرى الخبراء أنه لا يجب التعويل عليه.

ويبقى الرهان الحقيقى متمثلا فى رد فعل النظام السوري وحلفائه، وقوة هذا الرد فى الصمود وصد العدوان، والسعى إلى إضعاف وتحجيم ” هيئة تحرير الشام” والفصائل المتعاونة معها ضد الدولة السورية.

طالع المزيد:

 

  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى