عاطف عبد الغني يكتب: الدولة بين الديكتاتورية والرخاوة (1 من 2)

بيان
انهار نظام حكم بشار الأسد في سوريا فانفتحت طاقة جهنم.

وراحت “الميديا” الغربية تصدّر لنا وجها واحدا من وجوه الحكم في سوريا، وتسعي لإقناعنا أن الحاكم المخلوع لم يكن فقط إبليس، الذي يتولي ملف الشر في الأرض، ولكنه أستاذ إبليس، الذي علمه فنون الشر (هل فعلا كان كذلك أم أن هناك ثمة مبالغات مقصودة من هذه الدعايات؟.. هذا محل نظر ولا نتعجل الإجابة حتي تذهب السكرة وتأتي الفكرة).

وما أريد أن أنبه عليه أولا هو عمل هذا النوع من الدعاية الغربية المكثفة والمقصودة، التي ركزت مثلا خلال الأيام القليلة الماضية علي توصيل رسالة مفادها أن بشار ونظامه هو نموذج و “ستريوتايب” لحكام آخرين في المنطقة العربية، وتدعم “الميديا الغربية” بهذا إعلام التنظيمات الإرهابية المنتشرة في المنطقة وخارجها، التي احتفلت بشماتة فجة برحيل بشار، وراحت تعزف علي لحن الغرب وتسقط نموذج بشار (بعد تشويهه) علي أنظمة وحكام عرب آخرين في المنطقة.

ولأننا شعوب طيبة تسيرّها العاطفة أكثر من الفكر، وتتميز بالذاكرة الأسفنجية، التي تفقد ما تحتويه بالضغط، تمارس الدعايات الغربية، ودعايات التنظيمات الإرهابية، اللتين تقفان الآن في خندق واحد – عملها من خلال الضغط علي ذاكرتنا ووعينا الجمعي بالأكاذيب المهندسة من خلال الـ (BRAINWASHING)، وترجمتها غسل الدماغ، ومثالها أن تجعل شخص ما يؤمن بشيء ما من خلال إخباره مرارًا وتكرارًا أن هذا الشيء صحيح ومنع وصول معلومات أخري إليه.

وعلي سبيل المثال: غسل دماغ شخص ما لتجعله يعتقد أن الحرب لا يمكن تجنبها، وفي مثالنا أن تقنع (الميديا) الشعوب العربية أن كل أنظمة الحكم العربية ديكتاتورية ويجب الدخول معها في حرب لإسقاطها.

وهكذا تصبح العقول مهيأة لاستقبال هذه الدعايات.. لماذا؟.. لأنه لا أحد يمنح نفسه فرصة موضوعية لفحص ما يحدث أو اختبار صحة الشائع من هذه الدعايات، ومدي تماسكها علي خلفية الواقع الحقيقي، والتفاعلات التي أنتجت هذا الواقع، الذي يعيشه العرب خلال المائة عام الأخيرة علي الأقل.

وأخطر هذه التفاعلات ناتج عن إصابة الجسد العربي ضعيف المناعة بورم خبيث اسمه إسرائيل، وريث الاستعمار الغربي الذي لم يغادر المنطقة حتي اليوم وبعد مضي أكثر من نصف قرن علي إعلان آخر كيان عربي التحرر منه (البحرين والإمارات وقطر أعلنت استقلالها عن بريطانيا 1971)، ومنذ قيام إسرائيل، وإلي اليوم، لم تسلم دولة عربية، بمكوناتها الثلاث: (الأرض والشعب والحكومة) من مخططات الغزو الرامية إلي تمكين إسرائيل، وسيطرتها علي مقدرات العرب وثرواتهم، والسعي مباشرة ومن خلال الغرب، إلي إضعاف نموذج الدولة الوطنية والسعي إلي إفشالها إن أمكن حتي لا يكون هناك ما يمثل خطرًا حقيقيًا علي إسرائيل أو علي الأقل يصير العرب طيعين للانقياد.

ولن نعيد ونزيد في الحديث عن مخطط الشرق الأوسط الكبير، والدفع بالكيان الصهيوني لقيادة المنطقة عوضا عن مصر بزعم أن مصر فشلت في قيادة المنطقة لأكثر من 50 عاما.

والقصة تبدأ دائما من مصر، فهي رغم أنف الدعاية الصهيونية، كبيرة العرب، القائدة، والملهمة، والتغيير لابد أن يبدأ من عندها، وكانت ولا تزال مصر الهدف الدائم، الذي وضعه الاستعمار القديم والحديث علي لوحة التنشين.

ومنذ أن انسلخت مصر عمليًا عن الإمبراطورية العثمانية في عهد محمد علي، واختارت نموذج الدولة الوطنية، وترسخ هذا النموذج مع ثورة 23 يوليو 1952، ودعمه بقوة الرئيس عبد الناصر، يسعي الغرب إلي تشجيع الداعين لإحياء دولة الخلافة، لضرب نموذج الدولة الوطنية، والقومية العربية، وحركات ودعوات التحرر.

ولهذا السبب أيضا صار عبد الناصر العدو الأول للاستعمار الحديث ولإسرائيل، واستهدفته دعايتهما بالتشويه ونعته بالديكتاتورية، ولا تزال تفعل ذلك إلي اليوم (بعد 54 سنة من رحيله).

فهل سعينا إلي تفهيم الأجيال الجديدة لماذا يحدث هذا؟.

للحديث بقية.

اقرأ أيضا للكاتب:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى