د.ناجح إبراهيم يكتب: هل ستنجح طالبان أم تكرر أخطاءها؟

“هل ستنجح طالبان أم تكرر أخطاءها؟” هذا السؤال طرحها الكاتب والمفكر د.ناجح إبراهيم، فى مقال، وأجاب عليه، وتم نشر المقال في جريدة الوطن اليوم الثلاثاء، وفى التالى نصه:
• لم تمكث طالبان في حكمها الأول لأفغانستان سوى خمس سنوات بخلاف الأعراف المتداولة لأعمار الدول.
• لقد وصلت وقتها للحكم بسهولة بعد مساعدة المخابرات الباكستانية لها فاجتاحت أفغانستان بسرعة مذهلة,واستقبلها الأفغان وقتها بالترحاب لتخلصهم من بطش الميلشيات وقطعهم للطرق.
• ولكن طالبان خيبت أمل الأفغان وأخطأت أخطاء كارثية أدت فيما أدت إليه لزوال طالبان واحتلال أفغانستان ومقتل وجرح وإعاقة قرابة مليون أفغاني,واليوم عادت طالبان للحكم بنفس السرعة الأولي,عشرون عاماً بين حكمي طالبان وكأن التاريخ يعيد نفسه.
• جاءت طالبان للحكم في المرة الأولي والثانية برضا أمريكي باكستاني ,واليوم بالذات جاءت باتفاق مع أمريكا عبر مفاوضات استغرقت سنوات.
• والسؤال الآن : هل تستطيع طالبان الاستقرار في حكم أفغانستان وتطورها من دولة بدوية عشائرية ميليشاوية متخلفة إلي دولة حديثة فيها جيش وطني وشرطة محايدة محترفة ومؤسسات فاعلة وصناعة وزراعة حديثة وتعليم يواكب العصر وتنمية شاملة للمجتمع الأفغاني.
ولن يتم ذلك إلا إذا نفذت طالبان ما يلي:
1- حل كل المليشيات وتسليم أسلحتها وبناء جيش وطني يدافع عن الوطن ولا يحمي جماعة أو ميليشا أو فصيل عرقي بعينه,وينحدر ضباطه وجنوده من كافة الطيف الأفغاني باشتون وطاجيك وأوزبك.
2 – عدم استضافة أي جماعة أو تنظيم متطرف أو مسلح علي أرض أفغانستان,حتى لا تتكرر مأساة استضافة القاعدة الذي كان سبباً في ضياع أفغانستان واحتلالها وتدمير كل شيء.
3- مراجعة كل الأخطاء الكبرى التي حدثت في تجربة حكم طالبان الأول,وذكر هذه المراجعة أمام الشعب الأفغاني وعلي رأسها استضافة القاعدة,وقتل الدبلوماسيين الإيرانيين مخالفة للعرف الدبلوماسي الدولي ومخالفة لقواعد الإسلام التي ترفض قتل الرسل,وعدم تسليم بن لادن مكررين الخطأ الذي وقع فيه خوارزم شاه عندما رفض تسليم قتله التجار المغول مما أدي لاجتياح جنكيز خان لبلاد خوارزم شاه (وهي قدرا نفس بلاد الأفغان) ثم احتلال العراق,وهذا تكرر أيام جورج بوش الابن وكأن الزمان يعيد نفسه.
4 – القضاء تماماً علي زراعة الأفيون أو الاعتماد عليها كمصدر للدخل القومي كما فعلت الميلشيات من قبل.
5 – السعي لإقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية وسياسية مع دول العالم جميعاً والانفتاح علي العالم الإسلامي,بالوسطية والاعتدال والتعقل والحكمة,مع اتخاذ ضابط المصلحة الذي أقرته الشريعة الإسلامية كأساس للعلاقات الدولية.
6 – الانفتاح علي الأزهر كمرجعية إسلامية وسطية اعتمدت عليه افغانستان أيام الملكية,وعدم الدخول مع الدول المجاورة في صراعات مذهبية أو دينية أو سياسية حتى لا تتكرر مأساتها الأولي.
7- ضبط حدود الدولة والتعاون مع الدول الأخرى في محاربة الإرهاب,وتسليم أي إرهابي لدولته أو علي الأقل عدم السماح له بالبقاء في أفغانستان لأنها لو استضافت عدة إرهابيين من عدة دول فإن علاقاتها بهدف الدول ستتقطع وتمزق,وعليها أن تعيد علاقاتها الدافئة التي كانت أيام الملكية الأفغانية.
والحقيقة أنه لو بقيت الملكية في أفغانستان لكانت أفضل لها من الحكم الشيوعي الذي فرضته روسياً قهراً علي هذه البلاد المسلمة كما فرضته علي اليمن الجنوبي وألبانيا وكلها دول مسلمة لايلائمها هذا الحكم,والملكية أفضل كذلك من حكم الميلشيات,فالملكيات عاقلة وحكيمة عادة أما الميلشيات فلا عقل لها ولا حكمة لديها أي كان توجهها.
8- عدم التدخل في شئون الدول الأخرى بحجة سوء معاملتها للأقليات المسلمة وهذه الحجة يمكن أن تجعلها تعادي العالم كله.
9 – التئام وتوحد النسيج الأفغاني كله بأعراقه الثلاثة الأوزبك والطاجيك والباشتون,والذي ينحدر الطالبان منهم).
10 – الاهتمام بالقوة الناعمة للدولة وعدم تكرار المأساة السابقة في الحكم الأول حيث حرموا التلفزيون ولم يكن معظم الشعب يعرف صورة رئيسهم الملا عمر,فحرمت طالبان نفسها ووطنها من أهم القوى الناعمة,وبناء إعلام قوي,وفنون هادفة,وصحافة حرة,والاهتمام بالأدب والشعر والفكر,حتى نري أفراد طالبين أكثرهم مفكرين وعلماء لا حملة سلاح وحرب,فالعلم والفكر أقوي من السلاح.
11 – الاهتمام بفقه التحضر وترك فقه البداوة والصحراء والجفاء ففقه التحضر يعني القوة مع التسامح والعفو والمحبة والإخاء والتبشير لا التنفير وقبول الآخر والتعاون الإنساني والبحث عن المشتركات الإنسانية التي تجمع ولا تفرق.
12- استلهام تجارب اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة في بناء الدولة الحديثة التي تهتم بالتعليم والصحة والصناعة والبحث العلمي وتنمية المجتمع من كافة النواحي,ولن يكون ذلك إلا ببناء المجتمع.
13- عدم حكم أفغانستان بعقل وفكر الجماعات الضيق ولكن بفعل وفكر الدولة الحديثة,التي تسع الجميع وتساوي بين الجميع,وتعطي المرأة حقوقها,ولا تقوم علي سد الذرائع ولكن فتح الذرائع,ولا تقوم علي التشديد الفقهي ولكن التيسير في إطار الشرع,وايفاد النابهين لتعلم كل العلوم في كل الدول المتقدمة,فتح مجالات التعليم للمرأة وعدم تكرار خطأها القاتل في حكمها الأول بحرمان المرأة من التعليم الجماعي مما حرم أفغانستان من وجود الطبيبة,المهندسة,وغيرها.
• والخلاصة علي طالبان أن تخلع عباءة الميلشيا والجماعة والسلاح لتذوب في المجتمع وتبني دولة حديثة,فالجماعة سهلة أما بناء الدولة واستقرارها واستمرارها فصعب جداً,والوصول للحكم سهل ولكن الحفاظ عليه مع بناء دولة عصرية صعب جدا.

زر الذهاب إلى الأعلى