عاطف عبد الغني يكتب: يسوع واليهود والحرب الدينية (2من 3).. من عزرا إلى هرتزل

بيان

بكى يسوع المسيح عليه السلام حزنا على “أورشليم ” وتنبأ بهلاك المدينة المقدسة والهيكل الذى كان فى وقت من الأوقات رمز التوحيد فى الأرض، وسجلت الأناجيل المشهد الوداعى فى كلمات يسوع:

“يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا!”، واستطرد متنبئًا: “وَيَهْدِمُونَكِ وَبَنِيكِ فِيكِ، وَلاَ يَتْرُكُونَ فِيكِ حَجَرًا عَلَى حَجَرٍ، لأَنَّكِ لَمْ تَعْرِفِى زَمَانَ افْتِقَادِكِ”.

وبعد 40 عاما (عام 70 م) تحققت النبوءة، ودمّر الرومان (حكام فلسطين المحتلين) أورشليم واقتلعوا الهيكل الثاني من أساساته، بعد قمع الرومان لثورة اليهود فى فلسطين فى سعيهم لإنشاء كيان سياسي خاص بهم.

وهرب من تبقى من اليهود خارج فلسطين، فانقطع تاريخهم فيها، وساحوا فى الأرض، ودخلوا مرحلة اشتهرت فى التاريخ بـ”الشتات الكبير”، (تمييزا عن شتاتهم فى سيناء لمدة 40 عاما خلال خروجهم من مصر فى عهد نبى الله موسى عليه السلام).

واستمر الشتات الأخير أو الشتات الكبير ما يقرب من ألفى عام، اندمج خلالها عنصرهم مع عديد من عناصر الشعوب الأخرى، وحملوا جنسيات بلاد عديدة، وجرت تغييرات كثيرة على تركيبتهم العرقية، وأكبر هذه التغييرات حدثت مع اعتناق قبائل الخزر للديانة اليهودية، وهى قبائل تنتمى للعرق التركي، وجاء منهم يهود أوروبا الشرقية (الأشكيناز).

والحقيقة السابقة تنفى أن اليهود هم فقط أبناء إسرائيل (يعقوب)، وهو ما تنفيه الأدلة الأنثروبولوجية وتدحض حقائق التاريخ الاعتقاد الشعبي القائل إن هناك عرقًا يهوديًّا ينحدر من أسباط (قبائل) الكتاب المقدس الـ12.

ومع الوصول للقرنين الـ18 و 19م، أصبح اليهود يمثلون فى أوروبا أزمة ومشكلة، ليس فقط لحكومات وشعوب أوروبا، ولكن لليهود أنفسهم، وقد فشلوا فى محاولات الاندماج مع أوروبا المسيحية، لأسباب تتعلق بأساطيرهم التلمودية، فضلا عن ممارساتهم غير الأخلاقية التى قارنتهم بالغجر فى نشر المفاسد الاجتماعية، وارتكاب الجرائم.

وعلى إثر فشل دعوات الاندماج والمواطنة، انبعثت الحركة الصهيونية الراكدة، بين نُخَب اليسار اليهودى فى أوروبا تدعو إلى إيجاد وطن بديل لليهود، وفى البداية كان لديهم استعداد للقبول بأى مكان من العالم لإنشاء دولتهم، فى أمريكا اللاتينية أو إفريقيا، لكن هرتزل ورفاقه غالبًا سألوا أنفسهم نفس سؤال نبيهم عزرا خلال السبى البابلى وهو: كيف أقنع هؤلاء اليهود الذين استقروا بالعراق وأعود بهم إلى فلسطين؟

وكانت الإجابة هى: اللجوء إلى أسطورة (العودة إلى جبل صهيون المقدس).. كان عزرا قد جمع أساطيرهم المقدسة، وأقنعهم فيها أن الله وعدهم بأرض الميعاد، وفعل هرتزل ورفاقه نفس الشىء، ولأجل استدعاء الحماسة والتعبئة والتحشيد، روجت الصهيونية الحديثة لأساطير: “شعب الله المختار، وعودة اليهود من الشتات (الدياسبورا) إلى أرض الميعاد، وأرض بلا شعب لشعب بلا أرض” وذلك لتبرير مشروعها الاستيطاني.

ومازال لكلامنا بقية.

اقرأ أبضا:

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى