وثائق ومستندات شتاء 25 يناير 2011 (1) رجلهم فى مصر
عاطف عبد الغنى يكتب:
تقديم
الخيانة ليست وجهة نظر
14 عامًا كافية لأن تجعلنا نقلق على ضياع الحقيقة، بالنسيان أو التجاهل أو الانشغال، حتى ولو كان الحدث أخطر من أن تتجاوزه الذاكرة، أو يُدفن في ثقوبها السوداء. وهو بالفعل حدث مهم وخطير، ولن نتجاوز إذا قلنا إن ما حدث فى 25 يناير عام 2011، وما تلاه من أحدث وتبعات، فى مصر تحديدا، هو أحد أهم وأخطر 6 أحداث في تاريخ مصر الحديث بعد الاحتلال البريطاني لمصر 1882، ثم ثورة 23 يوليو 1952، والعدوان الثلاثى 1956، ونكسة 1967، حرب أكتوبر 1973، وسادسها ما أطلق عليه: “ثورة 25 يناير، أو ثورة اللوتس، أو أحد فصول الربيع العربى.
من البداية، دعنا لا نختلف. إذا كنت ترى أن ما حدث في 25 يناير 2011 ثورة، فأنا لن أعترض، ولكن لن أوافقك بالمطلق، ولن أمسك العصا من المنتصف أيضا لأننى لا أريد أن اكسب رضائك بالخيانة: خيانة الوطن، والحقيقة، والخيانة ليست وجهة نظر
“ربنا عرفوه بالعقل” جملة انطبعت فى ذاكرتى منذ الطفولة، كنت اسمعها من شيخ حكيم بسيط قريب لى، كان يدرك الأمور بذكاء فطرى،
وأول إدراك فى موضوعنا هذا هو أن هناك فارق كبير بين أن ينتفض فرد أو شعب أو أمة من تلقاء نفسه، ويثور على أثر ظلم وتعدٍّ وخداع مبين، وبين، أن يتدخّل عدو بالفتنة والتحريض، ليحشد فرد أو شعب – مستغلا غضبته – ضد وطنه، ضد ذاته فيسقط هذا الشعب فى خطيئة الانتحار، أو إيذاء نفسه كمن يقطع يده اليسرى بسيف تحمله يده اليمنى.
فى العشرين عاما التى سبقت هبة رياح الربيع المسمومة، كان هذا العدو يعمل بهمة ونشاط مخطط فى دفع النظام الحاكم فى مصر إلى ارتكاب أخطاء شنيعة، ويضغط على مساحات ضعف هذا النظام لينفذ منها، ويتفنن فى إبداع مثيرات الغضب، والتثوير، ويدعم وسائل الثورة.
وتم تضخيم أخطاء النظام، والنفخ في مستصغر الشرر لإشعال الحرائق فى أماكن مختلفة، وإصابة جسد النظام بألف جرح “والتعبير لأحد سفراء أمريكا فى مصر الذى تورطوا فى المخطط”، والتفاصيل قادمة.
بالتواز مع عمل عدو الخارج كانت جماعات الكراهية والتحريض والإرهاب إخوانية الجنسية أو الهوى تلجأ لميكانيزمات الخديعة لتغطى بها أنيابها التى شرعتها للانقضاض على جثة الدولة وسلب الحكم حال سقوط مؤسساتها مثخنة بالجراح أو صريعة.
على خشبة مسرح الأحداث كان يرقص بنشوة عارمة – أيضا – نفر ممن اصطلح على تسميتهم “الناشطين المدنيين”، من الليبراليين الجدد أو القدامى، المنتمين منهم إلى اليسار أو اليمين، وهم ثلة الأرزقية من النخب، صنعتها الضرورة وحاجة الخارج لأدوات تعمل فى الداخل، اصطلح على تسمية عملها بـ “الدبلوماسية الموازية” وطفح المتمولون كالبثور والدمامل على وجه الوطن، أغلبهم قادم من قاع الجوع، طامع فى جزرة التمويل، التى توزعها المؤسسات المانحة لتفيذ مشاريع “النيو ليبرالية” من إلغاء عقوبة الإعدام إلى نشر ثقافة الجندرية، والفيمينيزم، وفرض حقوق مجتمع الميم.. الناشطون مدوا أيديهم وتعاونوا مع مؤسسات مثيلة مصممة للعمل فى بلادنا فقط، مثل المعهدين الجمهورى، والديمواقراطى.
خذ بالك أن هؤلاء الناشطين غير نخب الليبرالية المصرية للأسف، والتى كانت تسلك طريق آخر يوصل من جهة ميدان التحرير إلى السفارة الأمريكية، ويقود فى العودة إلى ميدان التحرير أيضا.
سوف أعرض لك فى التالى حيثيات الحكم على الأشخاص والأحداث، بأدلة ومعلومات موثقة، ولك أن تصنع منها عريضة الاتهام، أو تمنح المتهمين صك البراءة إذا لم تقتنع أنت حر فى رأيك، لكن لا تحاول أن تجادل فى تبرير الخيانة، والعمالة، والمؤامرة، لأنها ليست وجهات نظر ولكنها تاريخ مخلوق مع البشر، ورواية من الصراع بيننا وبينهم.. من هم وماذا يريدون، سوف أقول لك وأروى بالتفصيل (فقط امنحنى بعض من مخزون صبرك) وأول الروايات، أن زعيم فرنسا الحرة الجنرال شارل ديجول علّق على محاكمة المارشال بيتان وغيره من الفرنسيين الذين تعاونوا مع المحتل النازي إبان احتلاله لبلادهم، فقال قولته المشهورة: “الخيانة ليست وجهة نظر”.
من هم؟ وكيف خانوا؟! وثائق من استخدموهم تفضحهم فانظر.
عاطف عبد الغنى / شتاء 2025
(1)
“رجلهم فى مصر”
لماذا يتآمر الغرب علينا؟!
لا توصف أعمال الأجنبى “غير الوطنى” العدائية بالخيانة؟! فالخيانة لا تكون إلا من الوطنى أو الذى تظن أنه صديق أو موالى لك، فلا تتوقع طعنته.. أما إذا جاءت الطعنة من غير صديق أو جهة غير معاهدة، فهى حرب ضدك، صادرة عن مخطط أو ومؤامرة.
ومن الممكن أن نجيب على السؤال الذى طرحناه أولا بالقول: “يتآمر الغرب عشان كيت وكيت”، لكن كيف نوثق قولنا هذا؟ حتى لا نكون مبالغين فى استخدام نظرية المؤامرة؟! .. الإجابة أن نقدم الوثائق التى بحوزتنا لتأكيد الاتهام بالمؤامرة، ومن الوثائق مثلا هذا الخطاب السرى، الذى تم تسريبه فى “كابلات ويكيليكس” وهو صادر عن السفارة الأمريكية فى القاهرة وبياناته كالتالى.
تاريخ الصدور: (Date: 2006-03-06 12:41).
الرقم الكودى: (Ref ID: 06CAIRO1351).
عنوانه المصدّر به من السفارة:
(US embassy cables: Mubarak: Egypt’s president-for-life )
فيما أعطته “كابلات ويكليكس” عنوانا آخر هو:
(US Embassy Cables: US planning for Mubarak succession sinc 2006)
وترجمته أن الولايات المتحدة تخطط لخلافة مبارك منذ عام 2006
والخطاب يحمل توقيع الاسم الثانى للسفير الأمريكى فى القاهرة: “ريتشاردونى”.
ريتشاردونى
فرانسيس ريتشاردونى (Francis J. Ricciardone) هذا السفير “اللذيذ” الذى تعامل البعض معه كما لو كان من مريدى السيد البدوى، أو دراويش سيدنا الحسن، بينما فى الحقيقة كان الأخير يطبق ما يطلق عليه “الدبلوماسية الشعبية” ليجذب أفرادا وطوائف من المجتمع المصرى إليه، خاصة ممن ينتمون إلى فئات الإسلام المعتدل مثل “الصوفية”، وربما هذا يفسر لماذا كان يرتاد (هذا الخواجة) الموالد، ويختلط بأهل الذكر، ويأكل الفتة ويصرح بأنه يعشق الملوخية.
أما موضوع الخطاب الصادر عن ريتشاردونى لإدارة الخارجية الأمريكية فى عاصمة بلاده واشنطن فهو عبارة عن تقدير موقف، يحمل رؤية السفير لخطوات تطور “التغيير الديمقراطي لمصر” المنشود من الحكومة الأمريكية، انطلاقا من الوضع الراهن للحكم، والحراك الذى كان قد بدأ بالفعل من خلال دعم قنوات الدبلوماسية الموازية لناشطى التغيير، وكارهى نظام الرئيس مبارك فى مصر.
صورة خطاب السفير الأمريكى بالقاهرة فرانسيس ريتشاردونى لحكومة بلاده
.. بدأ السفير خطابه “وثيقة رسمية” بمقدمة وملخص، جاء فيهما:
التركيز على أن الرئيس مبارك الذى يبلغ من العمر 77 عاما كان هذا عام (2006 وبعد انتخاب مبارك رئيسا فى انتخابات سبتمبر 2005) لا محال سوف يشهد عهده خلال مدته الرئاسية (الست سنوات القادمة من تاريخ الخطاب) انتقالا للسلطة، ويجب أن تكون أهداف الولايات المتحدة الأمريكية (المتفق عليها حسب مخطط) أن يسمح من يخلفه بالانتقال لنظام الحكم النيابى، (بمعنى تغيير النظام الرئاسى الموجود فى مصر إلى حكم برلمانى).
وتؤكد مقدمة وملخص الخطاب ملحوظة مهمة من وجهة نظر السفير ألا وهى أن “جماعة الإخوان المسلمين تزداد ثقة فى نفسها”، وكما وردت بلغة الخطاب: the Muslim Brotherhood’s confidence is growing “.
نصائح السفير
ويأتى الجزء الثانى من الخطاب، بعد المقدمة والملخص يحمل عدة نصائح يقدم فيها السفير، عدة خطوات ويطلب تنفيذها، ومنها أنه يطالب حكومته بالتّدخل والضغط لأجل الدفع بتنفيذ برنامج الإصلاح (تحاول أمريكا فرضه على مصر بينما يسخر منه مبارك)، ويركز هذا البرنامج على إصلاح (من وجهة النظر الأمريكية) لمنظومة الإعلام، ومكافحة الفساد، والبدء – على الأقل- في زرع بذور التحول داخل الجيش (يقصدون تغيير عقيدة الجيش العسكرية، فيما يخص االعد التاريخرى، وربما يقصدون إبعاده عن المشاركة فى أى شىء يخص السياسة، حتى لا يتم الاستعانة بالجيش فى أوقات الأزمات القادمة بين الشعب والنظام، وتمضى الأمور كما هو مخطط لها فى الخارج).
ويطلب أيضا ريتشاردونى من حكومته الاستمرار في مساعدة الأحزاب السياسية القانونية من خلال IRI و NDI ، (المعهدين الجمهورى والديموقراطى الأمريكيين وكان قد بدأ عملهما فى مصر بشكل غير رسمى لتدريب النشطاء، وتجهيز جيل جديد يساعد فى تنفيذ الخطوات الدافعة لمخطط الفوضى كما هندستها المراكز البحثية فى واشنطن وعواصم أوروبية أخرى).
يطالب أيضا السفير فى خطابه: مع التركيز على الحزب الوطني الحاكم كما يطالب بخطوات ثلاثة مهمة هى كما وردت فى خطابه:
– مواصلة دعم حكومة الولايات المتحدة من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومبادرة الشراكة للمجتمع المدني المصري، بما في ذلك الدعوة إلى الإصلاحات الهيكلية من خلال التشريعات الرئيسية والمساعدة التقنية.
– ضمان النجاح السياسي لبرنامج الإصلاح الاقتصادي ومراجعة برنامج المساعدة العسكرية لدينا مع التركيز على IMET.
وفى الترجمة النصية لبعض فقرات الرسالة يقول السفير “على الأرجح لن يكون من الممكن إحراز تقدم ديمقراطي كبير ما دام الرئيس مبارك باقي في منصبه. ومع هذا فإن حكمه القاسي يوفر مساحة ويعطي وقتا لإعداد المجتمع المدني وبعض مؤسسات الحكومية المصرية لحين رحيله”.
ويضيف السفير: “ليس لدينا حل ناجع لكل شيء، ولكن يمكننا الضغط من أجل التغييرات التي ستؤدي حتما، إلى الموت عن طريق ألف جرح صغير لنظام مصر السلطوي.
ونصح ريتشاردوني باستهداف سيدة مصر الأولى في وقتها سوزان مبارك بالضغوط لتزيد بدورها من الضغط على مبارك (لا توضح الرسالة ضغوطها فى ماذا؟) وينصح ريتشاردونى بأن تتم دعوتها لزيارة البيت الأبيض، لإحداث تغييرات وذلك ضمن استراتيجية للضغط على الدائرة المقربة من مبارك والمتمثلة فى رئيس الديوان الرئاسي زكريا عزمي ورئيس المخابرات المصرية عمر سليمان ونجل مبارك جمال.
ونلمح فى البرقية الأساليب التى يرشحها السفير الأمريكى، كأحد ميكانزمات التغيير من خلال خداع الشعب المصرى، التى ينصح باستخدامها، مثل أن يتم ذلك عن طريق أصدقاء أمريكا وحلفائها في مصر من أجل الترويج لأفكارهم (الأمريكان) وكأنها “أفكار مصرية”، وفى هذا الصدد قال ريتشاردوني:
“إن ذلك يمكن أن يحدث عن طريق اللقاءات والحديث مع الجماهير” مشيرا إلى اللجؤ لطرق إرسال الرسائل غير المباشرة، حتى يتم تبني تلك الأفكار بمساعدة المجتمع المدني وخصوصا فيما يتعلق بالانتخابات وتصل الرسائل للمواطنين كأنها أفكار مصرية، وكان ما سبق جزءا من البرامج التى مولها المانحون لمن عرفوا بنشطاء المجتمع المدنى.
المجتمع المدني
ووصف ريتشاردوني دور المجتمع المدني في مصر في البرقية التي حصلت “وكالة أنباء أمريكا بأن أرابيك” على نسخة منها فقال: “النخبة من المجتمع المدني سوف يستمرون في الانخراط في مناقشات التغيير لكن بدون تأثير أو قدرة على القيام بتغيير منظم ومحسوس قبل أن يرحل مبارك”.
كما امتدح ريتشاردوني عمل مركز ابن خلدون الذي يرأسه الناشط المصري- الأمريكي الدكتور سعد الدين إبراهيم وآخرون في البرقية.
وقال ريتشاردوني إن أمريكا ستقدم “دعما فنيا” للأحزاب السياسية المصرح بها عن طريق المعهد الديمقراطي الدولي والمعهد الجمهوري الدولي الممولين من الحكومة الأمريكية وغير المصرح بعملهما في مصر.
وتوقع ريتشاردوني زيادة شعبية الإخوان المسلمين لأنهم يقدمون خدمات اجتماعية لا تقدمها الحكومة المصرية نفسها، بحسب البرقية الدبلوماسية.
وطالب السفير الأمريكي ريتشاردوني بمراجعة المساعدات العسكرية لمصر لتشمل أسلوب تغيري أكبر.
ويذكر أن كلمة الإصلاح تستخدم سياسيا في أمريكا بمعنى التغيير.
وتظهر البرقية عدم قدرة الدبلوماسي الأمريكي المخضرم رغم هذا على توقع الثورة المصرية، فى وجود مبارك فى السلطة، فقال: “لن تكون هناك ثورة برتقالية على ضفاف النيل طالما كان مبارك موجودا، ولكن علينا أن ندعم كل تقدم ديمقراطي ولو متواضع”.
والملاحظة المهمة هى أن السفير ركّز فى خطابه على هذه العبارة التى كتبت ببنط أسود (أثقل) وجاء فيها:
Continue USG support through USAID and MEPI to Egyptian civil society, including advocacy for structural reforms through key legislation and technical assistance.
ويجب أن تتوقف مثلى لتبحث عن معنى للحروف الثلاثة ” USG” وقد طلب السفير دعمها فى مصر من خلال أكبر الداعمين والمانحين وهما هيئة المعونة التابعة للولايات المتحدة الأمريكية “يو أس أيد US Aid”، ومؤسسة الشراكة “MEPI” التى تم إنشاؤها خصيصا لتدعم الانقلاب، أو التحول الديموقراطى كما يحلو لأمريكا والغرب أن يجملوه، ونعود ونسأل ماذا تختصر هذه الحروف الثلاثة USG؟ ونقول هى اختصار لمسمى (US group) وترجمتها “مجموعة الولايات المتحدة فى مصر .. أصدقاءها، من نخبة الفكر والسياسيين والنشطاء والعملاء أيضا.
هذا السفير
وقبل أن نغادر دعنى أقول لك كلاما شبه رسمى عن رجل أمريكا فى مصر، سابق الذكر، المعنى فى الوثيقة السابقة، ووثائق تالية، واسمه بالكامل فرانسيس جوزيف ريتشاردوني جونيور (Francis Joseph Ricciardone Jr)، مولود فى عام 1952 ومكان ميلاده بوسطن، ماساتشوستس، الولايات المتحدة، وحصل على درجة البكالوريوس من جامعة دارتموث عام 1973، كما درس اللغتين العربية والتركية في معهد الخدمة الخارجية بالولايات المتحدة، ويجيد الحديث بهما إلى جانب لغته الأم.
وتشير سيرته المهنية إلى أنه قضى أكثر من ثلاثة عقود في السلك الدبلوماسي الأمريكي، حيث خدم في العديد من الدول، لا سيما في الشرق الأوسط وآسيا، حيث عمل سفيرا للولايات المتحدة في كل من الفلبين (2002-2005)، وتركيا (2011–2014)، لكن يشار إلى أن أبرز المحطات في مسيرته كانت تعيينه سفيرا للولايات المتحدة في مصر (2005–2008)، خلال فترة حساسة في العلاقات الأمريكية – المصرية، حيث شهدت هذه الفترة تغيرات سياسية واقتصادية في مصر، وحسب المعلن من الجانب الأمريكى الرسمى فقد كان ريتشاردونى مهتمًا بدعم برامج الإصلاح السياسي والاقتصادي في دعم القضايا المتعلقة بالإصلاح الديمقراطي وحقوق الإنسان، مصر، وهو ما أثار أحيانًا نقاشات واسعة في الأوساط السياسية المصرية.
فضائح العراق
وخلال مسيرته كان ريشاردونى مبعوثًا خاصًا ومساعدًا لوزير الخارجية الأمريكي في عدة ملفات أخرى معقدة، وأخطرها فى العراق، حيث لعب دورًا بارزًا فيه، خاصة خلال الفترة التي شهدت غزو العراق عام 2003 وما تبعه من تطورات سياسية وأمنية كان لها تأثيرا مباشرا على السياسات الأمريكية في المنطقة، كما لعب دورًا محوريًا في التخطيط لمرحلة ما بعد الإطاحة بنظام صدام حسين، حيث كان جزءًا من الجهود السياسية التي استهدفت إعادة بناء المؤسسات العراقية وصياغة نظام سياسي جديد، لكنه واجه انتقادات بسبب السياسات الأمريكية في العراق، والتي عانت من إخفاقات كبيرة على مستوى الأمن وإعادة الإعمار.
كما كان جزءًا من فريق دبلوماسي وعسكري واجه صعوبات في التعامل مع التوترات الطائفية وتصاعد العنف، وفي عام 2004، خلال وجوده بالعراق تم الكشف عن الانتهاكات المروعة التي ارتكبها جنود أمريكيون بحق السجناء العراقيين في سجن أبو غريب، والتي تضمنت التعذيب والإهانة والمعاملة اللا إنسانية.
هذه الفضيحة أثارت غضبًا عالميًا ووجهت ضربة كبيرة لسمعة الولايات المتحدة في العراق وخارجه، وبوصفه أحد كبار المسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية، كان على ريتشاردوني التعامل مع تداعيات الفضيحة، التى دافع عنها بالقول إن الانتهاكات كانت أعمالًا فردية لا تمثل السياسة الرسمية للولايات المتحدة، وحاول توضيح التزام أمريكا بحقوق الإنسان والقانون الدولي، وركز على إظهار أن الولايات المتحدة تتخذ إجراءات لمعاقبة المسؤولين عن الانتهاكات، لكن الفضيحة بقيت نقطة سوداء، تضاف إلى نقاط أخرى فى تاريخ أسود لسيدة الإمبريالية الاستعمارية فى طبعتها الحديثة: الولايات المتحدة الأمريكية.
………………………………………………
* شغل بعد ثورة يناير 2011 منصب رئيس الجامعة الأمريكية بالقاهرة.