وثائق ومستندات شتاء 25 يناير 2011 (2) البرادعى وجلبى ومرزوقى وبوش وكونداليزا والنيوكونز
عاطف عبد الغنى يكتب:
في عام 2006، كانت الولايات المتحدة الأمريكية، الإمبراطورية والقطب الأوحد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، تحت قيادة الرئيس جورج والكر بوش (George W. Bush)، المعروف باسم “بوش الابن”.
وعلى رأس السياسة الخارجية لإدارته كانت وزيرة الخارجية ذات الأصول الإفريقية كونداليزا رايس (Condoleezza Rice)، التي اشتهرت بلقب “كوندي”.
في تلك الحقبة، كانت أيديولوجية “المحافظين الجدد” (Neoconservatives) ، ويشار لهم اختصارا بـ “تيوكونز” هي البوصلة الفكرية التي توجه السياسة الأمريكية. هؤلاء المفكرون والسياسيون، الذين يُعرفون في منطقتنا بـ”المحافظين اليمينيين الجدد”، هيمنوا على المشهد السياسي الأمريكي، وتركز نفوذهم على صياغة استراتيجيات الإدارات الأمريكية المتعاقبة طوال ربع القرن الذي سبق تولي دونالد ترامب منصب الرئاسة في ولايته الأولى عام 2016.
من هم ؟!
لأن الشعوب العربية، والمصريون بصفة خاصة، غير مؤدلجين، فهم لا يستوعبون فكرة تأثير الأيدلوجيات على السياسات فى الغرب، لسبب بسيط لأن السياسة لا تمارس فى بلادنا على الأساس السابق والغالبية الكاسحة من المصريين لا تهتم بأن تعرف الفرق بين اليمين واليسار، أو عقيدة الوفديين الليبرالية، ومؤيدى حزب التجمع اليسارى، أو الأفكار التى انطلقت منها جماعة الإخوان، مثلا، وأسسوا تنظيمهم عليها وهكذا.
أما جماعة “المحافظون الجدد” فى الغرب فقد أثروا بأفكارهم تأثيرا كبيرا على الحكام فى أمريكا والسياسات الحاكمة، لذلك نحن نحتاج أن نعرفهم أكثر، فمن هم؟
هم تيار قاد توجهات ورؤية الإدارة الأمريكية ورسم لها سياساتها فى التعامل مع العالم الخارجى، خاصة منطقة الشرق الأوسط التى توجد فيها إسرائيل.
وترى الدورية الفرنسية المعنية باستيراتيجيات السياسة والدبلوماسية العالمية (اللوموند دبلوماتيك) أن بزوغ التيار الفكرى للمجموعة التى أطلق عليها “المحافظون اليمنيون الجدد”، وسيطرته على فكر رجال الحكم والإدارة فى أمريكا، جاء في السبعينيات من القرن العشرين الماضى، حين تمكنت هذه المجموعة من إزاحة سياسة أمريكا، التى كانت تدعو إلى الانفراج والاحتواء والتعايش، إبان الحرب الباردة، ضد الاتحاد السوفيتى والمعسكر الشرقى، إلى خلق سياسات فرض الأفكار الإمبراطورية الأمريكية بالقوة المسلحة والهيمنة على العالم.
وقامت المجموعة بوضع مشروع فكرى لأجل ما سبق حمل نفس اسم المؤسسة التى أنشأتها المجموعة وهو “مشروع القرن الأمريكى الجديد Project for the New American Century”.
قصة يهودية أمريكية
لكن هناك من ذهب أبعد من التعريف التقليدي لتيار “المحافظين الجدد” وتعمق في نشأته وتكوينه، كاشفًا عن جذور يهودية-أمريكية تعود إلى الأوساط الفكرية في نيويورك خلال خمسينيات القرن العشرين. في تلك الفترة، كانت الماركسية (الشيوعية) تحظى بتأثير كبير، ومع انعقاد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي وكشفه عن فظائع ستالين، بدأت الانقسامات تضرب الأوساط اليسارية الأمريكية. ونتيجة لذلك، سعى بعض المثقفين اليهود الأمريكيين للتمييز عن الماركسية الستالينية العلنية، فتحولوا نحو التروتسكية، واعتبروا الصراع مع الاتحاد السوفيتي أولوية قصوى.
كان لهذا الموقف أبعاد أعمق، خاصة مع السياسات السوفيتية المناهضة لبعض المنشقيين اليهود وقيودها على هجرة اليهود السوفيت. منذ ذلك الحين، وجد “المحافظون الجدد” تضامنًا مع هذين الملفين، وبدأت مواقفهم تختلف عن بقية اليسار الأمريكي الذي بدأ بعض أعضائه ينتقدون الصهيونية، الاحتلال، والسياسات الإسرائيلية.
مع مرور الوقت، انشق هؤلاء التروتسكيون اليهود عن الحزب الديمقراطي الأمريكي، الذي كان معظمهم ينتمي إليه، وفي أواخر الستينيات ومطلع السبعينيات، تحولوا إلى تعزيز أفكار اليمين المتطرف. بذلك، أصبح “المحافظون الجدد” رمزًا لتحالف غير مقدس بين اليهود المنشقين عن الحزب الديمقراطي والبروتستانتيين الأصوليين المتشددين، مما شكل وجهًا جديدًا ومؤثرًا في السياسات الأمريكية منذ ذلك الحين.
تعزز الرواية السابقة اعتراف بول وولفويتز، أحد أبرز السياسيين المنتمين إلى تيار “المحافظين الجدد”، حين صرح بأن أعضاء هذه المجموعة هم “الأحفاد المباشرون للهولوكوست” (المحرقة النازية لليهود). وأوضح أن صعودهم في المشهد السياسي الأمريكي تزامن مع تنامي الحديث عن الهولوكوست في الولايات المتحدة خلال ستينيات القرن الماضي.
كراهية العرب والمسلمين أساس أفكارهم
تتمحور الفكرة الأساسية للمحافظين الجدد حول ما يُعرف بـ”الاستثناء الأمريكي”، وهي قناعة بأن الولايات المتحدة تتمتع بمكانة عالمية فريدة تتيح لها ما لا يحق لغيرها، وتبرر لها ما يُعد غير مقبول لدى الآخرين.
من هذه الفكرة انبثقت فكرة محورية أخرى، وهي “الهيمنة الأمريكية”، التي تعتبر أن الدور الطبيعي لأمريكا هو أن تكون القوة المهيمنة على مستوى العالم.
ولتحقيق هذه الهيمنة، يعتبر المحافظون الجدد أن استخدام العنف والقوة بكافة أشكالها أمور طبيعية ومبررة تمامًا. كما يؤمنون بأن السعي لتحقيق هذا الهدف يستدعي تجاهل القانون الدولي وأحكامه، فضلاً عن التخلي عن أي اعتبارات أخلاقية في العلاقات والسلوكيات الدولية.
إلى جانب ذلك، يظهر هؤلاء المحافظون عداءً شديدًا تجاه الإسلام والعرب والمسلمين، ويبررون بشكل علني التدخل المباشر في شؤون الدول العربية والإسلامية بهدف فرض سيطرتهم وإخضاعها لسياساتهم.
وقد اعتمد “المحافظون الجدد” على مؤسستين فكريتين أساسيتين لتحقيق نفوذهم والوصول إلى مراكز صناعة القرار. الأولى هي مجلس سياسات الدفاع التابع لوزارة الدفاع الأمريكية، الذي يترأسه ريتشارد بيرل، ويضم المجلس أسماء بارزة مثل هنري كيسنجر، نائب الرئيس السابق دان كويل، وزيري الدفاع السابقين جيمس شليزنجر وهارولد براون، والمتحدث السابق باسم مجلس النواب نيوت جينجريتش، إلى جانب مجموعة من كبار القادة العسكريين وصناع السياسات في الولايات المتحدة.
مع وصول الجمهوريين إلى السلطة، تسلل “النيوكونز” إلى مفاصل الإدارة الأمريكية، منتظرين اللحظة المناسبة لتنفيذ خطط أُعدت مسبقًا لسنوات طويلة.
والمثير للدهشة أن أحد رموز هذا التيار نشر مقالًا في الأول من يناير 2001، أي قبل ثمانية أشهر من أحداث 11 سبتمبر. في هذا المقال، دعا إلى إعداد مخطط حرب مشترك بين إسرائيل والولايات المتحدة، مؤكدًا على ضرورة انتظار أزمة سياسية طارئة، وكتب حرفيًا: “الأزمات هي الفرص التي ننتظرها لإطلاق مخططاتنا”.