أحمد عاطف آدم يكتب: أرقام محبطة وسلوكيات مشوشة
بيان
رقم صادم سجلته الإحصائيات الرسمية بدولة الجزائر نهاية العام الماضي ٢٠٢٤، يتعلق بارتفاع معدلات الطلاق هناك، حيث بلغ عدد الحالات المسجلة يوميًا ٢٤٠ حالة، وهو ما يعادل ٨٧ ألفًا و٦٠٠ سنويًا، لتصل النسبة المئوية للطلاق آخر العام ٣٣% من حالات الزواج.
وإذا استطلعنا باقي النسب المسجلة في الدول العربية الأخرى، وعلى رأسها مصر، من المؤكد أننا سنُصعق بأرقام محبطة منذ سنوات، ومهددة لاستقرار الأسرة والأبناء، وأزيدك معلومة أخرى مفجعة عزيزي القاريء، هي أن المطلقين والمطلقات أصبحوا الآن لا يندموا على إنهاء العلاقة – بل يحتفلون بالانفصال – وكأنه إنجازًا تاريخيًا يحسب لهم، وحلم كان بعيد المنال، يشترون له الحلوى ويدعون الأهل والأصدقاء لمشاركتهم الفرحة العارمة لتحققه بعد طول انتظار.
ولازلت أتذكر جيدًا وأنا طفل صغير، عندما كان ينتشر خبر انفصال إحدى الزوجات التي نعرفها، كم الحزن الذي ينعكس عليها بمحيط إقامتها، ومدى الإحساس بالضيق الذي يسيطر على أسرتها – أما الآن ونحن في زمن السوشيال ميديا، فحدث ولا حرج عن انتشار الفيدوهات والتدوينات الاحتفالية، بكل ثقة وبهجة هيستيرية، وتنكيل بشخص الشريك المنفصل، فور الإجهاز على أقدس علاقة على وجه الأرض وتحطم أركانها، وتشتيت أفرادها بكل سهولة، واعتبار هذا الحدث مناسبة سعيدة.
الشاهد على ما سبق نستخلصه أيضًا من موقع “العربية نت”، وآراء بعض المطلقات اللاتي وصفنّ “الطلاق” بأنه “مناسبة سعيدة، عكس ما يروج له كونه نهاية لعلاقة مؤلمة” – لكن المؤلم بحق خلف جدار الصمت، هو ما تطويه وتداريه أفئدة الصغار من غصة ودموع محتقنة، حين ترى طفل يبكي بعد استيقاظه ذات يوم، وقد وجد نفسه مطالبًا بانتظار الموعد القانوني لرؤية أبيه أو أمه، وصدمته في قرارهما الجاحد والناكر لفضل عاطفة الاحتواء والدفء الأسري، وضياع حقه في الاستمتاع بحياة سوية.
على الجانب الآخر كتب أحد المدونين الذين ينتمون للزمن الجميل، ويدعمون قيمه النبيلة وحساباته المتزنة، وقال: “ما يفعله هؤلاء يشجع على الطلاق، والطلاق هو دليل على فشل مرحلة من مراحل حياة الفرد، والاحتفال به هو احتفال بالفشل”.
وأضافت أخرى: “إن الاحتفالات التي نراها على التواصل لن تفعل سوى إفساد المجتمع”.. والمشكلة الأكبر من الاحتفال في رأيي، هي ترسيخ قيم وعادات سلبية أخرى مفسدة بالفعل لأجيال وأجيال، والتكيف معها واعتيادها، مثل رؤية انتهاك حقوق الضعفاء بلا حراك أو نخوة، والاكتفاء بسحب الهواتف وفتح تطبيق الكاميرا وتسجيل الحدث صوت وصورة، والافتخار بنسب المشاهدة على شبكات التواصل – مثلما حدث مع تلميذة الابتدائي المعتدى عليها من قبل شقيقة زميلتها، داخل رواق مدرستهن الدولية الشهيرة بالتجمع الخامس، والتي حضرت لتفاجأ الضحية المسكينة بوابل من الشتائم البذيئة، ثم ضرب مبرح بلا مخلص من المتفرجين.
وما بين الاحتفال بالطلاق، وتصوير مشهد إعتداء فتاة مراهقة على طفلة صغيرة، كادت أن تدفع حياتها ثمنًا لنرجسية وعدم استواء زميلتها بنفس المدرسة، أدق ناقوس الخطر معلنًا عن تفشي ظواهر مارقة لا صلة لها بمجتمعنا المتماسك، ضد كل الأخطار على مر السنين.
وعليه يجب أن ينتبه كل الأهل، بالطبقات الاجتماعية المختلفة، لضرورة التوجيه المستمر لفلذات الأكباد – حتى لا يقعوا فريسة لعادات غريبة علينا، تهدمنا من الداخل بشكل ممنهج – بدءًا من التشجيع على الاستخدام الخاطىء للتكنولوجيا، وتوفير أدواتها وأذرعها المعقدة والملتوية، وصناعة محتوى هابط لمجرد الإنتشاء به أو التربح المسموم من وراءه، وصولًا لقناعات وممارسات شاذة لا تمثلنا بل تدمرنا.