وثائق ومستندات شتاء 25 يناير (4) الدولارات الأمريكية التى أغرقت مصر

عاطف عبد الغنى يكتب:

في يوم 6 ديسمبر 2007، في تمام الساعة 15:07 بتوقيت القاهرة، أرسل السفير الأمريكي لدى مصر ، فرانسيس ريتشاردوني، رسالة سرية عبر الإيميل E.mail إلى واشنطن (وزارة الخارجية الأمريكية)، تم تسريبها لاحقًا عبر موقع “ويكيليكس”.
تناولت الرسالة موضوع التمويل الأمريكى الحكومي لمنظمات الدبلوماسية الموازية التي تعمل في مصر من خلال، وتحت غطاء “المجتمع المدني”، وتنفذ أجندات “التغيير” المطلوبة من أمريكا والغرب.

وذكر السفير في الرسالة تفاصيل تتعلق بتوزيع ميزانية هذا التمويل على أربعة مؤسسات (لم يتم الإفصاح عن أسمائها في الوثيقة) خلال العامين الماليين 2007-2008 و2008-2009، مع توصياته بشأن كيفية توجيه هذه الميزانية لتحقيق الأهداف المرجوة.

الرسالة

دعونا نقرأ مقتطفات من الرسالة، ونحاول أن نفهم ما جاء فيها، وما تحمله بين سطورها.
تقول السفارة فى الملخص والمقدمة:

” بعد الكثير من المداولات التي شاركت فيها سفارة القاهرة بالكامل، وافقت الوكالة المشتركة على تخصيص 66.5 مليون دولار لبرامج الديمقراطية والحكم في مصر للسنة المالية 2008 ومبلغ 75 مليون دولار للسنة المالية 2009.

وحسب الرسالة: “تمثل هذه الأرقام المجموع السنوي (لكل سنة على حدة) لدعمنا للمجتمع المدني – المنظمات غير الحكومية الأمريكية والمصرية العاملة على حد سواء فى مصر – وكذلك للبرامج التي تنفذ مع الحكومة المصرية في مجالات إقامة العدل، وإصلاح وسائل الإعلام، واللامركزية”.
وبعد المقدمة السابقة للرسالة يقول السفير رأيه (فى نفس الرسالة) كالآتى:

” ونحن نعتقد أن الاستجابة المصرية المحتملة لهذا المستوى من التمويل ستكون سلبية، ونعتقد أن المنظمات غير الحكومية الأمريكية والمصرية التى لن تملك القدرة على الإنفاق على المستوى المرجو لن تأتى بالنتائج المرجوة والمساءلة المطلوبة”.
ويمضى السفير قدما فيقول: “هذا غير الجدل المثار بشأن تخفيض المبلغ عند السنة المالية 2009 إلى 50 مليون دولار، مع القول إنه إذا تغيرت الظروف، أو أثبتت توقعاتنا أن الحكومة المصرية محافظة للغاية فى مسألة التغيير، يمكننا التفكير في إضافة أموال أخرى للتمويل اقتطاعا من مصادر أخرى في مصر”.

خفض المعونة.. نقاشات ساخنة  

وفي نوفمبر 2007، وقبل حوالي شهر من الرسالة السابقة التى تم تسريبها من وثائق الخارجية الأمريكية، زارت وزيرة التعاون الدولي المصرية فايزة أبو النجا العاصمة الأمريكية واشنطن، حيث تلقت معلومات تفيد بأن المساعدات الأمريكية لمصر، المقررة منذ توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل، ستُخفض في الموازنة الأمريكية، السنة المالية 2009 إلى 200 مليون دولار، مقارنة بـ415 مليون دولار للسنة المالية السابقة 2008.

أثارت هذه الأنباء حالة من الإحباط والاستياء لدى الجانب المصري، وهو ما ظهر بوضوح في اجتماع عقده مسؤولون مصريون بالقاهرة مع نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون المالية الدولية، إليزابيث دابل.

وفي هذا اللقاء، عبّر المسؤولون المصريون عن مشاعر الغضب وخيبة الأمل من قرار التخفيض، مؤكدين على الرفض الشعبي لهذه الخطوة، خاصة وأن خفض المعونة، كان مصحوبًا بتوجيه المبلغ المُقتطع لدعم ما يُعرف بـ”المجتمع المدني” والدبلوماسية الموازية، في إطار جهود تُتهم بأنها تهدف إلى ممارسة ضغط سياسي على النظام المصري.

ووفقًا للتقارير، كان الدكتور سعد الدين إبراهيم أحد أبرز المحرضين على هذه الخطوة، حيث تعاون مع شخصيات بارزة مثل هشام قاسم، وأصدقاء آخرين لأمريكا في القاهرة، سعياً لإضعاف نظام الرئيس حسني مبارك وتسريع تنفيذ برامج التغيير السياسي في مصر.

وكان لابد أن يثير هذا القرار جدلاً واسعًا حول دوافعه، ودوره في تعزيز الضغوط الأمريكية على مصر خلال تلك الفترة.

المنظمات الأمريكية ودورها: تفاصيل من رسالة السفير

تضمنت – أيضا – الرسالة المشار إليها فيما سبق تفاصيل أخرى مهمة حول المنظمات (الأمريكية) العاملة داخل مصر دون ترخيص حكومي، وذكرت الرسالة أسماؤها بشكل صريح، وهذه المنظمات شملت:

  1. المعهد الوطني الديمقراطي (NDI) التابع للحزب الديمقراطي.
  2. المعهد الجمهوري الدولي (IRI) التابع للحزب الجمهوري.
  3. المنظمة العالمية لأنظمة الانتخابات (IFES).
  4. بيت الحرية (Freedom House).

وكانت هذه المؤسسات تتلقى تمويلاً مباشراً من هيئة المعونة الأمريكية (USAID) التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية، بهدف تنفيذ برامج محددة داخل مصر، وفى التفاصيل الآتى:

بيت الحرية (Freedom House)
على سبيل المثال، حصلت منظمة: “بيت الحرية (Freedom House)” على منحة قدرها 900,000 دولار من الأموال الأمريكية الموجهة للتمويل، في السنة المالية 2006 ، بزعم دعم تطوير المجتمع المدني ومناصرة الإصلاح في مصر.

شعار فريدوم هاوس
شعار فريدوم هاوس

وتولت هذه المنظمة، التي أُسست وأديرت من قِبل شخصية يهودية، رفع تقارير سلبية عن أوضاع حقوق الإنسان في مصر، مع التركيز بشكل كبير على قضايا الأقباط، مما أسهم في تشويه صورة الدولة المصرية أمام الإدارة الأمريكية والكونجرس.

فريدوم كوست (Freedom cost) والتنسيق مع الإخوان
وعن “بيت الحرية” انبثقت مؤسسة أخرى تحمل اسم: “فريدوم كوست (Freedom cost)”، والتي كان دورها يتمثل في التنسيق مع جماعة الإخوان المسلمين، وتوفير الدعم المالي لقضايا الجماعة وأفرادها، متذرعة بأنهم “سجناء رأي”. جاء هذا في حين أن الجماعة كانت تمارس أنشطة محظورة ومُجرّمة وفقًا للقانون المصري.

توضح هذه التفاصيل أن هذه المؤسسات لعبت دوراً محورياً في تنفيذ أجندات موجهة داخل مصر، مستخدمة عناوين مثل “الإصلاح” و “المجتمع المدني” لتنفيذ برامج أثارت الجدل السياسي في تلك الفترة، لكن لم تبادر الدولة المصرية وتتصدى لها، وتمنعها، ومن هنا كان الاختراق الواضح لسيادة الدولة المصرية، والنفاذ إلى العمل مباشرة للمجتمع المصرى، وتحريضه على دولته، وتهيئته للثورة عليها..

 أبعاد وأهداف مخفية

أوضحت أيضا، الرسالة المسربة أن الولايات المتحدة قدمت منحًا مباشرة لحوالي أربعين منظمة غير حكومية مصرية، وأوضح السفير الأمريكي في مصر الآتى: “نعتقد أننا نمول كل مؤسسة في مصر تقريبًا ترغب في العمل معنا وتفي بمعايير المنح المباشرة.”

 واختتم السفير رسالته بالإشارة إلى احتمالية حدوث تغيرات سياسية كبيرة ومفاجئة في مصر خلال السنوات المقبلة، قائلاً:

“يمكن أن تتغير الظروف السياسية في مصر بشكل كبير ومفاجئ في أي وقت خلال السنوات القليلة المقبلة، إذا توفي الرئيس مبارك أو أصبح عاجزًا قبل إكمال فترة ولايته في عام 2011، وحتى ذلك الحين، فإن قيود الحكومة المصرية التي تؤثر على عمليات مجموعات المجتمع المدني من غير المحتمل أن تتحسن بشكل كبير أو سريع.”

والعبارات السابقة تعكس بوضوح وجود مخطط كان قائما، ودائم، فقط مع الوضع فى الاعتبار أن عام 2011 كان تاريخا مفصليا فى المخطط، لكن معرفة الحقائق وأصولها وأهدافها تكشف عن رؤية استراتيجية طويلة الأمد لا تتعلق بإسقاط نظام حاكم أو تمكين آخر، ولكن  بما هو أخطر وأبعد ويدخل فى نطاق الصراع الاستعمارى الغربى، ووكيله الصهيونى فى منطقتنا العربية.

الحلقة القادمة: عراب التمويل وأخطر مؤسساته وأهدافها 

اقرأ فى هذه السلسلة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى