مصرى عائد من سوريا يحكى تجربته بين القصف و الخطف واللا حدود (3 من 3).. محطة الوصول

بيان

هذا هو الجزء الثالث من حكاية المصري العائد من سوريا بعد أيام قليلة من سقوط نظام بشار الأسد وسيطرة الميليشيات المسلحة على البلاد. رحلة محفوفة بالمخاطر وأشبه بمحاولة انتحار، حيث واجه فيها صاحب التجربة القصف، والخطف، وانعدام الحدود، في رحلة لا تُنسى.

أشرف التهامى
أشرف التهامى

ما نعرضه لكم اليوم هو تجربة مراسلنا أشرف التهامي، المصري الذي عاش سنوات طويلة في سوريا، وامتزجت تجربته بقربه من أجهزة الأمن ودوائر صنع القرار في عهد النظام السابق. تجربة مليئة بالتفاصيل الحية، التي تعكس حقيقة ما حدث في بلد مزقته الحرب.

قررنا أن نمنحه المساحة الكاملة ليحكي القصة كما عاشها، بحرية تامة، ليضعنا في قلب الأحداث. لكن، بسبب طول القصة، قسمناها إلى ثلاثة أجزاء: أولًا، لإتاحة الوقت لفهم التفاصيل واستيعابها؛ وثانيًا، لإبقاء التشويق قائمًا مع كل جزء.

وفيما يلي، نقدم الجزء الثالث لرحلة التهامي، ونقترب أكثر من تفاصيل مغامرته في سوريا، حيث تمتزج الشجاعة بالخوف، والأمل بالدمار.. تفضلوا بالقراءة.

                                                              رئيس التحرير

انتهى التهامى فى الحلقة السابقة إلى القول: “علمت بأن هيئة تحرير الشام تبحث عني في كل مكان، قررت الخروج من سوريا متجهاً إلى لبنان، ثم إلى مصر. لم يكن ذلك سهلاً أبداً، فبدأت مغامرة جديدة ومحفوفة بالمخاطر”.

ويواصل:

“عندما أخبرني أحد أصدقائي بأنهم في طريقهم إليّ، توجهت فورًا إلى مدينة حمص، ووصلت إليها حوالي الساعة الثانية عشرة ليلًا.

بدت المدينة وكأنها مدينة أشباح، يغمرها الظلام الدامس، ويخيّم عليها سكون مريب، بينما كانت عناصر “هيئة تحرير الشام” متجمعة أمام مركز انطلاق “البولمان”.

كان هذا مشهدًا مغايرًا تمامًا لما كانت عليه حمص قبل سيطرة الفصائل المسلحة عليها، حيث كانت تعج بالحركة والحياة على مدار الساعة.

عند وصولي إلى مركز انطلاق البولمان، تواصلت مع الشخص المسؤول عن ترتيبات سفري إلى بيروت، فأرسل لي سائق تاكسي من طرفه، قام السائق بتوصيلي إلى فندق حمص الكبير، حيث حجزت غرفة للمبيت حتى الصباح، إلا أنني لم أتمكن من النوم بسبب أصوات الاشتباكات المستمرة والحديث عن استعدادات لخروج مظاهرات في الصباح، بعضها لأنصار السنة وأخرى لأنصار الشيعة.

في الوقت نفسه، كنت أتواصل مع أصدقائي في بيروت لإتمام حجز تذكرة الطائرة من مطار رفيق الحريري الدولي، إذ إن القوانين اللبنانية تفرض على المصريين الداخلين إلى لبنان قانونيًا أن يكون لديهم تذكرة مغادرة في غضون 24 ساعة.

نجح أصدقائي في بيروت في حجز التذكرة بعد الساعة التاسعة صباحًا، وأرسلوا لي صورة التذكرة عبر تطبيق “واتساب”، بعد أن تم تسجيلها على منصة الأمن العام اللبناني، وعلى إثر ذلك، أعاد الشخص المسؤول إرسال سائق التاكسي نفسه ليقلني إلى الحدود اللبنانية عبر معبر جوسة.

خلال الطريق من حمص إلى الحدود اللبنانية، كان المشهد قاتمًا ومليئًا بالدمار بسبب الاستهدافات الإسرائيلية التي طالت المنطقة. مررنا بمدينة القصير، التي كانت خاضعة لسيطرة حزب الله، وشهدت حجم الخراب الذي ألحقته الحرب.

عند وصولي إلى الحدود السورية اللبنانية، صدمت بوجود أربعة عناصر من “هيئة تحرير الشام” لحراسة المعبر، وجميعهم ملثمون ومنشغلون باستخدام هواتفهم المحمولة والشيشة. قطعت المسافة القصيرة التي تفصل بين الحدود السورية واللبنانية سيرًا على الأقدام، والتي لا تتجاوز خمسين مترًا، للحصول على تأشيرة الدخول إلى لبنان.

لكنني فوجئت بعنصر الأمن العام اللبناني يخبرني أنني بحاجة للانتظار لحين وصول الموافقة من الإدارة العامة للأمن العام اللبناني. بعد أن سلّمت جواز سفري، جاء عنصر استقصاء من المخابرات اللبنانية ليسألني عن سبب انتظار سائق التاكسي الذي أوصلني إلى الحدود. أوضحت له أنني طلبت من السائق الانتظار في حال لم أتمكن من دخول لبنان، ليعيدني إلى حمص. إلا أن الشكوك حول السائق دفعته للتحفظ على هاتفه وهويته للتأكد من هويته، حيث اشتُبه في احتمالية ارتباطه بعمليات تهريب البشر.

بسبب ذلك، تم توقيفي مع السائق داخل زنزانة بمعبر جوسة على الحدود اللبنانية لمدة تجاوزت سبع ساعات. كان هاتفي المحمول بحوزة الأمن اللبناني، ما أدى إلى قلق أسرتي وأصدقائي الذين لم يتمكنوا من الوصول إليّ. خلال تلك الساعات، عانيت من الجوع والعطش والبرد، إذ لم أتناول أي طعام أو شراب منذ أكثر من ثلاثين ساعة، ما زاد من شعوري بالخوف والقلق.

في تمام الساعة العاشرة مساءً، قدّم لي رئيس المعبر اعتذاره عمّا حدث، موضحًا أن الإجراء كان لضمان سلامتي، خاصة بعد الاشتباه في السائق. تبيّن لاحقًا أن السائق بريء تمامًا، وقدّموا لي الطعام والشراب فور معرفتهم بحالتي. كما تم توفير سيارة لنقلي إلى بعلبك، حيث استقبلني شاب لبناني مثقف يُدعى عبد اللطيف زيتون. أبهرني هذا الشاب بحسن ضيافته وكرم أخلاقه، إذ لم يكن مجرد سائق بل مضيفًا كريمًا طوال الرحلة إلى بيروت.

بعد رحلة شاقة استمرت أكثر من 36 ساعة، وصلت إلى بيروت حيث استقبلني أحد أصدقائي وقريب زوجتي. اصطحبني إلى منزل شقيقة زوجتي في مدينة صيدا. وصلت هناك حوالي الساعة الثانية والنصف صباحًا، استعدادًا لرحلتي الجوية التي ستعيدني أخيرًا إلى أحضان وطني الحبيب، مصر”.

التهامى فى الشام القديمة
التهامى فى الشام القديمة

طالع المزيد:

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى