القس بولا فؤاد رياض يكتب: عيد عُرس قانا الجليل

بيان
تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يوم 21 يناير الموافق 13 طوبة من كل عام بعيد عرس قانا الجليل، الذي يُعتبر تذكارًا لأول معجزة صنعها السيد المسيح بقوته الإلهية. فعندما نفد الخمر المعتاد تقديمه في أعراس اليهود، قالت السيدة العذراء للسيد المسيح: “ليس لهم خمر” (يو 2: 3). فأجابها السيد المسيح: “ما لي ولكِ يا امرأة؟ لم تأتِ ساعتي بعد” (يو 2: 4). ورغم ذلك، استجاب لطلبها وأمر الخدام: “املأوا الأجران ماءً” (يو 2: 7)، فملأوها إلى فوق.

هذه الوصية التي قالها السيد المسيح للخدام في عرس قانا الجليل تحمل معاني روحية عميقة. فهي دعوة لنا أن نُقدّم كل ما لدينا لله: املأ حياتك بمحبة الله والآخرين. املأ نفسك بالصلاة، الصوم، الصدقة، السهر الروحي، الأمانة، الإيمان، والتواضع. اجعل جسدك، قلبك، عقلك، أفكارك، وحواسك أجرانًا مليئة بالروح القدس. يقول الكتاب: “امتلئوا بالروح” (أف 5: 18). وعندما تمتلئ حياتك بروح الله، تتحول كل برودة روحية إلى حرارة إيمانية. يقول الكتاب: “وجدتُ كلامك فأكلتُه، فكان كلامك لي فرحًا وبهجة لقلبي” (إر 15: 16).

تُشبه هذه المعجزة أول معجزة صنعها موسى النبي، عندما حوّل ماء نهر النيل إلى دم (خر 7: 20)، مما يُشير إلى علاقة رمزية بين موسى المنقذ الأول لشعب إسرائيل والسيد المسيح المنقذ الروحي لكل البشرية.

“مهما قال لكم فافعلوه” (يو 2: 5). هذه الوصية التي قالتها السيدة العذراء للخدام في عرس قانا الجليل هي أعظم نصيحة تركتها للبشرية. فهي تُعلّمنا الطاعة والخضوع، كما أطاع بطرس وألقى الشبكة فامتلأت بالسمك (لو 5: 5-6)، وكما أطاع متى العشار، فامتلأ بيته بركة، وأطاع الخدام في العرس فامتلأت الأجران بالخمر. التسليم الكامل مثل إيمان إبراهيم أبي الآباء يجعل “قُعب الدقيق لا يفرغ وكوز الزيت لا ينقص” (1مل 17: 14)، ويجعل خمسة أرغفة وسمكتين تُشبع آلافًا.

الوصية تنقلنا من المحدود إلى غير المحدود، ومن المعقول إلى فوق المعقول، ومن غير المستطاع إلى المستطاع، كما حدث في شق البحر الأحمر مع موسى (خر 14: 21-22) وعبور نهر الأردن مع يشوع (يش 3: 15-17).

الكنيسة تُلقّب السيدة العذراء بـ”الشفيعة الأمينة لجنس البشرية”، لأنها تقدم شفاعتها وطلباتها إلى السيد المسيح من أجلنا. محبتنا لها تجعلنا نتطلع إليها كقدوة في الطهارة والقداسة. يقول السيد المسيح: “إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي” (يو 14: 15). كما يقول: “إن أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي، وإليه نأتي، وعنده نصنع منزلًا” (يو 14: 23).

حول السيد المسيح الماء إلى خمر جيدة لا تُسكر. لكن البعض يفهم هذه المعجزة خطأً كدليل على إباحة شرب الخمر، بينما وصية الله واضحة: “ولا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة، بل امتلئوا بالروح” (أف 5: 18). السيد المسيح لم يشرب الخمر، لكنه ذاقها يوم خميس العهد عندما أسس سر الإفخارستيا، قائلًا: “إني من الآن لا أشرب من نتاج الكرمة هذا إلى ذلك اليوم حينما أشربه جديدًا في ملكوت أبي” (مت 26: 29).

حضر السيد المسيح والسيدة العذراء هذا العرس لأن العريس كان قريبًا لهما. وبارك السيد المسيح الزواج وأسس سر الزيجة المقدسة، أحد الأسرار السبعة في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

بركة عيد عرس قانا الجليل تكون معنا جميعًا. وكل عام وأنتم بخير.

…………………………………………………………………..
كاتب المقال: كاهن كنيسة مارجرجس – المطرية – القاهرة

اقرأ أيضا للكاتب:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى