طارق صلاح الدين يحكي قصة “وحدة الظل” في حماس ودورها مع الأسرى الإسرائيليين
بيان
مقدمة
فى السطور التالية يكشف الكاتب والمحلل طارق صلاح الدين، للقارىء عن التفاصيل المتعلقة بـ “وحدة الظل” فى حماس، موضحا لجوانب كثيرة غير معلومة عن نشأة وتكوين وعمل هذه الوحدة المقاومة المسلحة، ودورها فى العديد من المهام التى تم تكليفها بها، وأحدثها ما قامت بها خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، وقد تولت شأن الأسرى، وكانت تقوم بنقلهم (نقل الأسرى) من مكان لآخر بطرق تكتيكية بالغة الدقة والترتيب المعقد حتى أنها كانت تجبر الجنود المختطفين على ارتداء ملابس نسائية فلسطينية لرفع درجات التخفى إلى أقصى الحالات.. وحكايات أخرى تحملها السطور التالية.
التقرير
ظهر تعبير “وحدة الظل” مؤخرًا في المنطقة العربية داخل أبرز حركات المقاومة، وهي حزب الله في لبنان وحماس في غزة والضفة الغربية.
وكانت وحدة الظل بحزب الله أسبق في الظهور، حيث تم تأسيسها عقب اغتيال الأمين العام الأول لحزب الله، عباس الموسوي، عام ١٩٩٢ تحت اسم (وحدة الظل 910) بهدف استهداف المصالح الإسرائيلية في مختلف أنحاء العالم، ونجحت بالفعل في تفجير السفارة الإسرائيلية في بيونس آيرس عام ١٩٩٢، والمركز المجتمعي اليهودي في الأرجنتين عام ١٩٩٤.
أما وحدة الظل التابعة لحماس فقد تم إنشاؤها لأهداف تختلف تمامًا عن أهداف حزب الله، بهدف الاحتفاظ بالأسرى الإسرائيليين الذين ينجح مقاتلو حماس في أسرهم أو اختطافهم.
بين حماس وحزب الله
ويجمع بين الوحدتين في حماس وحزب الله طابع السرية الشديدة والتكتم المطبق وفي حدود ضيقة جدًا من القادة.
ويعود الفضل الأول في تأسيس وحدة الظل داخل حماس إلى القائد الميداني العام محمد الضيف، الذي نجحت إسرائيل في اغتياله في يوليو الماضي.
وتم الإعلان عن هذه الوحدة عام 2016 بعد مرور عشرة أعوام على التأسيس في عام 2006، وكان السبب الرئيس في هذا الإعلان هو نجاح وحدة الظل في تأمين وحراسة والحفاظ على حياة الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، الذي نجحت حماس في اختطافه بعملية استراتيجية بالغة التعقيد في يونيو 2006. ورغم جهود أجهزة التعقب والاستخبارات الإسرائيلية، إلا أن وحدة الظل نجحت في إخفاء شاليط داخل “دائرة المجهول” كما عرفها محمد الضيف.
وتم ظهور هذه الوحدة بعد ثلاثة أشهر من اختطاف شاليط، بعد أن تعرضت عدة أماكن كان موجودًا بها لضربات جوية إسرائيلية، وضمت أعضاء ذوي خبرات أمنية وعسكرية على مستوى كبير.
وحدة المهام الخاصة
وتعتبر وحدة الظل بمثابة وحدة المهام الخاصة الأكثر سرية ونوعية داخل كتائب القسام، ونجحت لمدة خمس سنوات كاملة في الحفاظ على سرية مكان شاليط بعيدًا عن أعين عملاء الموساد ووحدات المستعربين واليمام، لتنجح الحركة في نهاية الأمر في مبادلة شاليط بعدد كبير وهو 1050 أسيرًا وأسيرة من الفلسطينيين.
وفي عام 2014، كانت وحدة الظل على موعد مع عملية نوعية جديدة تشمل احتجاز أربعة أسرى إسرائيليين، بينهم جنديان أسرتهما القسام خلال حرب غزة 2014، وجاسوسان تسللا إلى غزة وقبض عليهما رجال القسام.
أما ثالث وأكبر وأعظم مهام وحدة الظل فقد تجسد في الحفاظ على عدد ضخم من الأسرى الإسرائيليين عقب هجوم السابع من أكتوبر 2023، حيث وصل العدد إلى ما يقارب 250 رهينة دفعة واحدة، وهي مهمة تكاد تكون مستحيلة النجاح، وخاصة عقب اجتياح إسرائيل لقطاع غزة وإشعال حرب طاحنة على مدى 15 شهرًا شملت كل أنواع القصف الجوي والبرّي ومهاجمة الأنفاق في إطار حصار شامل منعت فيه إسرائيل الماء والغذاء والوقود عن قطاع غزة.
ورغم ذلك، نجحت وحدة الظل في الحفاظ على حياة عدد كبير من هؤلاء الرهائن، وظهر ذلك واضحًا جليًا في الحالة الصحية الجيدة التي ظهر بها جميع الرهائن المفرج عنهم.
وتضم وحدة الظل هيكلًا ضخمًا من الرجال الذين يتم اختيارهم بدقة متناهية من جميع وحدات القسام، ويلعب الذكاء واستشعار الخطر والسرية والشخصية القوية الدور الأهم في الاختيار، بالإضافة إلى دورات لرفع الكفاءة. يخضعون لاختبارات شاقة وتدريبات مكثفة لرفع القدرات الشخصية والأمنية والقتالية.
وتعتمد الوحدة بشكل أساسي على ممرضين مقيمين وأطباء يفحصون الأسرى كل 48 ساعة بما يضمن الحفاظ على حياتهم.
نساء مدربات
وتضم الوحدة مجموعة كبيرة من النساء المدربات على العناية بالنساء الأسيرات والاهتمام بالنظافة الشخصية وتلبية كافة الاحتياجات اللازمة لهن، وظهرت بعض النساء الحارسات أثناء صفقة تبادل الأسرى الأولى التي تمت في نوفمبر 2023، وظهرت الأسيرات الإسرائيليات في حالة عاطفية حميمية مع الحارسات عند الوداع.
وبسبب اللثام، ظن الكثيرون أن النساء الحارسات ليسوا نساء بل رجال وقعَت الأسيرات في غرامهم، وهو ظن خاطئ بالطبع.
ويعيش أعضاء وحدة الظل حياة عادية جدًا، ولا يبدو عليهم أبدًا علامات العمل داخل هذه الوحدة.
وسجل رجال الظل إعجازًا لا يوصف بالقدرة على الاختفاء مع الرهائن خمسة عشر شهرًا تحت قصف جوي ومدفعي وبحري في بعض الأحيان، واجتياح بري وصل فيه الجنود الإسرائيليون إلى كل مكان داخل قطاع غزة، علاوة على استعانة إسرائيل بطائرات التجسس الأمريكية والبريطانية التي كانت ترصد كل همسة، ومزودة ببصمات صوت الرهائن، ورغم ذلك فشلت إسرائيل في الوصول إلى أماكن الأسرى. وشكلت محاولات تحرير الأسرى التي قام بها الجيش الإسرائيلي كارثة حقيقية، حيث كان الفشل من نصيب هذه المحاولات، سواء بقتل الأسرى أو الخسائر العالية في الوحدات التي تحاول تحريرهم أحياء، وتعتبر عملية الأسير الإسرائيلي ساعر باروخ تجسيدًا دقيقًا للفشل الإسرائيلي في إطلاق سراح الرهائن وهم على قيد الحياة.
مهام أخرى
وبالإضافة إلى مهام الحفاظ على حياة الأسرى وإخفائهم، يقوم أعضاء وحدة الظل بحفر الأنفاق وإطلاق الصواريخ كباقي المقاتلين.
وخلال حرب غزة الأخيرة، نجحت وحدة الظل في نقل الأسرى من مكان لآخر بطرق تكتيكية بالغة الدقة والترتيب المعقد، بما فيها إجبار الجنود المختطفين على ارتداء ملابس نسائية فلسطينية لرفع درجات التخفّي إلى أقصى الحالات.
وكذلك نقل الأسرى إلى شقق سكنية سرية مؤمنة وسط المباني المدمرة في حالة استهداف الأنفاق والعكس.
كما تم وضع بعض الأسرى داخل مركبات معطلة في الشوارع المدمرة بهدف التمويه حتى يتم تدبير أماكن أكثر أمانًا.
وتبدو المهمة الأصعب في إخراج الأسرى من أماكنهم إلى أماكن تسليمهم، حيث استعانت بوحدات قتالية أبرزها كتيبة الشاطئ للتمويه وإطلاق عدة سيارات بنفس الماركات والألوان من عدة أماكن في وقت واحد لتوفير عنصر الأمان.
والمثير للسخرية أن كتيبة الشاطئ نفسها نجحت في خداع أجهزة الأمن الإسرائيلية التي أعلنت في 3 ديسمبر 2023 عن اغتيال هيثم الحواجري، قائد وحدة الشاطئ، إلا أنه ظهر على قيد الحياة يوم السبت أول فبراير 2025 أثناء تسليم الأسير الإسرائيلي كيث سيغال إلى الصليب الأحمر في ميناء غزة.
ويعتبر هذا الفشل هو الثاني من نوعه بعد إعلان إسرائيل خطأ معلوماتها بشأن اغتيال حسين فياض، قائد كتيبة بيت حانون، الذي أعلنت نجاح عملية اغتياله، ثم ظهر عقب إعلان وقف إطلاق النار أثناء صفقات التبادل.
وتعتبر دورات التدريب الأمنية والتكنولوجية واللوجستية والاستخباراتية ركنًا أساسيًا في أيديولوجية عمل وحدة الظل، ويتميز معسكر خان يونس بأنه يضم معظم أفراد هذه الوحدة.
ظهورهم الذى أثار الغضب
وفي النهاية، لابد من الإشارة إلى أن ظهور أفراد وحدة الظل في ملابسهم السوداء وأقنعة القسام الخضراء وبكثافة ضخمة تسبب في موجة غضب عارمة في وسائل الإعلام الإسرائيلية التي وجهت سؤالًا غاضبًا إلى نتنياهو عن كيفية ظهور هذا العدد الضخم من رجال وحدة الظل بعد 15 شهرًا من القتال، وماذا كان يفعل جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة طوال هذه الفترة؟ وهل هذا هو النصر المطلق الذي أعلنه نتنياهو كهدف للحرب؟
طالع المزيد: